النهار
جريدة النهار المصرية

عربي ودولي

أسباب تقترب واشنطن من نيودلهي في هذا التوقيت

رئيس أمريكا
كريم عزيز -

تتسم العلاقات الأمريكية–الهندية في عام 2025 بدرجة عالية من التعقيد والتناقض، فمن جهة، تتصاعد التوترات التجارية على خلفية الرسوم الجمركية التي فرضتها واشنطن على صادرات هندية استراتيجية، وهو ما اعتبرته نيودلهي تهديدًا مباشرًا لمكانتها في الاقتصاد العالمي، ومن جهة أخرى، حرص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على وصف رئيس الوزراء ناريندرا مودي بأنه «قائد عظيم»، في رسالة رمزية تكشف عن إدراك أمريكي بضرورة الاحتفاظ بالهند داخل دائرة النفوذ الغربي.

ويُعد هذا التناقض تطبيقًا على أرض الواقع لأحد أهم مفاهيم العلاقات الدولية المعاصرة؛ وهو مفهوم التحوط الاستراتيجي، إذ تمارس واشنطن تحوطًا مزدوجًا يجمع بين الضغط والتطمين لتفادي خسارة الهند لحساب الصين وروسيا، بينما تنتهج نيودلهي سياسة تحوط مشابهة تتيح لها الاستفادة من الانفتاح على القوى الكبرى الثلاث دون الانخراط في تحالف صلب مع أي منها.

وفق التقارير الإعلامية، بدأت الولايات المتحدة هجومها التجاري على الهند عندما وصف الرئيس الأمريكي العلاقة التجارية مع الهند بأنها «ذات اتجاه واحد»، فيما وصف مستشار التجارة الأمريكي، بيتر نافارّو، الهند بأنها «المهراجا» في الرسوم الجمركية، فحتى مع محاولة ترامب تسليط الضوء على عرض هندي بخفض الرسوم، إلا أنه أقر أن هذا العرض «متأخر جدًا».

وفي ضوء ذلك، فرضت الولايات المتحدة في البداية تعريفة جمركية 25% متبادلة على واردات الهند اعتبارًا من 1 أغسطس 2025، شملت مجموعة واسعة من القطاعات مثل السيارات، والإلكترونيات، والمجوهرات، والأغذية والمنتجات الزراعية، ثم تمت إضافة جزء عقابي آخر بنسبة 25% بسبب روابط الهند المستمرة مع روسيا في مجالي النفط والدفاع، ما رفع التعريفة الإجمالية إلى 50% على بعض المنتجات الهندية.

هذه التحركات الأمريكية تجاه الهند، تعكس تحولًا من مقاربة التحالف المتوازن إلى أسلوب «أمريكا أولًا» القائم على الضغط الاقتصادي على دول أخرى لكسب تنازلات، ما أسفر عن توتر ملموس على المستويين التجاري الاقتصادي والسياسي الدبلوماسي، بحسب التقارير الإعلامية.

أهم الأدوات الأمريكية

استخدام الضغوط الاقتصادية كأداة نفوذ: تستخدم واشنطن الرسوم الجمركية والعقوبات الجزئية كوسيلة ضغط على نيودلهي لفتح أسواقها أمام الشركات الأمريكية، والحد من اعتمادها على روسيا في مجال السلاح وعلى الصين في مجال التجارة، لكن هذا الضغط الاقتصادي لا يُمارس بلا حدود، بل يترافق مع مسارات سياسية للتطمين.

الاستعانة بالخطاب الشخصي كأداة للتأثير: وصف ترامب لـ"مودي" بأنه "قائد عظيم" ليس مجرد مجاملة بروتوكولية، بل أداة محسوبة ضمن التحوط الاستراتيجي الأمريكي، فأسلوب ترامب يعتمد على تعزيز العلاقات الشخصية مع القادة، كوسيلة لتجاوز الخلافات المؤسساتية أو الاقتصادية.

الإبقاء على استمرار أطر التعاون الدفاعية مع الهند مثل إطار الرباعية (QUAD): تعتبر واشنطن أن بقاء الهند شريكًا أساسيًا في تحالف الرباعية (الولايات المتحدة، اليابان، أستراليا، الهند) شرطًا رئيسيًا لاحتواء الصين. ومن ثمّ، فإن التحوط الأمريكي يتمثل في إبقاء قنوات التعاون الدفاعي مفتوحة، حتى لو تصاعد التوتر التجاري.

تحوط هندي متعدد الأبعاد

تتبنى الهند في علاقاتها الخارجية مع القوى الكبرى سياسة التحوط الاستراتيجي، وحتى تجاه تحالفاتها الإقليمية، وذلك على النحو التالي:

التحوط الاستراتيجي الهندي تجاه الولايات المتحدة: لا تزال الهند بحاجة إلى التكنولوجيا، والاستثمارات، والتعاون الأمني مع واشنطن، لكنها في الوقت نفسه تتحاشى الارتهان الكامل للقرار الأمريكي، فهي تقبل بعض الضغوط، لكنها توازنها بفتح بدائل مع القوى الكبرى الأخرى لتوفير مثل هذه الاحتياجات.

التحوط الاستراتيجي الهندي تجاه روسيا: لا تزال موسكو المزود الرئيسي للتسليح الهندي، مع صفقات تمتد من الطائرات المقاتلة إلى أنظمة الدفاع الجوي (مثلS-400) )، الأمر الذي يمنح نيودلهي قدرة على التحوط في المجال الدفاعي، وعدم الارتهان للتكنولوجيا الغربية فقط.

التحوط الاستراتيجي الهندي تجاه الصين: على الرغم من العداء الحدودي (خصوصًا في منطقة لاداخ) فإن الهند لا تستطيع تجاهل الصين كقوة اقتصادية إقليمية، لذلك، تحافظ على مستوى من الانفتاح التجاري، وهو شكل من التحوط الاقتصادي لتفادي الاعتماد الكامل على الغرب.

التحوط الاستراتيجي الهندي نحو آسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا: تعمل نيودلهي على بناء شراكات اقتصادية وأمنية مع فيتنام، إندونيسيا، أوزبكستان، وكازاخستان، وهذا يعكس تحوطًا جغرافيًا من خلال تنويع الهند لتحالفاتها الإقليمية.