النهار
جريدة النهار المصرية

عربي ودولي

هل تتحول خطة ترامب إلى فخ سياسي جديد لتكريس الاحتلال تحت غطاء السلام؟

ترامب ونتنياهو
هالة عبد الهادي -

في مشهد سياسي غير مسبوق منذ اندلاع الحرب في غزة، بدت الساحة الفلسطينية على أعتاب منعطف جديد، بعدما أعلنت حركة "حماس" قبولها ببنود رئيسية من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب، في خطوة أثارت تساؤلات حادة حول ما إذا كانت هذه بداية تسوية تاريخية أم مجرد هدنة تمهّد لجولة نفوذ جديدة بين واشنطن وتل أبيب وموسكو وطهران.

البيان الصادر عن "حماس" مساء الجمعة، حمل لهجة لافتة، إذ أبدت الحركة استعدادها لإنهاء الحرب، والانسحاب الإسرائيلي الكامل، والإفراج المتبادل عن الأسرى، والموافقة على إعادة إعمار القطاع ورفض تهجير الفلسطينيين، لكنها تركت الباب مفتوحًا أمام تفاوض موسّع بشأن مستقبل الحكم والإدارة في غزة، في إشارة إلى أن الصراع لم يعد عسكريًا فقط، بل دخل مرحلة إعادة رسم ملامح السلطة في القطاع.

ورغم أن خطة ترامب نصّت على أن غزة ستدار عبر هيئة انتقالية من التكنوقراط تحت إشراف لجنة دولية يرأسها ترامب نفسه، فإن حماس ردّت بأنها لا تمانع تسليم الإدارة إلى هيئة فلسطينية مستقلة تحظى بتوافق وطني ودعم عربي وإسلامي، وهو ما يشي برغبة الحركة في كسب شرعية سياسية دون الخضوع الكامل للوصاية الدولية.

لكن النقطة الأكثر حساسية في خطة ترامب وفق مراقبين هي استبعاد حماس من أي دور سياسي أو أمني مستقبلي في غزة، وهو ما رفضته الحركة ضمناً، مؤكدة أن "أي ترتيبات تخص مستقبل القطاع يجب أن تناقش في إطار وطني جامع"، في رسالة واضحة بأن الحركة لن تخرج من المعادلة بسهولة، وأنها تراهن على مقايضة سياسية جديدة قد تُبقيها جزءًا من المشهد، ولو من وراء الكواليس.

في المقابل، رحبت كل من قطر ومصر برد حماس، واعتبرته الأمم المتحدة فرصة لإنهاء المأساة الإنسانية في غزة، بينما أبدت إسرائيل استعدادها للتنفيذ الفوري للمرحلة الأولى من الخطة، والمتعلقة بالإفراج عن جميع المحتجزين الإسرائيليين.

من جانبه، دعا ترامب إسرائيل إلى التوقف الفوري عن القصف، مؤكدًا عبر منصة "تروث سوشل" أن "الفرصة الآن مواتية لسلام دائم"، فيما وصف قبول حماس بالخطة بأنه "يوم مميز"، في إشارة إلى أن واشنطن ترى في هذه الخطوة بداية لتكريس نفوذها السياسي مجددًا في المنطقة، بعد أشهر من تراجع الدور الأميركي في إدارة الصراع.

غير أن أوساطاً عربية حذرت من أن الخطة قد تكون إعادة تدوير لنموذج وصاية دولية على غزة، تمنح واشنطن وتل أبيب نفوذاً كاملاً على شكل الحكم والأمن وإعادة الإعمار، وسط شكوك حقيقية حول إمكانية قبول فصائل المقاومة الأخرى وعلى رأسها الجهاد الإسلامي بتفاصيل الخطة الأميركية.

وفي تعليق على الخطة، قال الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، الدكتور مصطفى البرغوثي، إن خطة ترامب "مليئة بالألغام"، مشيرًا إلى أنها تتجاهل جوهر الصراع الحقيقي المتمثل في الاحتلال الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري المفروض على الشعب الفلسطيني.

وأضاف البرغوثي، في تصريحات له، أن أخطر ما في المقترح الأميركي هو طرح فكرة فرض حكم أجنبي على الفلسطينيين في غزة، معتبرًا أن ذلك "يقوّض أي إمكانية حقيقية لقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة". وأكد أن: "الخطة تسعى لتكريس السيطرة الإسرائيلية على الأرض والقرار الفلسطيني تحت غطاء وقف إطلاق النار وإعادة الإعمار"، مشددًا على أن "أي مبادرة لا تنهي الاحتلال بشكل كامل وتضمن وحدة الأراضي الفلسطينية هي مجرد محاولة لتجميل واقع الاحتلال".

ويبدو أن الحرب في غزة تدخل اليوم مرحلة “السياسة الثقيلة”، حيث تتقاطع فيها المصالح الإسرائيلية والأميركية مع حسابات عربية وإقليمية معقدة، في ظل غياب الثقة بين الأطراف المتنازعة. فهل ستكون خطة ترامب جسر عبور نحو تسوية شاملة، أم مجرد استراحة تكتيكية قبل عاصفة جديدة تعيد إشعال الصراع على مستقبل غزة والمنطقة بأسرها؟

من الجانب الإسرائيلي، وصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خطة ترامب بأنها "انتصار استراتيجي للسلام بشروط إسرائيل"، مؤكدًا أن أي انسحاب من غزة سيكون تدريجيًا ومشروطًا بنزع سلاح المقاومة بالكامل. وفي المقابل، يرى مراقبون أميركيون أن واشنطن لا تبحث عن تسوية نهائية بقدر ما تريد تثبيت نفوذها السياسي والعسكري في الشرق الأوسط بعد شهور من التراجع أمام روسيا والصين.

ويقول الخبير الأميركي ريتشارد هاس، الرئيس السابق لمجلس العلاقات الخارجية، إن ترامب يسعى لاستثمار لحظة الإنهاك في غزة لإعادة فرض معادلة الردع الأميركية القديمة، مضيفًا أن "الولايات المتحدة لا تريد فقط إنهاء الحرب، بل إعادة صياغة التوازن الإقليمي على طريقتها".

وهكذا، تبدو غزة أمام مفترق حاسم: إما تسوية تُنهي سنوات الحرب وتفتح باب إعادة الإعمار، أو تسوية تُعيد إنتاج الصراع تحت غطاء السلام، فيما يظل الشعب الفلسطيني هو الطرف الوحيد الذي يدفع الثمن في كلتا الحالتين.