النهار
جريدة النهار المصرية

ثقافة

الإسرائيليين الأوائل.. التاريخ كما يسرده تيار اليسار بداخل الكيان

توم سيجيف - الإسرائيليين الأوائل
محمد هلوان -

الخطاب الأيدولوجي والسياسي بداخل الكيان يختلف تماماً عما يروج له الكيان بالخارج، بل وتتعدد الأصوات والإتجاهات بداخل الكيان نفسه، على الرغم من تقسيمه ليمين ويسار الا ان الاتجاهين يخدمان أيدولوجية سياسية مركزية لا حياد عنها.

في تتبعنا للخطابات السياسية – في حلقات منفصلة متصلة – سنستعرض بالتفصيل وجهات النظر بداخل الكيان، وبخاصة الشخصيات المركزية في الأيدولوجيا الإسرائيلية، من خلال شخصيات مؤثرة مركزية.

توم سيغيف

توم سيجيف أحد الصحفيين والمؤرخين الإسرائيليين المعاصريين الذي لهم ثقل بداخل الكيان، له العديد من الكتب أبزها الكتاب "الإسرائيليين الأوائل"، وعلى الرغم من توجهه اليساري في تقرير وجود دولة واحدة تحتوي على المسلمين والمسيحيين واليهود داخل نظام سياسي واحد الا انه يقيم هذه الدولة تحت السيادة الإسرائيلية، مما يوضح ارتباط وجهات النظر في المركزية الإسرائيلية في الفكر السياسي في إسرائيل قديماً وحالياً ومستقبلاً، فتتعدد المناهج ولكن الهدف واحد.

الإسرائيليين الأوائل

الكتاب من أربع أجزاء، يتناول فيهما نقاط مركزية مثل: (اليهود والعرب، المحاربين القدامي والوافدين الجدد، الأصولية والعلمانية، الرؤية والواقع). والجدير بالذكر ان سيجيف يتناول مرحلة مفصلية في تاريخ الاحتلال، وبخاصة 1949، اي بعد تشكيل الهاجناه وتأسيس الأحتلال لمليشيات إرهابية لطرد الفلسطينيين أو بقتلهم لترسيخ مفهوم السيادة على الارض، ولتأصيل فكرة "شعب بلا أرض لأرض بلا شعب"، عن طريق إخفاء اي معالم للسكان الأصليين مما أدى في حقيقة الأمر لأرتكاب الأحتلال مذابح جماعية بأعتراف الكاتب نفسه.

يتناول العلاقة بين العرب واليهود لتشكيل كيان سياسي في الأراضي الحتلة، عن طريق تكوين نظم عمل سياسية تعمل في أكثر من إتجاه في نفس الوقت مع الجيران، وأهمهم الجانب السوري والأردني والمصري. عن طريق إقامة تعهدت والتي مكنت الدولة الإسرائيلية من الإستقرار النسبي وأكتسبت الأعتراف الدولي.

مقدمة الكتاب

الكتاب على الرغم من كونه مجرد قراءة للواقع بالداخل الإسرائيلي الا ان ذلك الواقع لم يخلو من وجهة نظر الكاتب وتوجهاته، فهو وإن كان يُعلي من شأن دولة إسرئيل فأنه مع ذلك يسلط الضوء على الخداع السياسي والدبلوماسي الذي تم لإقامة الكيان بشكله الحالي، موضحأ – وإن كان ضمنياً – بأن كل ما يحدث حالياً ليس أكثر من رؤية تم وضعها من المجلس الأول الصهيوني ويتم تنفيذه تدريجاً.

اما عن الموضوع الأساسي للكتاب فهو يسرد فترة مهمة في تاريخ الكيان، عام 1949، بعدما قامت الهاجناه (عصابات إسرائيل) في التشكل والقيام بعمليات لطرد الفلسطينيين من أرضهم، وإن كان لا يلقى الضوء الكاف على تلك الأحداث بشكل كامل، الا انه يسردها بعلاقتها بالعمل السياسي لتأسيس الدولة، استعانه بأراء الحكومة الإسرائيلية أنذاك، وايضاً من خلال السفراء المؤثرين في وجود الكيان كالسفير الأمريكي الذي لعب الدور الأبرز في الاحداث في ذلك الوقت.

