النهار
جريدة النهار المصرية

ثقافة

بين مفهوم الصفوة وشعب الله المختار.. فهم الإيدولوجية اليهودية المعاصرة من خلال يهودا اللاوي

يهودا اللاوي
محمد هلوان -

بين مفهوم الصفوة وشعب الله المختار.. فهم الإيدولوجية اليهودية المعاصرة من خلال يهودا اللاوي

لا يمكن فهم أي مجتمع او طائفة من الخارج، لابد من الدخول في ثنايا السياق الأيدولوجي لفهم ماهيته من الداخل، وفهم رؤية أصحابه والتي قد تتوافق نسبياً مع أيدولوجيتنا او قد تختلف تماماً، لذا لا ينبغي إطلاق الأحكام في محاولة تفسير الأخر، بل الأجدر فهمه من حيث الطابع الروحي وايضاً العقلاني.

يهود

في هذا السياق وكما يسير العديد من الباحثين في مضمار اليهوديات والتي يطلق عليها علم الإسرائيليات بشكل أو بأخر، نحاول دراسة حالة المجتمع اليهودي – وليس الصهيوني بما إنه حالة علمانية سياسية غير مرتبطة بجوهر اليهودية إلا شكلاً وسنناقش المسألة في سياق أخر بإذن الله – من خلال أيدوليجياته، والتي تعتبر المكون الحقيقي للاهوت اليهودي في شكله الحالي.

ومن هنا جاءت رسالة الماجستير المعنونة "مفهوم الصفوة عند يهوذا اللاوي.. دراسة في الخصوصية اليهودية" للأستاذ خالد إبراهيم محمد إبراهيم في هذا الموضوع.. 2012

مفهوم الصفوة - يهودا اللاوي

الرسالة وماهيتها..

الرسالة تتناول مفهوم "الصفوة" وكيف إتخاذه كمركز في الأيدولوجية اليهودية، بما أنهم الصفوة المختارة من قبل الرب أو "يهوه" بالتعبير التوراتي، وايضاً يوضح أن حتى العصاه منهم من الصفوة أيضاً، ويتضح ان يهودا يصر على فكرة أفضليتهم على بقية البشر.

يوضح الكاتب بأن يهودا أثر ان يدون عنوانه "الدين الذليل" على الرغم من ان تلك الفترة التي قضاها يهودا في تدوين كتابه كانت أشبه بأن اليهود انفسهم كأشخاص كانوا أذله لما عانوه في خضم الحروب بين المسلمين والحملات الصليبية في تلك الفترة. فالدين بشكل عام لا يقوى ولا يضعف إلا بقوة المؤمنين به. مما يوضح أرتباط وثيق بين بين النص وتلك الفترة التاريخية.

يرى الباحث ان يهودا اللاوي كان يحاول تحقيق إنتصار ولو على مستوى الوعي، نظراً لتعاظم الحروب بين المسلمين والصليبيين في تلك الفترة والتي كان اليهود فيها شبه مهمشين بحد قوله، بالعودة للتراث اليهودي والتمسك به، ويعلل الكر والفر بين المسلمين والصليبيين في تلك الفترة إلى كونهما سوياً على ضلال، فلا يمكن ان تكون فئة منهم على صواب ولا تنتصر، ويستدل بذلك على ان اليهودية هي الأصوب، حتى وان كانت في ذلك الوقت ليست بذات أهمية ولا تأثير في الأحداث، وان ما ألم بهم في تلك الفترة وما سبقتها هو تدبير إلهي، لكي يستحقوا الأمر الألهي فيهم.

لذا فيرى اللاوي ان بني إسرائيل ستظل تعاني من الإضطهاد والعذاب مادامت مشتته ومبعثرة بعيداً عن الأرض المقدسة أو ارض الصفوة كما يوضح الباحث.

بل ان مفهوم الربا تم إعاده تعريفه ليصبح متاحاً بين اليهود وغير اليهود، وانما التحريم قائم فقط فيما بين اليهود وبعضهم!

"أن نزعة معاداة السامية تعود إلى العصر الجريجوري والحملة الصليبية، ومع منتصف القرن الثاني عشر أدي لظهور تهمة الدم – وهي التهمة التي تتحدث عن قيام اليهود بطقوس لذبح الأطفال النصارى – وغيرها من دلائل الكراهية الشعبية ضد اليهود، إلى تكرار المذابح ضدهم" الباحث

الخزري

حاول اللاوي الرجوع بالتاريخ لإثبات أفضلية اليهود على بقية البشر، من خلال إستعادته أحداث تاريخية ماضية وهي وقعة تهود ملك الخزر. في محاولة للعودة لليهودية الربانية بطريقة سرد حوارية بين ملك وشيخ مسلم وقس مسيحي. حيث وجد الملك مبتغاه في اليهودية.

