ترامب يكسر البروتوكولات الملكية ويشعل الجدل في زيارته الثانية لبريطانيا

تقرير:هالة عبد الهادي
شهدت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثانية إلى المملكة المتحدة، التي جرت في الفترة من 16 إلى 18 سبتمبر 2025، استقبالا رسميا وعسكريا مهيبا، شمل عروضاً عسكرية وحفلاً ترحيبياً رسمياً، ليكون الحدث محط متابعة الإعلام والجمهور على حد سواء. ومع ذلك، كان سلوك ترامب خلال الزيارة محور اهتمام خاص، وأعاد النقاش حول مدى التزامه بالبروتوكولات الملكية بعد تكرار الأخطاء التي ارتكبها في زيارته الأولى عام 2018.
في تلك الزيارة السابقة، ظهر ترامب وهو يسير أمام الملكة إليزابيث الثانية بعد لقاءهما على مائدة الشاي، وهو تصرف اعتُبر خرقاً واضحاً للبروتوكولات الملكية التي تمنع الزائر من السير أمام الملكة أو إدارة ظهره لها. وتداولت وسائل الإعلام لقطات تظهر الملكة وهي توجه الرئيس الأمريكي خلال السير، مشيرة إلى الاتجاه والمكان الصحيحين، ما يؤكد صرامة البروتوكولات الملكية وضرورة الالتزام بها.
وفي زيارته الحالية، كرر ترامب هذا الخطأ عند تقدمه أمام الملك تشارلز الثالث، وهو ما أثار تساؤلات حول مدى وعيه بالبروتوكولات الرسمية وحرصه على احترامها. وعلق الخبير في البروتوكولات الملكية دانكان لاربومب، موضحًا أن التأخر في الوصول إلى استقبال الأمير ويليام والأميرة كيت بمقدار 20 دقيقة يعد خرقاً آخر للبروتوكول، بينما تقدمه أمام الملك تشارلز يُعتبر الخطأ الأكبر، إذ يفترض أن يسير رئيس الدولة الزائر خلف الملك. وأوضح لاربومب أن التجاوز يدل على تجاهل ترامب للبروتوكول، لكنه ليس تصرفاً يستدعي رد فعل غاضب.
من جهته، رأى المؤرخ الملكي موك أوكيف أن هذه الأخطاء البروتوكولية تعكس جزئياً طبيعة العلاقة الودية والتاريخية بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، إضافة إلى شخصية ترامب التي تميل إلى خرق البروتوكولات واتباع أسلوب عفوي في التعاملات الرسمية. وأضاف أوكيف أن بعض المواقف الطريفة، مثل لمسه لذراع الملك تشارلز بعد عرض طيران فرقة "رد آروز"، لا تستدعي التدقيق، مستشهداً بتصرفات سابقة لمسؤولين أمريكيين آخرين، مثل ميشيل أوباما التي وضعت ذراعها حول الملكة الراحلة، مؤكداً أن إظهار المودة الشخصية بين القادة أمر شائع ومتقبل في السياقات الرسمية.
كما أثارت لقطة جمعت ترامب بالأميرة كيت ميدلتون، زوجة ولي العهد البريطاني الأمير ويليام، تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما التقطت الكاميرات نظرات متبادلة بينهما خلال مأدبة رسمية أقامها الملك تشارلز الثالث في قلعة وندسور، ما أضاف بعداً اجتماعياً وتحليلياً للزيارة، وأظهر قدرة ترامب على جذب الانتباه خلال الأحداث الرسمية وإبراز شخصيته القوية والجريئة أمام الإعلام والجمهور.
وفي كلمته خلال المأدبة، وصف ترامب زيارته بأنها "واحدة من أرفع التكريمات في حياتي"، مشيداً بالروابط الاستراتيجية والعلاقات التاريخية الوثيقة بين واشنطن ولندن، في محاولة لتأكيد أهمية التعاون السياسي والدبلوماسي بين البلدين، إلى جانب توجيه رسالة ضمنية عن قوته ونفوذه في الساحة الدولية، ما يعكس اهتمامه المستمر بالظهور بمظهر الرئيس القوي و"المهيمن" على المستوى الدبلوماسي.
