النهار
جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: انكسار نتنياهو أمام التمرد العالمي

أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار
-

لحظة انكسار بنيامين نتنياهو فى الأمم المتحدة بعد انسحاب معظم وفود الدول أعضاء الجمعية العامة، أثناء كلمته، أصابته بالذعر والخوف والقلق، ولم يشفع له دعم ترامب، أمام حالة التمرد العالمى فى قاعة الأمم المتحدة وأصيب بحالة من الذهول، وأصبح يتخبط فى كلماته بل اعترف بأنه يقوم بالإبادة الجماعية للحفاظ على وجود إسرائيل.
وفى قراءة حقيقية للأحداث، فإن العزلة الدولية أصابت ترامب قبل نتياهو فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، من خلال الاعتراف بالدولة الفلسطينية رغم أنهما ما زالا يمارسان فى غزة كل أنواع الفوضى الإنسانية والإبادة التى لم يحدث مثلها فى التاريخ والجغرافيا تحت أوهام إسرائيل الكبرى (آسف أمريكا الكبرى) التى جعلت من هذه الدويلة المارقة دولة فوق القانون وفوق البشر، وكأنها من كوكب آخر تحظى برعاية أمريكية، وليذهب الفلسطينيون وأهلنا فى غزة والضفة الغربية والقدس إلى الجحيم.
ولكن علينا أن نتوقف أمام اللقاء الذى تم على هامش اجتماعات الجمعية العامة العامة للأمم المتحدة بين ترامب والدول العربية والدول الإسلامية وأمام ما دار فى الاجتماع.. ونتساءل: هل هناك مساحة من الوقت فى مواجهة الإبادة تجعل هذا الوفد لا يصر فى وجود ترامب على وقف الحرب والمجازر والموت المجانى على الهواء الآن وفورًا؟
وهل هناك رفاهية من المباحثات والمفاوضات لدى المسئولين العرب والمسلمين الذين التقوا ترامب حتى يعطوه وقتا للتفكير فى إيقاف الحرب؟
ودعونا نتوقف أمام كارثة الاستعانة بتونى بلير - وأى تونى بلير آخر- كحاكم لغزة فى المرحلة القادمة وهذا فى حد ذاته كارثة أخرى وتقنين للاحتلال بأفكار جديدة وأشخاص يعلم الجميع مدى ولائهم للصهيونية العالمية
.. ألم تتعظوا مما قام به بلير فى العراق وأنه كان جزءا من مخطط تفكيك الجيش العراقى وتمزيق الدولة العراقية إلي كيانات وطائفيات.
فهل وصل الاستخفاف بترامب خلال لقائه مسئولى الدول العربية والإسلامية، لدرجة أن يعطى نتنياهو مساحات ومساحات من الوقت للقضاء على البقية الباقية من أهلنا فى غزة والضفة الغربية والقدس؟ لا أعلم ولا يعلم أحد ماذا دار فى الاجتماع.. ويخرجون علينا بتسريبات 21 نقطة، وهو أمر أصاب الشعوب بـ«النقطة» والغضب والرفض.. وهل يكون التمرد العالمى هذه الظاهرة الجديدة التى حدثت فى أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة حتى تحولت إلي ظاهرة تستحق الدراسة والتحليل الدقيق هى نوع من أنواع الخلاص من نتنياهو وهو يقف على منصة الأمم المتحدة، ولا يستمع إليه أحد إلا الحوائط والمقاعد؟ وكأنهم يرسلون رسالة (لن نسمح لك بشرق أوسط جديد أو إلغاء غزة من الوجود)
أم أن لقاء نتنياهو وترامب سيؤكد ما أكده نتنياهو فى كلمته التى قالها للفراغ ولترامب، بأنه لن يحدث أى تغيير فى وضع وقف إطلاق النار سوى مراوغة نتنياهو، أم تحدث مفاجأة من العيار الثقيل ويضغط ترامب على نتنياهو لوقف إطلاق النار ليجعل الكرة فى ملعب حماس أمام العالم حتى توافق على الإفراج عن الرهائن الأحياء منهم والأموات ويكون قد حقق المعادلة المستحيلة بحصار نتنياهو وحماس فى خندق واحد!.
وكنت أتمنى وأتوقع أن يواكب العرب هذا التمرد العالمى
وتكون هناك آليات حقيقية للتعامل مع الأمريكان والإسرائليين واستخدام ورقة النفط والغاز وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الأمريكان قبل إسرائيل والاتحاد العربى الإسلامية لتشكيل قوة لا يُستهان بها، ولو انضمت إليها روسيا والصين والهند لأصبحت تمثل تمردًا على النظام العالمى الذى يتلاعب به نتنياهو وترامب.