ويعلل اللاوي كتابته لهذ الكتاب بأنه أثنائ نومه أتاه ملاك خاطبه قائلاً له بأن نيته مرضية عنها ولكن عمله غير مرضي. في تأسيس لاهوتي لمحتواه.

أقول: الغريب في القصة هو تهود الملك وأتباعه على الرغم من ان الديانة اليهودية ديانة غير تبشيرية، بل هي ديانة مغلقة لأبعد الحدود، فأن أبناء يهوه من وجهه نظرهم مختلفين ومصطفين عن العوام او الجوييم أو الأميين أو اي ان كان اللقب الذين يطلقونه على غير اليهود، فهم حتى وان تهودوا فهم لا يقعوا ضمن العناية الإلهية، وهنا يظهر مفهوم الدم النقي، فكيف ليهودا أن يحول الديانة اليهودية لديانة تبشيرية مثلها مثل الديانات الإبراهيمية الاخرى؟!

أعتمد اللاوي على أسلوب المناظرة والمحاورة وطريقة السرد في كتابه، ونقد كل الأراء والمناهج العقلية نظراً لأختلاف القياسات باختلاف قدرات عقول أصحابها من وجهه نظره، وبالتالي فأن المشاهدة والتواتر والسرد هم أقوى طريقة لإيصال المعلومة وأفضلها وأوثقها من وجهة نظره.

"فأن العقل المعتمد على القياس البرهاني – كما فعل الفلاسفة – لا يمكن له مواجهة الرؤية العينية المباشرة الصادقة.. وان النقل هو الخبر الصادق.. إذا ثبتت النبوة عقلاً صحت العقيدة نقلاً.." الكاتب

التوراة

يوضح الباحث ايضاً ان يهودا يستعين بالألهي في سرديته، كونها مستمده من النقل المعتمد على المشاهدة من قبل النبي وبالتالي فهي متواترة ولا تستحق البحث او النظر فيها، بل الإيمان المطلق بها، بالتالي فأن سرديته التاريخية والتي لا تستند إلى اي منطق عقلي فهي إلهية ايضاً، وقصة تهود ملك لخزر موثوقة لديه بلا اي سند برهاني او عقلي لتلك الواقعة، فالباحث يرى ان يهودا اعتمد على خياله في تلك الواقعة على أمل ايمان التابعين بها ايمان مطلق نظراً لكونه يستمد تلك السردية من الحق الإلهي لديه.

وايضاً يرى يهودا ان ارض الميعاد هي الارض التي ينظر فيها يهوه إلى شعبه الخاص، وبالتالي فان التشريعات اليهودية تسري فقط في تلك القطعة من الأرض التي اعطاها لهم يهوه، ولا ينظر لتلك التشريعات ونفاذها في اي بقعة في العالم، فهي أرض الميعاد وهم النخبة المصطفاه من قبل يهوه فيها.

يعتمد يهوذا في سرديته على نسق معين، وهي استحاله كون القوتان العظمتان في ذلك الوقت من المسلمين والصليبين أحد منهم على الحق المبين نظير اعتقاد كل منهم بأنه على الحق دون سواه، وكون الطائفتان او التباع الديانتان على حق فهو محض عبث ولا يقبله العقل، وبالتالي فأنه يصرح بشكل ضمني بأن الديانتان على ضلال، والحق في اليهودية دون سواها! فاللاوي في هذه القصة هو السائل والمجيب!

استعان اللاوي بنمذج حوارات افلاطون، واعتمد على التراث اليهودي للبناء عليه، حتى لا يندثر وحتى يستطيع إحيائه بطريقة جديدة، وهي طريقة غير علمية بالمرة، تخلط ما بين المنطق والفلسفة والتصوف، وان كان يهاجم في كتابه كلاً على حدا.

يهودا اللاوي

علوم الصفوة!

وهو التراث الذي يحتمي به يهوذا اللاوي من القوتان العظمتان في تلك الفترة، وهما الإسلام والمسيحية، وفي هذا الجزء من الكتاب بنصب هجوم اللاوي على طائفة القرائيين مما يوضح إنتمائه لطائفة الربانيين، في محاولة منهم لترسيخ مفهوم العلوم اليهودية، وتأسيس تاريخي لنشوء التوراة والتلمود للأستعانة بهم لاحقاً.

