رجل لا يتكرر.. صالح سليم.. أسطورة ملاعب الأهلي من الباب المفتوح إلى الشموع السوداء.. في ذكرى ميلاده

هناك رجال يولدون مرة واحدة في تاريخ الأمم، حضورهم استثنائي لا يمكن أن يُستنسخ، وكأنهم قناديل مضيئة تترك أثرها في دروب الزمن، تضيء الذاكرة وتملأ الوجدان بالهيبة والجمال، وصالح سليم كان واحدًا من هؤلاء القلائل، الرجل الذي لم يكن مجرد لاعب كرة قدم بارع أو نجم وسيم يطل من شاشة السينما، بل كان فارسًا لأحلام الفتيات في جيله وحتى يومنا هذا، لما اتسم به من وسامة، وشهامة، ورجولة، واحترام، ليظل رمزًا للأناقة والرقي، وصورة متكاملة للرجل الحقيقي.
تحل اليوم الخميس ذكرى ميلاد المايسترو الكبير الفنان صالح سليم، الرئيس الأسبق للنادي الأهلي وأحد الرموز الباقية في ذاكرة الجماهير، رجل عاش للفن والرياضة معًا، وترك إرثًا خالدًا في الملاعب والسينما والقلوب.
بصمة لا تُمحى على شاشة السينما
لم يكن حضور صالح سليم في السينما عابرًا، بل ترك بصمته في أفلام قليلة لكنها لا تُنسى، حيث كشف عن أبعاد جديدة لشخصيته بعيدًا عن الملاعب:
السبع بنات (1961): أولى خطواته التمثيلية، وكتب على البوستر "لاعب الكرة صالح سليم"، ليجمع بين روح الشباب وحيوية الملاعب وسحر الشاشة، ويمتزج حضوره ببطولات حسين رياض ونادية لطفي وسعاد حسني، لتبدأ رحلة اكتشافه لعالم الفن.
الشموع السوداء (1962): أمام نجاة الصغيرة وأمينة رزق، جسّد شخصية كفيف يعاني من عقد نفسية بسبب الحب، لكنه يجد في قلبه نور الأمل حين يلتقي بممرضة قادرة على إزالة عقده، ليظهر الرقة والإنسانية في مواجهة الألم، ويثبت أن قلبه قادر على الحب رغم الجراح.
الباب المفتوح (1963): إلى جوار فاتن حمامة ومحمود مرسي، فيلم اجتماعي يروي قصة فتاة تبحث عن الحرية والحق، فيجد صالح سليم نفسه رمزًا للرجل الراقي الذي يدعم الحق والعدل، ويترك أثرًا في ضمير المشاهد، كما لو أن كل كلمة وكل نظرة منه تحمل رسالة من القلب إلى القلب.
بين الفن والرياضة… اختيارات حاسمة
ورغم نجاحه في التمثيل وامتلاكه حضورًا يخطف القلوب، إلا أن صالح سليم تلقى بعد ذلك عشرات العروض السينمائية، لكنه كان دائمًا يعتذر رافضًا الاستمرار، كان يرى أن الملاعب هي بيته الحقيقي، وأن روحه وجدت مكانها بين الجماهير وأصوات التشجيع لا بين الكاميرات وحدها. فاختار أن يظل رمزًا رياضيًا أولًا، وأن يكون المايسترو الذي يقود النادي الأهلي وجماهيره إلى المجد.
البدايات… من حي الدقي إلى الأهلي
وُلد صالح سليم في 11 سبتمبر عام 1930 بحي الدقي بمحافظة الجيزة، في بيت علم وثقافة، حيث كان والده الدكتور محمد سليم من أبرز أطباء التخدير في مصر، ومنذ طفولته انجذب إلى كرة القدم، فكان يلعب مع أطفال الحي بشغف كبير، حتى اكتشف الجميع أن بين أقدامه موهبة فريدة، التحق بمدرسة الأورمان الإعدادية، ثم المدرسة السعيدية التي لمع فيها مع منتخب المدارس الثانوية، وفي عام 1944 كان الموعد الأهم حين اكتشفه الأستاذ حسن كامل، المشرف على فريق الأشبال بالنادي الأهلي، فضمه فورًا لصفوف الناشئين، لتبدأ رحلة أسطورة جديدة.
حضور اجتماعي وفني مميز
لم يكن صالح سليم لاعبًا منعزلًا أو نجمًا بعيدًا عن الأضواء الاجتماعية، بل كان حاضرًا في الوسط الفني كصديق محب ومحبوب، كثيرًا ما ظهر في المناسبات إلى جوار نجوم كبار مثل عبدالحليم حافظ وصباح، وكان حضوره يضيف وقارًا وألفة في الوقت ذاته، هذه العلاقات أكدت أن الرياضي يمكن أن يكون مثقفًا، قريبًا من الفن، ومنفتحًا على الحياة بكل جمالياتها.
الرجل الذي لا يخلف وعده
من أشهر الجمل التي ارتبطت باسم صالح سليم وتداولها الناس حتى اليوم: "لا يوجد سبب يجعل رجلًا حقيقيًا يخلف وعده… إلا الموت". جاءت هذه العبارة كمعنى يعكس موقفه الدائم من الحياة، فقد كان يؤمن أن قيمة الرجل تُقاس بوفائه لكلمته، وأن الرجولة الحقيقية تُختبر في لحظة الالتزام لا في لحظة الكلام، وظل هذا المبدأ حاضرًا في مسيرته سواء في الملاعب أو خارجه، ليصبح شعارًا خالدًا يلازم اسمه ويزيد من هيبته في أعين محبيه.
أسطورة لا تغيبها الأيام
رحل الجسد، لكن الذكرى لا تموت، يبقى المايسترو صالح سليم أسطورة مكتملة الأركان، فارسًا للكرة والفن والقلوب معًا، ورجلًا كتب اسمه بحروف من نور في تاريخ مصر والعالم العربي، وإذا كانت كرة القدم قد أنجبت مواهب كثيرة، فإنها لم تُنجب سوى صالح سليم واحد، رجل علّم أجيالًا أن الرجولة موقف، وأن الكلمة وعد، وأن الوفاء حياة لا يطفئها الموت.