أشرف مروان.. البطل الخفي أم الجاسوس الأعظم؟

- أشرف مروان.. "العميل المزدوج" بين الأسطورة والجدل
يبقى اسم أشرف مروان، صهر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، واحدًا من أكثر الألغاز إثارة في تاريخ المخابرات الحديثة، حيث ارتبطت سيرته بمعارك الاستخبارات بين مصر وإسرائيل، وظل موضع جدل حتى بعد رحيله الغامض في لندن عام 2007.
مروان، الذي تخرج في كلية الهندسة بجامعة القاهرة وتزوج من منى عبد الناصر، دخل مبكرًا إلى دائرة السلطة، ليصبح مستشارًا للرئيس أنور السادات وذراعًا سياسيًا في ملفات حساسة. غير أن اسمه ارتبط بواحدة من أعقد قصص "العميل المزدوج": فبينما اعتبرته إسرائيل "أعظم جاسوس خدمها"، تؤكد روايات مصرية أنه كان بطلًا قدّم معلومات مضللة أسهمت في خداع تل أبيب قبل حرب أكتوبر 1973.
دور محوري في خطة الخداع الاستراتيجي لحرب أكتوبر اتسم بتنسيق معلومات مضللة متعمدة، تهدف لتشكيل تصوّر استخباراتي خاطئ لدى العدو وإضعاف يقظته. تركزت عناصر هذا الدور على تسريب إنذارات متضاربة عن نوايا هجومية مزعومة، تضخيم إشارات التحضير إلى مناورة عسكرية دفاعية، وتعمية تحركات القوات الحقيقية عبر تدريبات ظاهرية وإخفاء نقل وحدات قتالية. كما شمل الاستخدام المتقن للاستخبارات اللاسلكية والدبلوماسية لإقناع القيادة المعادية بأن المنطقة آمنة، ما خلق نافذة زمنية مناسبة لتنفيذ المفاجأة يوم السادس من أكتوبر. في المحصلة، كان هذا الدور أساسياً لتهيئة أرضية نجاح الضربة الاستراتيجية.
القصة بلغت ذروتها حين لعب مروان دورًا في ما عُرف بـ"الإنذار الكاذب" لإسرائيل، حيث حذّرها من هجوم وشيك في مايو 1973، فاستنفرت تل أبيب قواتها قبل أن يتبيّن أن شيئًا لم يحدث. ومع تكرار هذه الإنذارات، بدأت القيادة الإسرائيلية تشكك في تحذيراته. وعندما جاء السادس من أكتوبر، ونقل إنذارًا جديدًا من لندن قبل ساعات من الضربة الجوية، استهانت به إسرائيل معتبرة أنه "فخ"، لتفاجأ بالهجوم المنسق الذي أعاد رسم موازين القوى.
بعد الحرب وحتى وفاته، ظل الغموض يلف علاقته بالاستخبارات المصرية والإسرائيلية: هل كان خائنًا سلّم أسرار الدولة؟ أم مهندسًا لعملية خداع كبرى؟ إذ اعتبره البعض "جاسوس إسرائيل الأول" بينما رآه آخرون "بطل الخداع" الذي ضلل تل أبيب ومهّد لانتصار أكتوبر. هذا التضارب غذّته وفاته الغامضة في لندن، التي أضافت طبقات جديدة للرواية، لتبقى شخصية مروان معلّقة بين الأسطورة والخيانة، وملفّه مفتوحًا أمام قراءات متضادة حتى اليوم.
وهكذا بقي الرجل شاهدًا على زمن صراعات الاستخبارات الكبرى، ورمزًا للغموض الذي يختلط فيه الوطن بالسرية والأسطورة.