بوبر

يستعرض الكاتب في الجزء الأول من الكتاب ثلاث مواضيع، يتمحورو حول النزاع اليهودي العربي، وكأن اليهودية عرق خاص بذاته وليس هوية أو اعتقاد، ليشرح كيف تم المصادمة مع العرب متمثلين في دول محيطة بالدولة الفلسطينية، وبيان كيف لعب بن جوريون وموشي ديان الدور الأبرز في تحييد بعض الدول في هذا النزاع.

الجزء الثاني في الكتاب يتناول الكاتب الهجرة اليهودية لفلسطين وكيف تم وصول نسبة المهاجرين إلى المليون الأول، في ايضاح لكيفية استطاعة الحكومة الإسرائيلية إستيعاب أعداد هؤلاء المهاجرين وكيفية توفير الحد الأدنى لحياة لائقة بغرض الإستيطان. وتوضيح رؤية الحكومة في إنعاش إقتصاد الدولة عن طريقة إقامة مشاريع من شأنها أن تثبت الدولة والحكومة، وأستقطاب أكبر عدد من الأفراد من الصناع والحرفيين والمتخصصين بالذات، على الرغم من وجود أغلب المهاجرين من ذوي التعليم الأقل. ويوضح أيضاً كيفية إتخاذ الشعارات والهوية الحالية للشعب الإسرائيلي حتى يتسنى لهم ترسيخ حكمهم على أساس تاريخي حتى وان لم يطرح الكاتب هذا الموضوع بشكل صريح.

اما الجزء الثالث فتناول الصراع بين اليهود الأصوليين والإسرائيليين في تثبيت وتدعيم الدولة الدينية، عن طريق نموذج استخدمه سيجيف للتدليل على الموقف، اي بأعتبار يوم السب يوم عطلة في كافة أنحاء إسرائيل، وهو الامر الذي ترفضه بشكل كامل الحكومة الإسرائيلية كونها حكومة يهودية علمانية، ليوضح الأشتباك تاريخياً مستدلاً بوقائع تدعم حديثه.

والجزء الرابع والأخير هو محاولة إسرائيل في خلق هوية قومية، وكيفية إستيعاب العدد الكبير من المهاجرين الأمر الذي أدى لطرح خطة للتقشف مع العمل على جمع تبرعات لتأسيس الدولة من خلال إقامة مؤسسات حكومية ومصانع وشركات توفر لهم حياة طبيعية، ويوضح سيجيف ايضاً بأن الهجرة بدأت قبل الإستقلال ولكن اليهود الأوائل هاجرو برؤس أموالهم، وهو الأمر الذي لم يكن في الهجرات اللاحقة، مما سبب ضغطاً كبيراً على الحكومة الإسرائيلية في تلك المرحلة.

بن جوريون

الكتاب حتى وإن كان من وجهه نظر يسارية من الداخل الإسرائيلي، الا انها توضح بسهولة كيفية تشكل الكيان وكيفية لعبة السياسي والدبلوماسي في تحقيق إنتصارات على الأرض من خلال إقامة تحالفات وتحييد العديد ممن يرونهم تهديد حقيقي للدولة الإسرائيلية. يوضح الكتاب ويشير إلى عدم التماهي بين الدول العربية في تلك الفترة لإتخاذ قرارات جمعية، فإسرائيل لعبت مع كل طرف على حدى، بمنطق التفريق، وهو ما تقوم به إسرائيل حالياً مع الفارق في وجود لوبي صهيوني أقوى في الخارج يدعمها بكافة الأشكال.

الكتاب يعتبر وثيقة تاريخية من داخل الكيان، نختلف أحياناً مع مضمونها ونرفضه، ولكن قراءة العدو من داخل ثقافته، ومتابعة إستراتيجياته العسكرية والدبلوماسية والسياسية والثقافية أيضاً يكشف أيدولوجيته بل ويفضحها في بعض الأوقات، لنكتشف ان ما يحدث في الوقت الحالي هو مخطط مدروس يتم تنفيذه تارة تلو التارة لتحقيق رؤية أكبر لا يتزعزع عنها قدي أنمله، حتى وان كان يطور من إستراتيجيه بشكل أول باخر تبعاً للظروف.

وأخيراً أقول ان الكتاب غير متوافر في بلداننا العربية خوفاً من اي دعاوى للتطبيع او لإثارة الجدل مما ذكر في بعض اوراقه، على الرغم من ذلك فأن قراءة مثل تلك الكتب تنعكس علينا بالإيجاب لفهم أيدولوجية عدو أزلي لا يهدأ الا بعد تحقيق إنتصارات خاصة به وإن كانت على حساب دولة او مجموعة من البشر، هم في نظرهم "جوييم".