جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب : الحَوَلْ السياسي!!

أسامة شرشر
-

من المفارقات القُدرية والغريبة لأول زيارة يقوم بها الرئيس محمد مرسي إلي باكستان منذ أكثر من 50 عاما يحدث زلزال بقوة 5.4 علي مقياس ريختر بعد وصول الرئيس إلي هناك!.


وعلق بعض الخبثاء السياسيين علي الواقعة بأن هناك «حول سياسي» لدي مؤسسة الرئاسة في ظل تصاعد عمليات الرفض لسياسات الرئيس والعنف والقتل والعصيان المدني، وحصار المركز العام للإرشاد التابع لجماعة الإخوان بالمقطم، والذي وقع قبل سفره بساعات إلي باكستان، وهو ما يعد مؤشرا خطيرا علي أن «كرة اللهب» تتدحرج من موقع إلي موقع ومن محافظة إلي أخري ومن مكان لآخر.


وأمام حالة «الغيبوبة السياسية» و«غياب القدرة الإبداعية» لدي مؤسسة الرئاسة وسوء إدارة الدولة.. نجد أن «الحول السياسي» مازال مستمرا، فبدلا من عمليات ترميم للعلاقات المصرية الخليجية بعد تراجع الدور المصري بل وانسحابه من دول الخليج، والتي تعد الظهير الاقتصادي للأمة المصرية، من خلال عمالة تدر علي مصر الملايين، واستثمارات بالمليارات كانت تغنينا والشعب المصري علي حالة « التسول» من صندوق النقد الدولي، الذي أصبح في كل زيارة إلي مصر يفرض عليها شروطا جديدة!.
لايدرك النظام القائم للإخوان المسلمين أن مصر«عمود الخيمة» ومركز الثقل العربي والقومي والإقليمي؟.. ألا يحتاج هذا النظام لممارسة سياسة مختلفة لطمأنة وجدان الخليج من مخاوف تصدير الثورات الإخوانية إليهم؟!..
ألم يكن ذلك ممكنا؟.. بدلا من التعايش مع حالة «الحول السياسي»، فالخلافات ليست بين دول الخليج والشعب المصري، فهم يعشقون تراب هذا الوطن ولكنهم يختلفون مع النظام القائم علي أمور البلاد، الذي يشعرهم بين حين وآخر بحالة من الفزع والرعب والتوتر من خلال وسائل تجعلهم يقفون بالمرصاد للنظام الإخواني الذي يحاول زعزعة استقرار هذه الدول وانظمتها الحاكمة!.


ولأن مسلسل «الحول السياسي» مازال مستمرا علي جميع الأصعدة داخليا وخارجيا، وكان الأجدي به في هذه اللحظات الفارقة التي تمر بها مصر الآن، أن تكون الزيارة ليست لباكستان والهند، ولكن إلي دولة الإمارات والكويت والسعودية، قبل أول قمة عربية ستعقد خلال أيام بالعاصمة القطرية الدوحة، وكان من المهم إعادة ترتيب البيت المصري الخليجي قبل القمة العربية التي سيحضرها مرسي لأول مرة منذ توليه المسئولية.
اعتقد أن أصغر خبير استراتيجي ومحلل سياسي ومراقب للشأن العربي كان يفضل أن تكون الزيارة للإمارات ولقاء الشيخ خليفة بن زايد خاصة وأن العلاقة بين الدولتين لها خصوصية خاصة، بفضل حكمة حكيم العرب المرحوم الشيخ زايد آل نهيان، الذي استطاع أن يكون اسمه في كل محافظات مصر لأعماله الخيرية ومشاريعه في كل القطاعات «مستشفي الشيخ زايد، حي الشيخ زايد، مدينة الشيخ زايد».


ألا يعطي ذلك أولوية أولي للذهاب إلي الإمارات وإزالة المخاوف وسوء الفهم من التصريحات والممارسات والأفعال، ويفتح صفحة جديدة مع هذه الدولة التي لها استثمارات في مصر تتجاوز مليارات المليارات من الدولارات.


ناهيك عن دولة الكويت وأميرها الشيخ صباح الأحمد الذي كان من المفترض أنه سيدعم مصر بخمسة مليارات من الدولارات، والذي توقف هذا الدعم لسبب معلوم وليس منشود، بأن هناك حالة من الحذر والترقب لسياسات النظام الذي يحكم في مصر.


