أسامة شرشر يكتب: حل الدولتين.. وسقط القناع عن البرلمان

قلت وكررت كثيرًا إن محورية الدور المصرى فى القضايا الدولية والإقليمية ليس لها بديل، وأنه حاضر بقوة بعيدًا عن الكاميرات والضجيج الإعلامى خاصة فى قضية العرب الأساسية قضية فلسطين التى عملت إسرائيل بمشاركة وحماية أمريكية على القضاء عليها عبر الإبادة والتهجير.
ولكن نجحت مصر ودول عربية وأوروبية فى إعادتها إلى الصدارة والواجهة من جديد استثمارًا لنجاح المقاومة فى الصمود وإلى تغير بوصلة القوى العالمية، والتى برزت فيه باكستان القوة النووية بتحالفها مع السعودية إضافة إلى الدور الصينى والروسى اللذان اصبحا غير قادرين على تحمل انفراد أمريكا بالعالم عبر الفيتو الذى استخدمته فى مجلس الأمن 6 مرات فى أقل من عامين لتمنع وقف الحرب الهمجية ضد غزة.
فكان اللجوء للجمعية العامة للأمم المتحدة؛ حيث لا يوجد الفيتو بل القرار للأغلبية، وأنا أعتبر هذا العمل هو هزيمة للفيتو الأمريكى.
ولقد تابعت التنسيق المصرى الفرنسى للوصول إلى الاعتراف بدولة فلسطين من دول أوروبية مؤثرة، مثل فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وأستراليا وغيرها من الدول حتى الاتصال الهاتفى الأخير من الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بالرئيس عبدالفتاح السيسى؛ للتنسيق فى موضوع «حل الدولتين» على هامش أعمال الشق رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك؛ حيث تم التأكيد على أهمية هذا المؤتمر كخطوة محورية نحو الاعتراف بدولة فلسطين، تنفيذًا لمبدأ حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية.
والجديد فى الأمر هو دعوة ترامب على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للرئيس السيسى، ومعه حكام قطر والسعودية وتركيا والأردن والإمارات، لوضع تصور لليوم التالى بعد إيقاف الحرب، وهذا يؤكد نجاح الدبلوماسية المصرية وخطوات القيادة السياسية التى رفضت رفضًا مطلقًا أى تهجير بأى شكل أو لغة أو طريقة أو إغراء للفلسطينيين للخروج من أرضهم فإما السماء (الموت) أو البقاء فى الأرض.
وهذا يعطى دلالة خطيرة أن ما قامت به مصر بدعوتها لضروة إعمار غزة وحل الدولتين، وأن تكون هناك حكومة فلسطينية متوازنة لا تمثل منظمة فتح أو حماس أو الفصائل الفلسطينية فقط، هو أمر فى غاية الأهمية، خاصة أن هذه الزاوية ستكون هى الخطوة الحقيقية لبداية حل الدولتين على أرض الواقع وليس من خلال الشعارات والخطب، بالإضافة إلى رؤية مصر أثناء المفاوضات بضرورة تجميد سلاح حماس والفصائل الأخرى والإفراج عن الرهائن مقابل وقف الحرب فورًا، والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين والأخطر الحفاظ على حياة 2 مليون فلسطينى يتنفسون الموت ليل نهار.
لقد أصبحت القضية الفلسطينية فى الواجهة رغم عدم إعطاء القيادة الفلسطينية والوفد المرافق لها تأشيرة دخول لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن الشىء المبشر من الناحية الرمزية والقانونية والدولية، هو اعتراف أكثر من 155 دولة من مجموع 193 بدولة فلسطين بحدودها وأرضها حتى لو بقيت صغيرة، فالمهم هو إعلان دولة فلسطين التى أراد الكثيرون أن يتم محوها من على خريطة العالم، ووقف ما يُسمى بـ(أوهام إسرائيل الصغرى) التى يقودها اليمين المتطرف والنتنياهو الذى أصبح يمثل رمز الحاخام الأعظم والحبر التوراتى الذى ينفذ الوعد والعهد بإقامة (مملكة يهوذا الكبرى) لكن ما دامت هناك مصر فليس هناك (وعد) أو (حَبْر) أو (حاكم أعظم) إلا الشعب الفلسطينى.
وسقط القناع عن البرلمان
لم تكن مفاجأة لى قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى بإعادة قانون «الإجراءات الجنائية» إلى مجلس النواب من جديد؛ لبحث الاعتراضات على عدد من مواد القانون؛ لأن هذا هو أهم قانون بعد الدستور، وقد حدث من قبل أن صوب الرئيس أخطاء البرلمان، وسبق أن تقدم بعض النواب وكثير من أساتذة القانون والخبراء والحقوقيين ونقابة الصحفيين المصريين بتعديلات فى هذا القانون الذى يمثل كارثة قانونية بالمعنى الحقيقى، ولا يمكن أن يصدر، ونحن فى عام 2025 قانون بهذا الشكل يقيد حتى التنفس، بالحبس الاحتياطى.
فمواد القانون بصورتها الحالية ليست مقيدة للحريات بالحبس الاحتياطى فحسب، لكنها تمثل إلغاء لكل أثر تشريعى يكون فى جانب المواطن للحفاظ على حقوقه وإنسانيته وآدميته، وأعتقد أن قرار رئيس الجمهورية هو ضربة قاضية للمتشدقين، والذين يدعون أنهم أساتذة قانون ودستور، والأغلبية التى لا تفكر فى مصلحة البلد، لكنها تفكر فقط فى استمرارها فى قيادة قاطرة البرلمان.
هذا الاعتراض والرفض الذى قام به الرئيس السيسى برد القانون لمجلس النواب، هو إسقاط للقناع عن البرلمان بأدب قانونى وسياسى، يضع حدا للقوانين التى يتم سلقها إرضاءً للحكومة وليس للشعب.
وأنا أتعجب من بعض ممثلى الأحزاب خاصة الأحزاب الوليدة سياسيًا، وبالتحديد حزب كان يمثله أحد القامات الوطنية والعسكرية المرحوم جلال هريدى، فهذا الشخص يقول فى برنامج تليفزيونى مع عمرو أديب، إن الحزب استطاع أن يحصل على أكبر قدر من المقاعد فى انتخابات الشيوخ ويزاحم حزب الأغلبية، وتعجبت كثيرًا من شخص يبدو أنه يعيش فى كوكب آخر؛ لأنه لا يدرك أبجديات العمل الحزبى والسياسى، وهو فى غيبوبة حقيقية، فهل هو مقتنع أنه كانت هناك انتخابات فى مجلس الشيوخ أصلًا؟ ولست أنا الذى يقول ذلك، لكن عزوف المواطنين هو الذى يقول وبالأرقام، وأعتقد أننى لا أحتاج إلى تذكيره بالفيديو الصادم لإحدى سيدات هذا الحزب الذى كان يضم قامات وطنية كبيرة.
فلذلك أعتقد أن هذا الكشف الرئاسى لقانون الإجراءات الجنائية سيعيد خريطة الاختيارات والتوازنات فى الانتخابات البرلمانية المقبلة، حتى يكون البرلمان منحازًا للشعب وصوتًا له وليس أداة من أدوات الحكومة.
وشكر الله سعيكم..