النهار
جريدة النهار المصرية

مقالات

حامد محمود يكتب: غزة.. تنصرها وسائل التواصل الاجتماعى وتخذلها وسائل الإعلام التقليدية

حامد محمود
-

عندما يتعرض الإعلام والإعلاميون للقتل والقمع والتنكيل والترويع والإبعاد عن ساحة الأحداث، فهذا يعنى أن أهوالًا وأحداثًا مروعة تقع، ويرغب المُرتكِب فى إخفائها عن الرأى العام داخل المنطقة وخارجها، وهذا ما يحدث فى قطاع غزة؛ إذ إن الإمعان الإسرائيلى فى حرب الإبادة والتدمير الذى يستهدف 2.3 مليون إنسان فلسطينى، المترافق مع إفلات المرتكبين من المساءلة والعقاب، والناجم عن مواقف الدول الداعمة للعدوان الإسرائيلى التى تمنع النقد، وتحول دون الكشف عن الجرائم وتطبيق القانون الدولى، بالإضافة إلى تقييد أو منع احتجاجات التضامن مع الضحايا المطالِبة بوقف حرب الإبادة بذريعة "معاداة السامية".

لا تنفصل الحرب على الإعلام عن الصراعات الداخلية والإقليمية وحروب النهب والهيمنة على أعلى المستويات، فقبل أيام قليلة من انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة، قال دونالد ترامب إنه لا يمانع مطلقًا إذا أطلق مهاجم النار على وسائل الإعلام الكاذبة، وخصص بالاسم "NBC"، و"ABC"، و"CBS".

وهذا ليس غريبًا، فثمة إجراءات محمومة لترهيب الإعلاميين وتطويعهم، إذ تتحدث "جنيفيف لاكير"؛ الأستاذة الحقوقية فى جامعة شيكاغو، عن إحساس جديد غير مألوف بالخوف المهنى والإعلامى فى الولايات المتحدة يُشبه الخوف فى الحقبة المكارثية السوداء، والخوف من إبداء الرأى الصريح بالمجازر الإسرائيلية، ومن التعبير عن التضامن مع الفلسطينيين، ونقْد إسرائيل، وهو خوف لا يشبه الخوف السابق، إنما أعمق يصل إلى حد الرعب، ويستند إلى حوادث خسر فيها أصحاب الرأى المضاد للسردية الإسرائيلية أعمالهم وأرزاقهم.

فى المقابل، سدّت وسائل التواصل الاجتماعى الفجوات فى التقارير بشأن الحرب على غزة. ففى السنوات الأخيرة، أثبتت قوتها ونفوذها فى صياغة السرديّات المتعلّقة بالصراعات العالمية، بما فيها هذه الأخيرة. فى الواقع، لقد أصبحت منصّات التواصل الإجتماعى أدوات لا غنى عنها لتقديم سرديّات بديلة، إذ تشكّل منصّات مثل “إنستجرام” و”فيسبوك” و”إكس” منبرًا للمواطنين العاديين على الأرض وتسلّط الضوء على قصصهم الشخصية وصورهم وتحديثاتهم فى الوقت الفعلى. وقد انتشرت منشورات ووسوم مثل #FreePalestine  (فلسطين حرة) و#GazaUnderAttack (غزة تحت الهجوم) أدّت إلى زيادة الوعى والحديث عبر الحدود الجغرافية والأيديولوجية. وسمحت صحافة المواطن والتى تُعرَف أيضًا بالصحافة الشعبية وصحافة الشارع على وسائل التواصل الاجتماعى بنقل وجهات نظر متنوّعة من خلال عرض قصص قد لا تنشرها وسائل الإعلام التقليدية. تتيح دمقرطة المعلومات هذه للمواطنين العاديين تبادل وجهات نظرهم مع جمهور عالمى واسع. وقد شكّلت وسائل التواصل الاجتماعى كذلك منتديات للنشطاء والصحافيين والرأى العام من أجل تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان والهواجس الإنسانية التى غالبًا ما تتجاهلها وسائل الإعلام الرئيسية.

تؤثّر وسائل التواصل الاجتماعى بشكل كبير فى نظرة الرأى العام وتشارك القصص حول الحرب على غزة. على سبيل المثال، “تؤثّر وسائل التواصل الاجتماعى فى الطريقة التى ينظر فيها الأمريكيّون، لا سيما الشباب منهم، إلى الصراع. يستمدّ الجمهور الأصغر سنًا أخباره من وسائل التواصل الاجتماعى - خاصة “تيك توك” و”إنستجرام” – أكثر من وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف والتليفزيون“. وتعزّز الحملات عبر الإنترنت التوعية وتشجّع التحرّك فى مختلف أرجاء العالم، على غرار التوقيع على العرائض وجمع التبرعات من خلال المحتويات السمعية والبصرية والوسوم مثل #GazaUnderAttack. بالإضافة إلى ذلك، تسهّل وسائل التواصل الاجتماعى التحديثات فى الوقت الفعلى وتقدّم منصّة لوجهات نظر متنوّعة. على سبيل المثال، يبث Rosie و@ajplus تقارير حيّة عن غزة على “تيك توك” فى حين أنّ @mizna_arabart و@e7sawafa يستخدمان منصة “إنستجرام” للإبلاغ عن أحداث وإصابات من الطرفين. وتسمح هذه المنصتان للرأى العام بتكوين نظرة تتجاوز ما تنقله وسائل البث.

صحيحٌ أنّ وسائل التواصل الاجتماعى تقدّم فرصًا ممتازة لعرض سرديات بديلة بشأن الحرب على غزة، لكنّها ليست مثالية؛ بسبب الاستقطاب المتزايد الذى يشكّل أحد قيودها. فيمكن أن تكون بمثابة غرف صدى لا توفّر للمستخدمين سوى المعلومات التى ترسّخ معتقداتهم.

نهاية نحن بحاجة إلى إعلام عربى حقيقى يكون مصدرًا للأخبار لا ناقلًا لها ولسردياتها المختلفة من وجهة نظر الآخرين.