وأخيرا السعودية التي تعتبر حجر الزاوية بقيادة الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود، المشهود له بحب مصر وشعبها.. ألم يكن من الأجدر والأولي بأن يكون مرسي في السعودية للخروج من الأزمة الاقتصادي الطاحنة التي تمر بها البلاد، بدءا من أزمة السولار الذي أصبح أغلي من الدم المصري، والذي يهدر أمام محطات البنزين في كل محافظات مصر، وحالة البلطجة والقتل التي لم تشهدها مصر في تاريخها بسبب السولار، والذي يعتبر هو شريان الحياة بالنسبة للمواطن المصري علي كل الأصعدة ومختلف طبقاته.


ناهيك أيضا عن أزمة الكهرباء ونحن علي أبواب الصيف، وما تردد من أن الظلام سيخيم علي «مصر الكنانة»، كل ذلك يجعل أي حاكم في العالم يتحرك بمنتهي السرعة حسب بوصلة المطالب الشعبية والعدالة الاجتماعية، التي هي القضية الحاكمة في اندلاع هذه المظاهرات والاحتجاجات الفئوية والاعتصامات، وحتي لاتسير البلاد إلي المجهول، بمعني الفوضي والحرب الأهلية!.


لن يذهب رئيس مصر إلي دول الخليج ليطلب الإعانة أو التسول، ولا نقبل ذلك، ولكن من منطلق المصالح المشتركة بين مصر ودول الخليج، والتي تحكمها العلاقات الاستراتيجية وحقوق الإخوة والدم والدين، تجعلنا في خندق واحد لأن الخطر الإيراني القادم يحرق الجميع وأولها دول الخليج وبالتبعية مصر!.


وبعيدا عن الشعارات والتصريحات التي يطلقها الرئيس مرسي، والتي لاوجود لها في الممارسات السياسية، من أن «أمن الخليج خط أحمر»، فإن الواقع في الشارع الخليجي والمصري يؤكد أن أمن الخليج أصبح خط أخضر وأصفر وكل ألوان الطيف السياسي!.


ألم يعتبر الرئيس مرسي ومكتب الإرشاد من التفاف دول الاتحاد الأوروبي حول اليونان، والتي هبت لإنقاذ اليونان من عسرتها الاقتصادية ووقفت متحدة إلي جوار الشعب اليوناني والحكومة اليونانية ودعمتها بالمليارات والبرامج والأفكار للخروج من كبوتها الاقتصادية، فمابالنا ونحن عرب يجمعنا بيت العرب والكعبة الشريفة وحكيم العرب الراحل المغفور له الشيخ زايد، ومرؤة الملك عبدالله بن عبد العزيز،.. ألا يكون ذلك دافعا ليجعل مؤسسة الرئاسة، والتي أصابها «الحول» لتكون زيارة الرئيس مرسي إلي الأشقاء العرب قبل زياراته إلي باكستان وأي مكان آخر، فهمومنا العربية أحق وأولي بالاهتمام من التواصل مع باكستان وغيرها، التي تأتي أهميتها في مرتبة متأخرة، بعيدا عن البروتوكولات الوهمية والمزيفة، ومذكرات التفاهم التي لا تغني ولا تسمن من جوع!.


والشئ بالشيء يذكر، فعندما قام الرئيس الجزائري هواري بومدين في حرب أكتوبر 1973 بكتابة شيك علي بياض للجانب الروسي لتوريد السلاح إلي مصر، وقيام الملك فيصل بن عبدالعزيز بقطع البترول عن أمريكا، فكل هذا يعطي مؤشرات ودلالات وإشارات علي أنه في المحن والأزمات لا ينفع قرض الصندوق الأسود الدولي ولا الأمريكي في حل قضايا ومشاكل مصر الاقتصادية التي وصلت إلي حافة الخطر.


وبالرجوع إلي الأصل يسقط دائما الفرع، «واللي يعوذه البيت يحرم علي الجامع»، فأصل مصر وامتدادها ودمها عربي والفرع هم الخوارج الذين يسعدون بتدمير العلاقة بين مصر وأشقائها،،.. ألا يوجد حكيم؟!.. ألا يوجد حكيم في مؤسسة الرئاسة ومكتب الإرشاد يعيد الصواب والقرار ومصر كلها إلي وضعها الطبيعي؟!.. أم أن الجميع لديه حول سياسي، وشركاء في انزلاق مصر للهاوية؟!.. اللهم قد بلغت اللهم فأشهد!.