النهار
جريدة النهار المصرية

فن

في ذكرى ميلاد عبد السلام النابلسي.. ”الكونت” الذي صنع البهجة في زمن الأبيض والأسود

عبد السلام النابلسي
تقرير/ عبير عبد المجيد -

تحل اليوم ذكرى ميلاد الفنان الكبير عبد السلام النابلسي، أحد أبرز الوجوه التي ارتبطت بالسينما المصرية في عصرها الذهبي، لم يكن مجرد ممثل يؤدي أدوارًا ثانوية، بل كان ركنًا أساسيًا في نجاح الكثير من الأعمال السينمائية التي ما زالت محفورة في ذاكرة الجمهور، فهو ذلك الفنان الذي أجاد تقديم شخصية "البطل الثاني"، ليصبح عنصرًا مكملًا ومهمًا في صناعة البهجة على الشاشة الفضية.

البدايات والتكوين لعبد السلام النابلسي

وُلد عبد السلام النابلسي عام 1899، وكان مزيجًا عربيًا نادرًا فهو فلسطيني الأصل، لبناني النشأة، مصري الهوى والإقامة، انتقل إلى القاهرة في العشرين من عمره، ليبدأ رحلة طويلة مع الفن والحياة، رحلة حملت له لقبًا ظل ملازمًا له حتى رحيله وهو "الكونت"، حيث عُرف بأناقته وأسلوبه الأرستقراطي المميز.

من الصحافة إلى أضواء السينما

لم يبدأ النابلسي مشواره الفني كممثل مباشرة، بل عمل في الصحافة فترة من الزمن، وهو ما أكسبه ثقافة واسعة وصقل موهبته، ومع مرور الوقت، دفعه شغفه بالفن إلى اقتحام عالم التمثيل، ليظهر لأول مرة في فيلم "وخز الضمير" بدور صغير، ثم تتوالى خطواته حتى قدم أول أدواره الكوميدية في فيلم "القناع الأحمر"، ومن هنا انطلقت شهرته كممثل كوميدي من الطراز الرفيع.

ملامح شخصية فنية متفردة

ما ميز عبد السلام النابلسي عن غيره من فناني جيله هو خفة ظله الطبيعية، وأسلوبه الراقي في الأداء المتميز ،فقد جمع بين ملامح الجدية والأناقة من جهة، وخفة الدم والمرح من جهة أخرى، وهو ما جعل حضوره على الشاشة لافتًا، حتى لو لم يكن البطل الأول للفيلم، كان يعرف كيف يُكمل المشهد ويمنحه نكهة خاصة، فيتحول أحيانًا إلى أيقونة لا تقل تأثيرًا عن البطل نفسه.

ثنائيات ناجحة وأدوار خالدة

ارتبط اسم النابلسي بعدد من الثنائيات الفنية التي لا تُنسى، فقد شكل مع إسماعيل ياسين ثنائيًا كوميديًا رائعًا، حيث كانت شخصيته الأرستقراطية المتحفظة تقف في مواجهة عفوية ياسين وخفة دمه، كما شارك عبد الحليم حافظ في عدة أفلام رومانسية غنائية، وكان صديقًا مقرّبًا له في الحياة الخاصة أيضًا، ولم يخلُ مشواره من أعمال مهمة مع فريد الأطرش، ليترك بصمته في العديد من الأفلام التي أصبحت علامات بارزة في تاريخ السينما المصرية.

العودة إلى لبنان ونهاية المشوار

بعد أن قدم عشرات الأعمال في مصر، عاد النابلسي إلى لبنان عام 1962، ليكمل هناك بعض مشاركاته الفنية حتى وفاته، ورغم رحيله، ظل حاضرًا في وجدان الجمهور العربي، ليس فقط كفنان كوميدي، بل كمدرسة قائمة بذاتها في فن التمثيل والإلقاء، وأحد أبرز رموز السينما التي جمعت بين الأصالة والحداثة.

إرث فني لا يزول

رحل عبد السلام النابلسي عن عالمنا، لكنه ترك إرثًا فنيًا خالدًا يعكس عبقرية فنان آمن بأن الضحك قيمة إنسانية، وبأن البهجة رسالة يمكن أن تصنع فرقًا في حياة الناس، واليوم، بعد عقود من ميلاده ورحيله، ما زالت أعماله تبث السعادة في قلوب محبيه، وتمنح السينما المصرية والعربية بريقًا لا ينتهي.