حاول يهوذا ارجاع اسناد الشريعة اليهودية إلى الانبياء، موضحاً بان الشريعة اما ان تكون مكتوبه او شفاهية لم تدون، وهي من علوم الخواص اليهود، كالأحبار والقضاة وغيرهم، اما علوم العوام من اليهود فهي مستمدة من علوم هؤلاء الخواص، ويشير ايضاً إلى ان التوراه كانت تقرأ بحركات الحروف منذ ايام موسى ولكنها لم تدون.

الجدير بالذكر ان التأسيس اللاهوتي لليهودية والتأسيس اللغوي تم من خلال تأثرها بالثقافة الأسلامية كما أشار العديد من الباحثيين في هذا المضمار، وعليه فأن نسب اي علم لليهودية نظير اسبقيتها على الاديان الإبراهيمية هو محض عبث، فالديانة اليهودية لم تتطور في شكلها المعاصر الا من خلال يهود الحضارة العربية والإسلامية، مروراً بسعدايا جاؤون ويهوذا اللاوي وموسى بن ميمون وغيرهم، ممن افصحوا تصريحاً او ضمنياً عن استخدامهم للمناهج التي نشأت في الحاضنة العربية والإسلامية في تطوير وتطويع الشريعة اليهودية لتتناسب مع العصر ومنعاً لإندثارها.

يستعرض الباحث الموضوع من خلال ثلاث نقاط: (الشعب – الارض – الرب)

الكتاب الخزري

أولاً الشعب (قوم الصفوة):

وهم شعب بني إسرائيل الذي اصطفاهم يهوه على شرط ان يكون اليهودي من أب وام يهوديان أصيلان، ولا يتساوي المتهود مع اليهودي الأصيل، وهذا يعني ان الديانة أصبحت منغلقة وغير تبشيرية بداية من القرن الثالث عشر، بدليل واقعة ملك الخزر.

وعلل اللازي سبب وجود اليهود حتى الان هو اتباعهم لشريعة يهوه على الرغم من ذكر الكتاب الأحداث التي مروا بها وكم المخالفات لشريعة الرب وحيادهم عن الطريق القويم.

ميز اللاوي اليهود كقوم عن غيرهم، فهم منتسبين إلى موسى والذي بدوره منتسب إلى أدم، وبين إختصاص اليهود عن غيرهم بميزات منحها لهم يهوه دون سواهم، كالأتصال الإلهي، وصفاء النسب.

"وقد تسمى عندنا بأبن الله، وكل من يشبهه هو من أبناء الله" يهوذا اللاوي

يرى ايضاً ان مبدأ الحلول ينطبق على ابناء الله بني اسرائيل نظير كمالهم في الخلق، كما نرى في إبراهيم، والذي كان جده عابر، أب العبرانيين، وهنا نرى التأسيس اللاهوتي اليهودي القديم للاهوت اليهودي المعاصر، في كون ان الأديان الإبراهيمية في الأصل عبرانية، اي كمحاولة تأصيل وتأطير للأديان الإبراهيمية الاخرى للقبول باليهودية كونها من أصل مركزي مشترك.

أكاذيب اليهود - مارتن لوثر كينج

ثانياً الأرض (صهيون):

يستدل اللاوي بالتأصيل الجغرافي البشري من البُعد التاريخي لأنقسام سلاله ابراهيم متمثلة في سام وحام ويافث إلى أحقية الساميين (اليهود) في ارض الشام (فلسطين وما حولها) ليكون المركز صهيون، وهي مركز ومحور الكون والتي أقرها يهوه لأبنائه.

ويرى ايضاً بأن ارض الشام هي ارض الصفوة، من ابناء اسحق والذي هو الذبيح بدلاً من إسماعيل في الأيدولوجيا اليهودية، والغريب بأنه لم يذكر المسيح عيسى بن المريم كأحد هؤلاء الصفوة المختاره من قبل يهوه، بل تحاشا ذكره في العديد من المواضع وركز على المركزية اليهودية للصفوة اليهودية حتى السبعون شيخاً بحد قوله من احبار بني يهود.

ويأتي هذا الاتصال عن طريق المعجزات والكرامات والعنايات، واي اتصال يقترب من مقام النبوة، اما عن خاصة الخاصة فيرى ان اليهود ميزهم الرب عن سواهم من البشر، وابناء يعقوب يتفردون بخصوصية مطلقة، حتى لمح لكون جوهرهم ملائكياً، فيحصل فيهم الأتصال الإلهي لما فيهم من الكمال المرجو منهم، من خلال نجاحاتهم في أختبارات الرب المرسلة.

يصف اللاوي اصحاب الملل والديانات الاخري بأنها ميته، وان الديانة اليهودية هي الديانة الحقيقية الوحيدة الحية، وحتى ان ازدادات دور العبادة للأديان الأخرى فأنها فارغة تخلو من حضور الرب.

