لأول مرة.. شريحة دماغية لترجمة «الأفكار» إلى كلمات «منطوقة»
شهدت السنوات الأخيرة، تقدماً كبيراً في التقنيات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي تعزز التواصل البشري وتفتح المجال لإزالة الكثير من التحديات الطبية وحظيت الشرائح الدماغية التي يتم زراعتها في الدماغ اهتماماً كبيراً من كبري الشركات التكنولوجية بداية من شرائح شركة «نيورالينك» المملوكة لإيلون ماسك والتي مكنت المرضي من التحكم في الأجهزة الخارجية، مثل أجهزة الكمبيوتر، باستخدام أفكارهم. وأخرها شريحة دماغية تعمل بالذكاء الاصطناعي وهي أول شريحة قادرة على فك شفرة الكلمات التي يتخيلها الإنسان في عقله وتحويلها إلى كلام منطوق.
التقنية الجديدة طورها باحثون في ولاية كاليفورنيا تمنح الأمل للمصابين بالشلل التام غير القادرين على النطق. وصمّمت بنظام يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحويل الإشارات العصبية مباشرة إلى كلام منطوق، بما يوازي سرعة الاستجابة في الأجهزة الذكية.
وكانت الأبحاث السابقة في مجال واجهات الدماغ الحاسوبية BCIs تمكّنت من تمكين فاقدي القدرة على الكلام من التواصل عبر التقاط الإشارات في القشرة الحركية للدماغ في أثناء محاولتهم تحريك الفم أو اللسان أو الشفاه أو الأحبال الصوتية، لكن فريق جامعة ستانفورد تمكن هذه المرة من تجاوز الحاجة إلى محاولة النطق الفعلي، والاعتماد فقط على ما أسموه"الحديث الداخلي".
وقالت إيرين كونز، المؤلفة الرئيسية للدراسة المنشورة في مجلة Cell، إن هذه هي أول مرة يُتعرف فيها على أنماط نشاط الدماغ عند مجرد التفكير في الكلام، مؤكدة أن التقنية قد تمكّن ذوي الإعاقات الحركية الشديدة من التواصل بسهولة وبصورة أكثر طبيعية.
وشارك في الدراسة أربعة مصابين بشلل حاد نتيجة التصلب الجانبي الضموري (ALS) أو السكتة الدماغية في جذع الدماغ، منهم شخص كان تواصله مقتصرًا على تحريك عينيه لأعلى ولأسفل للإجابة بنعم أو لليمين واليسار للإجابة بـ لا. وبعد زرع مصفوفات أقطاب كهربائية من مشروع BrainGate في القشرة الحركية المسؤولة عن الكلام، طُلب منهم محاولة النطق أو تخيل كلمات بصمت.
واستخدم الفريق نماذج ذكاء اصطناعي لتحديد أنماط النشاط العصبي المرتبطة بالوحدات الصوتية (الفونيمات)، وتجميعها في جمل، وأظهرت النتائج أن أنماط “الكلام الداخلي” تشبه محاولات الكلام الفعلية مع فروق طفيفة، وأنه يمكن تعرفها بدقة تصل إلى 74% بطريقة آنية، حتى مع ضعف إشاراتها.
وأوضح فرانك ويليت، وهو أستاذ مساعد في جراحة الأعصاب في ستانفورد، أن دقة فك الشفرة كافية للإشارة إلى أن تحسينات الأجهزة والبرمجيات قد تتيح في المستقبل استعادة القدرة على الكلام بطلاقة وسرعة وراحة اعتمادًا على “الحديث الداخلي” فقط، مضيفًا أن محاولة النطق لدى المصابين بالشلل قد تكون بطيئة ومرهقة، وقد تتسبب بأصوات مشتتة أو صعوبات في التحكم في التنفس.
وخلال التجارب، لاحظ الباحثون أن الشريحة المخية يمكنها أحيانًا التقاط كلمات لم يُطلب من المشاركين تخيلها، مثل الأرقام في أثناء العد، مما أثار مخاوف من تسرب الأفكار الخاصة دون رغبة المستخدم. ولحماية الخصوصية، طوّر الفريق نظام “كلمة مرور” يمنع فك شفرة الكلام الداخلي إلا إذا فكّ المستخدم القفل عبر تخيل عبارة محددة، إذ نجحت عبارة "chitty chitty bang bang" في منع فك الشفرة غير المرغوب فيها بنسبة قدرها 98%.
وأكد ويليت أن هذه النتائج تمنح أملًا حقيقيًا في أن تتمكن تقنيات واجهات الدماغ الحاسوبية يومًا ما من استعادة التواصل بصورة طبيعية وطليقة تماثل المحادثات الاعتيادية.