النهار
جريدة النهار المصرية

عربي ودولي

باغرام بين السيادة والطموح الأمريكي: صدام ترامب وطالبان يشعل أزمة دولية

قاعدة باغرام
هالة عبد الهادي -

أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قاعدة باغرام الجوية إلى واجهة الأحداث الدولية بعدما أطلق سلسلة من التهديدات العلنية لحركة طالبان، مؤكداً أن أموراً سيئة ستحدث إذا لم تُعَد القاعدة إلى الولايات المتحدة. هذه التصريحات، التي جاءت أولاً في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ثم عبر منشور على منصته "تروث سوشيال"، فجّرت جدلاً واسعاً في الأوساط الأفغانية والدولية، خصوصاً مع تشديده على أن أفغانستان مطالبة بإعادة القاعدة إلى من بناها، أي واشنطن.

رد فعل طالبان

جاء الرد من طالبان سريعاً وحازماً. إذ أكد قائد الجيش الأفغاني فصيح الدين فطرت أن أي اتفاق بشأن قاعدة باغرام، أو حتى شبر واحد من أراضي أفغانستان، أمر مستحيل تماماً. وأضاف أن بلاده لا تحتاج ولن تسمح بعودة أي وجود عسكري أجنبي، ليغلق الباب بوجه أي مسعى أمريكي لإعادة التفاوض.

الأهمية الاستراتيجية لباغرام

تتمتع باغرام بأهمية استراتيجية استثنائية. فقد بناها الاتحاد السوفيتي في خمسينيات القرن الماضي، قبل أن تتحول إلى أكبر قاعدة أمريكية في أفغانستان خلال عقدين من الحرب. موقعها على بعد 40 كيلومتراً شمال كابول يمنحها قيمة جيوسياسية تتجاوز حدود البلاد، إذ تمكّن واشنطن من مراقبة آسيا الوسطى وتقترب نسبيّاً من مناطق حساسة في الصين.

وخلال سنوات الاحتلال الأمريكي، تحولت باغرام إلى مدينة عسكرية مصغرة تضم آلاف الجنود والمعدات، إضافة إلى مطاعم ومتاجر وخدمات متكاملة. لكنها احتضنت أيضاً سجونا ارتبطت بانتهاكات جسيمة لحقوق المعتقلين، وفق تقارير منظمات دولية مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، ما جعلها رمزاً للاحتلال بالنسبة لعدد كبير من الأفغان.

غموض ترامب وتحذيرات أمريكية

ورغم التهديدات المتكررة، تجنّب ترامب التصريح مباشرة بإرسال قوات لاستعادة القاعدة، مكتفياً بجواب مبهم للصحفيين: "لن نتحدث عن ذلك، وإذا لم يفعلوا فستكتشفون ما الذي سأفعله". هذا الغموض أثار مخاوف من أن يلوّح الرئيس بخيار عسكري جديد.

وفي ذات السياق حذر مسؤولون حاليون وسابقون داخل الولايات المتحدة، من أن استعادة باغرام قد تُترجم إلى غزو جديد يتطلب أكثر من عشرة آلاف جندي وأنظمة دفاعية متطورة، وهو ما يجعلها مغامرة محفوفة بالمخاطر، خاصة في ظل تهديدات تنظيم الدولة والقاعدة واحتمالات استهدافها من إيران.

ركز ترامب في خطابه على البعد الجيوسياسي المرتبط بالصين، زاعماً أن القاعدة تبعد ساعة فقط عن مواقع تصنيع الأسلحة النووية الصينية. لكن تقديرات مستقلة نفت ذلك وأكدت أن أقرب منشآت نووية تبعد أكثر من ألفي كيلومتر. ورغم ذلك، لا ينكر البنتاغون أن تسارع التوسع النووي الصيني، الذي بلغ 600 رأس حربي بحلول منتصف 2024، يعزز مخاوف واشنطن الاستراتيجية.

مواقف أفغانية متباينة

ورغم لهجة طالبان الصارمة، برزت تصريحات أكثر براغماتية من بعض المسؤولين، أبرزهم زكير جلالي من وزارة الخارجية الأفغانية، الذي أبدى استعداداً للتعاون مع واشنطن اقتصادياً وسياسياً “لكن دون أي وجود عسكري أجنبي”. هذا التمايز يعكس اختلافاً في الخطاب، لكنه لا يغير حقيقة أن طالبان تعتبر عودة باغرام خطاً أحمر غير قابل للتفاوض.

مستقبل القاعدة الغامض

حتى الآن، لم يصدر تعليق رسمي من البيت الأبيض أو وزارة الخارجية بشأن تهديدات ترامب. واكتفى المتحدث باسم البنتاغون بالقول إن الجيش يراجع باستمرار السيناريوهات العالمية ومستعد لتنفيذ أي مهمة يكلفه بها الرئيس.

ويصر ترامب على أن استعادة باغرام ضرورة استراتيجية، قائلاً: "لقد أعطيناهم إياها دون مقابل، ونحن نحاول استعادتها. أحد الأسباب أننا نريد قاعدة تبعد ساعة فقط عن المكان الذي تصنع فيه الصين أسلحتها النووية".

تصريحات ترامب حول باغرام تكشف عن محاولة لإعادة إدخال أفغانستان في لعبة التوازنات الدولية، خصوصًا في ظل تصاعد التوتر مع الصين. لكن أي خطوة لاستعادة القاعدة قد تُغرق واشنطن في مستنقع جديد، بينما طالبان تُصر على تثبيت معادلة "السيادة مقابل الشرعية". وهنا، يظل السؤال: هل يستخدم ترامب ورقة باغرام كورقة ضغط سياسية على بكين وطهران، أم يمهد الطريق لمواجهة عسكرية تعيد عقارب الساعة إلى الوراء؟