كتاب الخزري

العصاة أيضاً من الصفوة!

يرى اللاوي ان اليهودي العاص من الصفوة ايضاً، فهو سليل الدم النقي وبالتالي فهو مؤهل للحلول الإلهي، حتى وان كان عاص غير متبع لشريعة الرب. وان تشتتهم وعملهم كخدم مشردين بين الدول فهو حكمة إلهيه في سبيل بقائهم وكونهم أجدر من غيرهم في الذكاء وحسن الفطنة التي يتمتعون بها.

ثانيا الأرض (مكان الصفوة):

يوضح اللاون ان المقصود بها أرض الشام بالمعنى العام وجبل صهيون بالمعنى الخاص، فهي بمثابة القلب لدى الأمم، لذا فالنبوة لا تتم الا فيها، والعبادة لا تتم إلا بها، فمنها بدأ التاريخ ومنها يكون الحشر، ولا يحل البيع فيها ووجبت السُكنى بها، فالعودة إليها فريضة.

فعلى الرغم من رفضه للديانتان الإسلامية والمسيحية في كتابه الا انه يستعين بهما في إعلاء قيمة المكان لأصحاب الديانات الإبراهيمية جميعاً، مما يوضح تناقض في النسق والبناء المنطقي الذي يردده اللاوي في كتابه، وايضاً كيف يكون المكان حكراً لديانة دون غيرها باعترافه بمكانة ذلك المكان في الأديان الأخرى!

لنرى التأصيل السياسي لاهمية المكان في اللاهوت اليهودي، بالأستعانة بمرادفات توضح مكانة تلك البقعة في الحياة والاخرة لليهود. الأمر الذي أدى لأستخدام أرارءه في بناء النسق الصهيوني المعاصر حتى في أشعاره لبناء النسق السياسي الجديد لتبرير الإحتلال الحالي للأراض المقدسة.

فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلًا: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ. سفر التكوين (18) العهد القديم

ثالثا الرب (إله الصفوة):

يوضح الباحث في المقدمة الفرق ما بين الوهيم ويهوه، كونهما مرادفتان تعبران عن الرب في الكهنوت اليهودي ولكن يختلف كل منهما بمسات معينه تتخذ طابع مختلف حدده الأباء الاوائل او الأحبار اليهود.

ويفسر اللاوي الفارق بأن الوهيم هو اسم علم جامع للصفات الإلهيه، يتفق مع كافة أرباب الأديان والملل والنحل المختلفة، اما يهوه فهو مرادفه خاصة، يُدرك بالنور والبصيرة، او الأتصال الإلهي بالنبوة. والأتصال الإلهي له معنيان لدى اللاوي، فمرة يعني الاتصال بالوحي لدى الانبياء، ومرة أخرى بالبصيرة عند الصفوة، والذي هم اليهود من وجهة نظره.

فـ "يهوه" أسم علم خاص بين الرب وبين أكمل مخلوقاته، والذي أصطفاهم عن بيقية مخلوقاته وميزهم بالنفس الشفافة المتقبلة للنور الإلهي المتمثل في يهوه، اما اسم ألوهيم فهو الأله عامة، يستطيع إدراكه بالعقل الفلاسفة واتباع الديانات الاخرى من خلال العقل وليس من خلال المشاهدة أو الأتصال الإلهي!

ومن هنا تم التمييز بين ابراهيم وموسى، فإله إبراهيم ألوهيم، لانه ادركه بالعقل، اما موسى فألهه يهوه لانه حدث أتصال إلهي. لذا فيهوه هو إله خاص، نخبوي، يختار قوم بعينه ويفضله عن بقية مخلوقاته!

"يبين التلمود عقيدة اليهود الساذجة والعنصرية عن الله وعلاقته به وبالعالم.. الرب الخاص باليهود خاضع لهم، لا يتنزه عن الكذب والندم والبكاء والرقص وحنث اليمين" – مارتن لوثر كينج

القراءات المختلفة:

وهنا يستعرض الباحث القراءات المختلفة ليهودا اللاوي، موضحاً الرؤية الكلية حول فكر اللاوي ومفهوم الصفوة اليهودي وكيفية أحتلال المفهوم المركز الايدولوجي في الفكر اليهودي المعاصر.

كتاب الخزري كتاب ديني وليس فلسفي، يدافع عن الحاخامية اليهودية لتحقيق انتصار للديانة اليهودية، من خلال الإحتماء بالتراث الأيدولوجي اليهودي. استلهمت منه الصهيونية الحالية شكلها الحالي، فهو كما يصنفه حسن حنفي المؤسس للصهيونية في العصر الوسيط.