النهار
جريدة النهار المصرية

عربي ودولي

سقوط قناع الديمقراطية: إيقاف جيمي كيميل يفضح قبضة ترامب على الإعلام الأميركي

جيمي كيميل وترامب
هالة عبد الهادي -

في خطوة صادمة أشعلت الجدل داخل الأوساط السياسية والإعلامية الأميركية، قررت شبكة ABC إيقاف الإعلامي الشهير جيمي كيميل بشكل مفاجئ، بعد سخرية وجّهها للرئيس الأميركي دونالد ترامب على خلفية مقتل الناشط المحافظ تشارلي كيرك. قرار الإيقاف، الذي جاء مدعوماً بتدخل مباشر من لجنة الاتصالات الفيدرالية (FCC) ورئيسها المقرّب من ترامب بريندان كار، أثار عاصفة من التساؤلات حول مستقبل حرية التعبير في بلد طالما قدّم نفسه كحارس لقيم الديمقراطية.

من مزحة إلى قضية سياسية

القضية بدأت حين بث كيميل مقطعاً يسخر فيه من رد ترامب على سؤال صحفي عن مقتل كيرك، حيث ظهر الرئيس الأميركي غير مكترث بالحادث ومشغولاً بالحديث عن مشروعات بناء. هذه اللقطة علّق عليها كيميل قائلاً إن "ترامب لا يهتم إلا بمصالحه الشخصية"، ما أثار غضب اليمين المحافظ، الذي اتهمه باستغلال مقتل كيرك للإساءة إلى الرئيس.

لكن التحوّل الأخطر كان حين تدخلت لجنة الاتصالات الفيدرالية مهددة بسحب تراخيص القنوات التي تسمح ببث محتوى "غير لائق"، وهو ما فُسر على أنه ضغط سياسي مباشر لقمع النقد والسخرية.

حرية التعبير على المحك

هذه التطورات تفتح الباب واسعاً أمام تساؤلات حول مستقبل حرية الإعلام في الولايات المتحدة. فإيقاف أحد أبرز مقدمي البرامج الساخرة لمجرد تصريح أو مزحة، يعكس ما يصفه مراقبون بـ"بداية مرحلة جديدة من التضييق الممنهج على الأصوات المعارضة".
ويرى خبراء أن استمرار هذا النهج يعني أن الديمقراطية الأميركية نفسها مهددة، إذ لم يعد الخلاف مجرد مواجهة سياسية، بل انتقل إلى محاولة السيطرة على المنابر الإعلامية وإسكات الأصوات الناقدة.

هيمنة المحافظين على الإعلام والتكنولوجيا

بالتوازي مع الأزمة، تكشف تقارير أن عدداً من كبرى المؤسسات الإعلامية وشركات التكنولوجيا باتت تحت نفوذ رجال أعمال مقربين من ترامب. ومن بين أبرز الأسماء الملياردير الجمهوري لاري إليسون، مالك شركة "أوراكل"، الذي لعب دوراً أساسياً في صفقة السيطرة على عمليات "تيك توك" داخل الولايات المتحدة.
هذه السيطرة الاقتصادية والسياسية، وفق مراقبين، تمثل خطوة نحو بناء منظومة إعلامية محافظة بالكامل، قادرة على التأثير في الرأي العام الأميركي بما يخدم أجندة ترامب وحلفائه.

أميركا تفقد صورتها كرمز للديمقراطية؟

الولايات المتحدة التي طالما قدّمت نفسها كمنارة لحرية الصحافة والتعبير، تواجه اليوم واحدة من أخطر أزماتها. فإيقاف جيمي كيميل لم يعد مجرد قرار إداري أو خلاف سياسي عابر، بل تحوّل إلى جرس إنذار ينذر بانكماش مساحة الحرية لصالح هيمنة سياسية أحادية.
ويرى محللون أن استمرار هذه السياسات قد يقود إلى مشهد تكون فيه أميركا أقرب إلى أنظمة سلطوية، حيث يُكافأ الموالون ويُعاقب المعارضون، في تقويض مباشر لجوهر الديمقراطية الأميركية.

أزمة كيميل ليست مجرد قصة عن مزحة "ثقيلة"، بل تعبير عن تحول خطير في علاقة السلطة بالإعلام داخل الولايات المتحدة. وإذا استمرت الضغوط الممنهجة على المؤسسات الإعلامية، فإن الديمقراطية الأميركية قد تجد نفسها أمام أخطر اختبار في تاريخها الحديث، مع احتمالية فقدانها واحدة من أهم ركائزها: حرية التعبير.