المغزى وراء تصرفات ترامب
تصرفات الرئيس الأمريكي أثناء الزيارة تعكس أسلوبه المعتاد في إبراز ثقته بنفسه وقدرته على السيطرة، من خلال عدم الالتزام الصارم بالقيود البروتوكولية الرسمية. خرق البروتوكولات الملكية، سواء بتقدمه أمام الملك تشارلز أو تأخره عن استقبال الأمير ويليام والأميرة كيت، يسلط الضوء على شخصيته الجريئة وانفراد قراراته في المواقف الرسمية والسياسية.
في الوقت نفسه، تحمل هذه التصرفات رسائل سياسية ودبلوماسية ضمنية، إذ تشير إلى قوة واستقرار العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وتبرز قدرة ترامب على إدارة الملفات الرسمية وفق رؤيته الخاصة دون المساس بالاحترام المتبادل. الأخطاء البروتوكولية أو المواقف الطريفة، مثل لمسه لذراع الملك تشارلز أو النظرات المتبادلة مع الأميرة كيت، لعبت دوراً إعلامياً وشعبياً، إذ جذبت اهتمام وسائل الإعلام والجمهور، وعززت صورته كشخصية جريئة وغير تقليدية على الساحة الدولية.
علاوة على ذلك، تعكس هذه التصرفات اعتماده على العلاقات الشخصية والودية كأداة لتعزيز الروابط بين القادة، إذ يظهر الجانب الإنساني والمودة الشخصية في التعامل مع أفراد العائلة الملكية، وهو ما يعكس مقاربة دبلوماسية تتجاوز القنوات الرسمية التقليدية. كما تشير إلى سعيه لإبراز استقلاليته ورفض الانصياع الكامل للقيود التقليدية، مؤكدًا شخصيته المميزة التي تعتمد على الجرأة والمفاجأة في المواقف الرسمية، مع ترك بصمة واضحة على الأحداث الرسمية التي يشارك فيها.
زيارة ترامب الثانية لبريطانيا لم تكن مجرد حدث رسمي بروتوكولي، بل منصة لإبراز شخصيته القوية وجاذبيته الإعلامية، وإرسال رسائل دبلوماسية ضمنية حول قوة العلاقات بين واشنطن ولندن. تصرفاته، من خرق البروتوكولات الملكية إلى المواقف الطريفة مع أفراد العائلة الملكية، تكشف عن مزيج من الجرأة الشخصية والاستقلالية السياسية، مع الاعتماد على العلاقات الودية لتعزيز الروابط بين القادة، ما يجعل زيارته حدثًا يعكس استراتيجيته الفريدة في الجمع بين السياسة والدعاية والشخصية العامة.
إلى جانب البعد البروتوكولي والدبلوماسي، لعب الإعلام دوراً محورياً في إبراز هذه الزيارة، حيث تصاعدت التغطية حول سلوك ترامب، سواء في خرق البروتوكولات أو اللحظات الطريفة مع الملك تشارلز والأميرة كيت. وقد ساهمت هذه التغطية في تعزيز الصورة العامة لترامب كرئيس جريء وغير تقليدي، قادر على كسر القوالب التقليدية للزيارات الرسمية، مع الاستفادة من أي لحظة لإبراز شخصيته أمام وسائل الإعلام والجمهور، وهو ما يعكس جزءاً من استراتيجيته في التواصل السياسي والشعبي على حد سواء.
زيارة ترامب الثانية لبريطانيا تعد نموذجاً واضحاً لكيفية استخدام الرئيس الأمريكي للزيارات الرسمية لإبراز شخصيته، وإرسال رسائل سياسية ودبلوماسية، وخلق تغطية إعلامية واسعة، كل ذلك ضمن مزيج من الجرأة الشخصية والقدرة على المناورة بين البروتوكولات الرسمية والعلاقات الودية. تصرفاته خلال هذه الزيارة تعكس استراتيجيته المتبعة في الجمع بين السياسة، الدعاية، والشخصية العامة، وتضع بصمة قوية على العلاقات الثنائية بين واشنطن ولندن، بينما تؤكد على شخصية ترامب القوية والمهيمنة في الساحة الدولية.