النهار
جريدة النهار المصرية

فن

أسطورة الألحان.. بليغ حمدي مدرسة الغناء وصوت مصر الأصيل

بليغ حمدي
تقرير/ عبير عبد المجيد -

هناك فنان لا يحتاج إلى تعريف، يكفي أن تلامس ألحانه الأذن حتى يتكشف اسمه، وكأن الموسيقى قد وُلدت على يديه، بليغ حمدي لم يكن مجرد ملحن، بل كان حالة عشق ممتدة بين العود والوجدان، بين النغم والناس، بين مصر وروحها التي تنبض بالغناء.

البداية من شبرا

في بيت بسيط بحي شبرا الشعبي، وُلد بليغ في أكتوبر عام 1931، منذ طفولته كان يمسك بالعود كما يمسك الطفل بلعبته المفضلة، لا يملّ ولا يكلّ من استخراج أنغام تشبه قلبه الصافي. لم تغره القوانين التي درسها في كلية الحقوق، فقد كان قانونه الوحيد هو النغمة، ولغته الوحيدة هي اللحن.

لقاء العندليب

حين قدّم أول ألحانه لعبد الحليم حافظ في أغنية "تخونوه"، فتح بابًا جديدًا في مسيرته ومسيرة الغناء المصري معًا، عبد الحليم وجد فيه توأم الروح الفنية، حتى صار بليغ أحد أكثر من وضعوا بصماتهم على أغنياته الشهيرة: سواح، خايف مرة أحب، على حسب وداد قلبي. ومنذ تلك اللحظة، صار بليغ عنوانًا للتجديد والمغامرة في اللحن.

بليغ ووردة.. قصة حب تتغنى

لم تكن حياته العاطفية أقل عذوبة من ألحانه. التقى بليغ بالفنانة وردة الجزائرية، وكانت بينهما شرارة حب لم تستطع المسافات أو الظروف أن تطفئها، وفي عام 1972، تزوجا في قصة أشبه بالأفلام الرومانسية، ورغم أن الزواج لم يدم طويلًا، بقيت وردة تصفه بأنه حب حياتها، وظلت تغني من ألحانه ما جعل اسمها يضيء في سماء الغناء العربي: العيون السود، وحشتوني، وغيرها.

ألحان للشعب والوطن

لم يحصر بليغ نفسه في الغناء الطربي وحده، بل نزل إلى الشارع المصري بصدق، يكتب ألحانًا تمس البسطاء. مع محمد رشدي قدّم أغانٍ أصبحت مرآة للوجدان الشعبي مثل عدوية ومغرم صبابة، أما في الأوقات العصيبة، فقد رفع الروح الوطنية بأغنيات لا تزال تلهب المشاعر مثل يا حبايب مصر وعلى الربابة بغني.

مع الكبار

حين جلست أمامه كوكب الشرق أم كلثوم، لم يتردد في أن يضع لها بصمة مختلفة في أواخر مسيرتها، فكانت ألحان مثل أنساك وسيرة الحب شاهدة على عبقرية ملحن لا يعرف الخوف من التجديد، وكذلك كان مع شادية، نجاة الصغيرة، صباح، ميادة الحناوي، وسميرة سعيد، يصنع لكل صوت لحنًا يشبهه وكأنه يُفصّله على مقاسه.

إرث لا يزول

في الثاني عشر من سبتمبر 1993، أسدل الستار على حياة بليغ حمدي، لكن صدى ألحانه بقي يتردد في الأفق. فالموت لم يملك أن يُخرس موسيقاه، وظلّت أعماله تجوب البيوت والمقاهي والمسارح.

بليغ المدرسة

لم يكن مجرد موسيقار، بل كان مدرسة قائمة بذاتها، تعلمت منها أجيال كيف يكون اللحن صادقًا، وكيف تتحول الموسيقى إلى مرآة لروح الأمة، بليغ حمدي لم يغادرنا حقًا، لأنه كلما صدح صوت يغني بلحنه، عادت روحه حية بيننا.