الإنعزال الثقافي السبب الرئيسي في أزمات القارة السمراء.. إثيوبيا دراسة حالة

أزمة سد النهضة منذ بدايتها حتى إفتتاحها منذ ايام ما هي الا نتيجة طبيعية للإنغلاق الثقافي بين الدول الأفريقية، على الرغم من إرتباط الدول الأفريقية ببعض جغرافياً الا انها مع ذلك متفرقة أيدولوجياً. وذلك لعدة عوامل منها اللغة والتاريخ والجغرافيا والسياسة ولكن أهمهم الاستعمار.
الحفاظ على التراث كان له أثر كبير في النزعة الإستعلائية لبعض بلدان القارة السمراء ورفض اي روافد ثقافية مغايرة، إلا في حالات قليلة جداً، وذلك اما كنتيجة لسلطة سياسية او سلطة روحية لها تأصيل في الثقافة القديمة لدى كل منها.
تهميش وعدم الأنتباه لقدرة الثقافة على إحداث تأثير بين دول القارة ما هو الا قصر نظر، فالمشتركات أكثر من المختلفات، والنزاعات الموجودة بينهما ما هي إلا أفكار تم دسها من المستعمر حتى يستطيع الأنفراد بأقليم او قطعة معينة لخدمة أغراضه الخاصة، ولدينا من ملفات التاريخ ما يؤكد تلك العملية المستمرة على مر التاريخ. فمن المؤكد أن ثقافتنا السياسية ومعرفتنا العلمية عن أفريقيا تعاني من فقر ظاهر.
"تعرضت إثيوبيا ايضاً للخذلان من داخلها، فكثير من الزعماء الإثيوبيين قد حكموا البلاد مدعيين الحق المطلق على العلاقة ما بين البشر والمجتمع" – ساهيد أديجوموبي
غزارة تاريخ القارة الإفريقيا كان مستنبت جيد لزرع تلك الأفكار، نتيجة عدم تطويرها وتحديثها، وعدم تلاقي الأفكار المختلفة بين اصحاب الإتجاهات والاعتقادات بالنقد والشرح والتحليل والترجمة، فضلاً عن لعب الأستعمار دور كبير في سرقة ونهب وتدمير بعض من التراث المادي الإنساني للقارة السمراء بحجج كثيرة؛ منها الحفاظ على التراث الإنساني ودراسة هذا التاريخ، حتى اصبح تاريخ القارة يُدرس في متاحف أوروبا! وإذا نظرنا إلى أهم ما يترجم عن أفريقيا اليوم سنجد أن معظمه منتج في الغرب، أو لكُتاب أفارقة ولكن بإنتقاءات غربية.
كانت مصر لها نصيب الأسد في سرقة ونهب هذا التراث ولكن القارة السمراء على الرغم من قلة إبداعها لم تسلم من هذا الأمر ايضاً، كمثال مسلة أكسيوم الأثيوبية التي تم السطو عليها فترة محاولة احتلال إثيوبيا من إيطاليا في عصر موسوليني، اما الأمثلة المصرية فلا يكفي المجال لذكرها هنا.
الخلاف المصري الإثيوبي ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج لايدولوجية تم تمريرها في الداخل الأثيوبي لتنمو وتترعرع حتى يصل الحال إلى ما نحن عليه حالياً، ولكن لا يمكن الإرتكان على ان ذلك تقصير سياسي رغم انه بالنسبة الأكبر تقصير ثقافي بشكل عام، قام بذلك التقصير النخبة عن طريق عدم فتح قنوات حوار بين دول القارة السمراء والنظر فقط لأوروبا وأسيا، على الرغم من ان تلك الأول الأقرب لنا جغرافياً وسياسياً وإجتماعياً وثقافياً.
"يأتي من شرفاء مصر، كوش تسرع بيديها إلى الله" المزامير 31:68
لنعد لموضوع إثيوبيا لفهم الوضع من الناحية الثقافية بشكل أعمق، دولة إثيوبيا هي دولة قديمة، على الرغم من ندرة التراث المادي والمعنوي لديها، فأن الثقافة الشفهية هي المسيطرة في هذا الحقل، والتداخل الديني بين إثيوبيا ومصر كان متصل تاريخياً في القرن الرابع الميلادي، عن طريق تبعية الكنيسة الإثيوبية للأسكندرية، وأيضاً في فترة ظهور الإسلام وما بعدها، بل انه يتم أيضاً تأصيل العلاقة بين إثيوبيا والدول العربية والإسلامية بوجود علاقات سياسية على مر التاريخ بدء بظهور النبي سليمان، وإتخاذه ملكة سبأ زوجة له، على الرغم من ان المؤرخين المسلمين يقولون ان ملكة سباً من قبيلة حُمير باليمن الا ان الإثيوبيين لديهم رأي أخر وهو أن ملكة سبأ إثيوبية في الأصل.
مما يوضح إرتباط إثيوبيا الثقافي بالجوار عن طريق الدين والتجارة، ولكن التهميش شبة المتعمد لعدم تناول القارة السمراء بالإهتمام أدى لصعود نزعات يصعب إنتزاعها فيما بعد، وأصعب تلك النزعات هي أعتبار شعب إثيوبيا شعب مختار متفرد عن كل الشعوب. ديودور الصقلي يقول: "الإثيوبيين ينظرون لأنفسهم كأمة أعرق من أي أمة أخرى، وإن دفئها بسبب ولادتها في مسار الشمس ربما أنضجها قبل الأخرين. فيعتبرون أنفسهم مخترعي العبادة والمهرجانات والجمعيات والأضاحي وكل ممارسة دينية"[1]
المشاركة والإنفتاح على الأخر والتبادل الثقافي له الأثر الأكبر على كافة القطاعات، فتستطيع من خلال الثقافة خلق التقارب الكاف في وجهات النظر ووضع استراتيجيات سياسية وعسكرية وإقتصادية مشتركة تعمل على نماء دول القارة بلا إستثناء، بل ان حتى هذا التقارب سيمكن القارة من الأحتفاظ والمطالبة القوية لحقوقها من دول الإستعمار، في ظل إكتفاء مادي وسلطة ثقافية معرفية قوية أصيلة، يتم بنائها على تراث أصيل تتفرد به القارة دون غيرها.
[1] ص76، تاريخ إثيوبيا – ساهيد أديجوموبي – ترجمة: مصطفى مجدي الجمال – 2996 – المركز القومي للترجمة – ط1 – 2018