النهار
جريدة النهار المصرية

اقتصاد

من وراء غلاء الشقق؟..كواليس وأسرار اللعبة الخفية في سوق العقارات

ارتفاع أسعار الشقق
إيناس خاطر -

لم يعد سوق العقارات في مصر قائمًا فقط على معادلة العرض والطلب التقليدية كما يعتقد البعض، بل أصبح مشهدًا معقدًا تتشابك فيه خيوط الاقتصاد، وتذبذبات أسعار مواد البناء، وسياسات التمويل، بل وحتى المضاربات التي يمارسها بعض السماسرة والمستثمرين الكبار، و هذا المشهد المتداخل جعل من مسألة تسعير العقارات ملفًا غامضًا يثير تساؤلات لا تنتهي: من يحدد الأسعار فعلًا؟ ولماذا يختلف سعر الوحدة بين مشروع وآخر داخل المنطقة ذاتها؟

الكواليس الخفية لتسعير العقارات

مع تزايد الطلب على الوحدات السكنية، يظل المشتري في حيرة أمام أسعار ترتفع بوتيرة تفوق دخله،و في المقابل، يقدم المطورون العقاريون تبريراتهم المعتادة مثل ارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء، لكن الواقع يكشف أن هذه ليست العوامل الوحيدة.

فسياسات البنوك في التمويل العقاري، وتوجهات الدولة في طرح المشروعات القومية، بجانب نفوذ كبار المطورين والمضاربين، كلها عناصر تلعب دورًا خفيًا في رسم ملامح الأسعار، كما يسهم بعض السماسرة في تضخيم السوق عبر ترويج مفهوم "الفرصة الذهبية"، ما يدفع المشترين إلى القبول بأسعار أعلى خشية فوات الفرصة.

معضلة القدرة الشرائية وشروط السداد

ورغم تحقيق السوق العقاري مبيعات مرتفعة في النصف الأول من عام 2025 مقارنة بالعام السابق، إلا أن هناك فجوة واضحة بين الأسعار والقدرة الشرائية،فشركات التطوير العقاري، أصبحت تلجأ في غياب التمويل البنكي الكافي،إلى مد فترات السداد إلى 10 و12 عامًا، وهو ما قد يبدو ميزة للمشتري في البداية، لكنه يرفع السعر النهائي للوحدة نتيجة الفوائد المضافة.

وهنا أشار رجل الأعمال نجيب ساويرس إلى أن المطورين في مصر يفرضون فترات سداد طويلة بفوائد تصل أحيانًا إلى 25%، ما يجعل نحو 70% من قيمة الوحدة تذهب كفوائد أقساط، وهو ما يضعف قدرة الشركات على التوسع ويزيد من الأعباء على المستهلك.

هل نحن أمام فقاعة عقارية؟

هذا التضارب بين زيادة المبيعات من جهة وصعوبة السداد من جهة أخرى يفتح الباب أمام تساؤل مهم: هل يقف السوق العقاري المصري على أعتاب "فقاعة" قد تنفجر إذا تباطأت القدرة الشرائية أو ارتفع المعروض بشكل مبالغ فيه؟

رأي بعض الخبراء أن العقار في مصر سيظل "الملاذ الآمن" للاستثمار، خاصة في ظل تقلبات أسعار العملات والذهب، حيث يضمن العقار قيمة مستقرة نسبيًا على المدى الطويل، ولكن في المقابل، هناك من يحذر من أن استمرار التشوهات السعرية وغياب التمويل العقاري الرسمي قد يؤديان إلى تصحيح سعري مفاجئ.

بين خيار المغامرة وخيار الانتظار

المستهلك المصري يجد نفسه اليوم أمام خيارين: إما المغامرة بالشراء الآن في ظل الأسعار المرتفعة والوعود بعوائد استثمارية مستقبلية، أو الانتظار على أمل حدوث استقرار أو انخفاض في الأسعار، وبين الخيارين، يظل الغموض سيد الموقف، خاصة مع تضارب التوقعات حول مستقبل السوق.

الحاجة إلى حلول متوازنة

الخبراء يجمعون على أن الحل يكمن في تعزيز أدوات التمويل العقاري عبر البنوك، وتنظيم العلاقة بين المطورين والمشترين بما يضمن عدالة أكبر في التسعير، مع توفير بدائل تمويلية أكثر مرونة، كما أن زيادة الشفافية في عرض تكاليف البناء والأراضي ستساهم في استعادة ثقة المشتري، وتمنع تحكم بعض الأطراف في السوق.

مستقبل الاستثمار العقاري في مصر

رغم التحديات، يظل العقار في مصر قطاعًا جاذبًا لرؤوس الأموال المحلية والأجنبية، فالطلب مستمر، والأرض محدودة، والسكان في تزايد دائم، لكن الفارق سيكون في مدى قدرة السوق على ضبط إيقاعه، والتوازن بين القدرة الشرائية الحقيقية والأسعار المطروحة.