الفوضى قادمة فى العالم، وقضية غزة ستكون هى بداية تغيير جذرى على مستوى الأوضاع العالمية، فإما التغيير وإما سيحدث مزيد من التمرد والاضطرابات وهو ما شاهدناه من المظاهرات التى جرت فى الشارع الأمريكى بالإضافة إلى ما يجرى فى دول أوروبا خاصة إسبانيا - التى اتخذت موقفًا لم تقدر عليه بعض الدول العربية - وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، والذى وجد آذانًا صاغية لدى بعض صانعى القرار، وكذلك موقف دول أمريكا اللاتينية المشرف خاصة كولومبيا التى دعا رئيسها صراحة لتشكيل جيش عالمى لتحرير غزة، فضلا عن أسطول الصمود الذى تحرسه الآن سفن حربية إسبانية وإيطالية فهو يمثل رسالة تدل على غضب العالم كله مما يجرى، ولكن للأسف الشديد الدول العربية لا تعطى مساحة على الإطلاق لشعوبها لتعبر - مثلما عبرت شعوب أمريكا وأوروبا - بكل أنواع الرفض التى لم يرَ التاريخ مثلها، فهل آن الأوان أن يرى نتنياهو وترامب زئير الشعوب العربية والإسلامية، ليستمر مسلسل الخوف والانكسار الذى شعرا به داخل القاعة الفارغة فى الأمم المتحدة؟
ولكننى أتعجب من موقف الحكومة الإيطالية التى لم تستجب لصوت شعبها ولكن استمعت فقط لصوت اليمين المتطرف مع رئيسة وزراء انكسرت فى حياتها الشخصية وتحاول ألا تنكسر سياسيا بدعم أمريكا، لكنها نسيت أن أمريكا تُدار من خلال رجال «التمويل العقارى» وليس رجال دولة، فمن يحكم أمريكا اليوم ليس لهم أى خلفيات سياسية أو تنفيذية ولم يمارسوا لعبة الاتفاقيات والمعاهدات مع الدول والشعوب، لكنهم جاءوا من رحم العقارات فعقيدتهم هى الهدم والقتل والدمار حتى يتربحوا.
لقد (تعب الكلام من الكلام) فالأفعال لا تحتاج إلى مقدمات ولكن المقدمات تحتاج إلى أفعال، والشعب الفلسطينى له الله، أما نحن فسيحاسبنا الله على هذا الموقف المتخاذل الذى يتكشف يومًا بعد يوم أمام حالة الاستكانة والضعف والتبعية من بعض حكامنا العرب لترامب والأمريكان.
وتبقى مصر هى الدولة الوحيدة التى ما زالت، وستبقى واقفة على حافة المواجهة، وتستخدم كل أدوات الحكم الرشيد فى سبيل تحقيق إرادتها، بينما البعض يدفع مصر دفعًا للمواجهة التى ستكون فاتورتها غالية سواء تكلفتها الاقتصادية أو العسكرية، ويستشعر المصريون بأنه لا توجد قوة ستدعم مصر فى موقفها التاريخى الرافض لتهجير الفلسطينيين بل إن البعض بدلًا من التحالف مع مصر ودعمها يحاول أو يقفز على دورها التاريخى فى المنطقة وبدلا من التحالف العسكرى مع القاهرة يعقد اتفاقيات مع هذا أو ذاك مع أن الأمر المنطقى أن تبدأ ببيتك وجيرانك أولًا ثم تسعى للغرباء.
وأحيى الموقف المصرى الرشيد والعاقل بعدم ذهاب الرئيس عبدالفتاح السيسى للمرة الثانية إلى الولايات المتحدة وهو ما يعتبر رسالة قوية أن مصر تدرك أبعاد اللعبة ولا تقبلها، ولن تقبل بالتهجير أو تصفية القضية تحت أى ذريعة أو مناورة أو إغراء أو تهديد، فالتاريخ والأجيال القادمة لن يرحما أحدًا وسيكشفا عورات الجميع.
مصر تعى كل خطوة تخطوها ولن تكرر ما كان يحدث فى الماضى من شعارات، ولن تسمح الدولة أن يدفع المواطن المصرى الثمن، وأثبتت التجربة الفعلية أن الشعب المصرى العظيم تعامل مع أهل غزة والقضية الفلسطينية بكرم لا مثيل له واستقطع من قوت يومه، وهو يعانى، ومنح مالم تمنحه بعض الدول التى دفعت لأمريكا مليارات الدولارات.
ولهؤلاء أقول
اتقوا الله فى شعوبكم يرحمكم الله..
ولا عزاء لمن يحاول أن يقفز علي الموقف المصرى..