النهار
جريدة النهار المصرية

اقتصاد

التموين تعيش حالة من التردد بين الدعم العيني والنقدي .. مخاوف من ارتفاع معدلات التضخم بالأسواق

دعم التموين
عبد الخالق صلاح -

تعيش وزارة التموين والتجارة الداخلية حالة من التردد وعدم الاستقرار بشأن مستقبل منظومة الدعم، إذ تتأرجح السياسات بين الاستمرار في الدعم العيني للسلع الأساسية مثل الزيت والسكر والأرز، أو التحول نحو الدعم النقدي المباشر الذي يمنح المواطن قيمة مالية ثابتة يشتري بها ما يشاء والجدل المستمر يعكس صعوبة اتخاذ قرار نهائي يوازن بين مصالح الدولة الاقتصادية واحتياجات ملايين المواطنين.

تاريخ طويل من الدعم العيني

منذ عقود تعتمد الدولة على الدعم العيني باعتباره وسيلة لضمان وصول السلع الأساسية للمواطنين بأسعار مخفضة، والذي ساعد على حماية الشرائح الفقيرة والمتوسطة من تقلبات الأسعار، لكنه في الوقت نفسه واجه تحديات متكررة، مثل تسرب السلع المدعمة إلى السوق السوداء، وعدم عدالة التوزيع، وغياب المرونة في مواجهة تغيرات الأسعار العالمية.

مزايا الدعم النقدي

على الجانب الآخر، يرى عدد من خبراء الاقتصاد أن الدعم النقدي قد يكون وسيلة أكثر كفاءة لتحقيق العدالة.. إذ يمنح المواطن حرية اختيار احتياجاته بدلًا من التقيد بسلة سلع محددة.

كما يقلل من فرص التلاعب والتهريب، ويخفف العبء الإداري على الدولة في عمليات التخزين والنقل والتوزيع. الخبير الاقتصادي الدكتور رشاد عبده صرّح في أكثر من مناسبة أن “الدعم النقدي يضمن وصول الاستفادة للمواطن مباشرة دون حلقات وسيطة قد تهدر جزءًا من قيمة الدعم”.

مخاوف من التضخم

لكن التحول إلى الدعم النقدي يثير في المقابل مخاوف أخرى، إذ يخشى المواطنون أن تتحول المبالغ المخصصة لهم إلى قيمة غير كافية في ظل التضخم وارتفاع الأسعار المستمر.

ويشير الخبير الاقتصادي الدكتور وليد جاب الله إلى أن “أي تحول إلى الدعم النقدي يجب أن يكون تدريجيًا ومدروسًا، مع ربطه بآلية لمراجعة المبالغ بشكل دوري حتى لا يفقد المواطن قدرته الشرائية”.

رؤية وزارة التموين

وزارة التموين تبدو حائرة بين الخيارين، ففي تصريحات رسمية، أكدت الوزارة أكثر من مرة أنها تدرس تجارب دولية في مجال التحول إلى الدعم النقدي المشروط، لكنها في الوقت نفسه لم تتخل عن منظومة الدعم العيني خوفًا من انعكاسات مفاجئة على الشارع المصري. هذا التردد يوضح أن الحكومة تسعى إلى معادلة صعبة: الحفاظ على استقرار اجتماعي وسياسي، وفي الوقت ذاته تخفيف العبء عن الموازنة العامة.

الحاجة إلى حوار مجتمعي

يتفق أغلب الخبراء على أن مستقبل الدعم في مصر يحتاج إلى حوار مجتمعي واسع يشارك فيه البرلمان ومنظمات المجتمع المدني ومراكز الأبحاث الاقتصادية، فالقضية لا ترتبط فقط بأرقام وميزانيات، بل تمس الأمن الاجتماعي بشكل مباشر. ومع وجود أكثر من 70 مليون مواطن مقيدين على بطاقات التموين، فإن أي تغيير مفاجئ في شكل الدعم قد يترك أثرًا واسعًا على الشارع المصري.


الجدل بين الدعم العيني والدعم النقدي سيظل قائمًا حتى تتضح رؤية شاملة تتبناها الدولة، لكن المؤكد أن إصلاح منظومة الدعم لم يعد خيارًا مؤجلًا، بل ضرورة اقتصادية واجتماعية لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه بكفاءة، مع حماية الفئات الأكثر هشاشة من تقلبات الأسعار.