رحيل ”ضمير الأدب العربي”صنع الله إبراهيم.. نبض الوعي وروح الثقافة العربية

غيب الموت اليوم، الأربعاء، الأديب الكبير صنع الله إبراهيم، عن عمر ناهز 88 عامًا، بعد مسيرة أدبية وإنسانية تركت بصمة لا تُنسى في وجدان القرّاء والمثقفين العرب.
وُلد في القاهرة في 24 فبراير 1937، وظل اسمه مرتبطًا بالصدق الأدبي، والالتزام السياسي، والتجديد في الشكل والمضمون. ويُعد صنع الله من أعمدة الرواية العربية في القرن العشرين، حيث حوّل قضايا الوطن والحرية والعدالة إلى مادة روائية شديدة العمق والجرأة.
بدأت رحلته الأدبية عام 1966 برواية "تلك الرائحة"، التي فتحت أمامه طريقًا مليئًا بالتجارب الفريدة والتحديات القاسية. ففي عام 1959، اُعتقل سياسيًا، وقضى خمس سنوات في السجن، وهي تجربة شكّلت حجر الأساس لفهمه العميق للواقع، وغذّت أعماله بطاقة فكرية وإنسانية مميزة.
بعد خروجه، انتقل إلى العمل الصحفي، متنقلاً بين القاهرة وبرلين الشرقية وموسكو، حيث درس التصوير السينمائي، مما أضاف أبعادًا بصرية ودرامية فريدة إلى أدبه.
في منتصف السبعينات، قرر التفرغ الكامل للكتابة، لتولد أعمال روائية أصبحت علامات في الأدب العربي مثل:
"اللجنة"، "شرف"، "ذات"، "الجليد"، "بيروت بيروت"، "نجمة أغسطس"، "العمامة والقبعة"، "النيل مآسي"، و"أمريكانلي".
وقد احتلت رواية "شرف" مكانة مرموقة، فكانت ثالث أفضل رواية عربية ضمن قائمة أفضل 100 رواية عربية.
رغم التكريمات التي تلقاها، أثبت صنع الله إبراهيم دائمًا أنه كاتب بمبدأ. ففي عام 2003، أثار قراره الجريء برفض "جائزة الرواية العربية" التي يمنحها المجلس الأعلى للثقافة، اهتمامًا واسعًا، حين أعلن رفضه تسلم الجائزة اعتراضًا على سياسات الدولة في ذلك الوقت.
لكنه نال لاحقًا جوائز عربية وعالمية بارزة، منها "جائزة ابن رشد للفكر الحر" عام 2004، و*"جائزة كفافيس"* للأدب عام 2017، تقديرًا لإسهاماته الفكرية وأمانته الأدبية.
في مايو 2025، تعرّض الروائي الكبير لحادث سقوط مؤلم في منزله أدى إلى كسر في عنق عظمة الفخذ الأيمن. نُقل إلى مستشفى معهد ناصر، حيث أُجريت له عملية دقيقة خرج منها بحالة مستقرة، وتلقى رعاية مباشرة بتوجيه من الرئيس عبد الفتاح السيسي، تقديرًا لقيمته الأدبية والثقافية.
لكن تعقيدات حالته الصحية كانت أكبر من المتوقع، إذ تبين لاحقًا أن الإصابة شملت كسرًا في الحوض، ومشاكل في الكلى، ونزيفًا في القولون، إلى جانب متاعب صحية متعددة أثرت على حالته تدريجيًا، إلى أن وافته المنية.
برحيل صنع الله إبراهيم، يفقد العالم العربي أحد أبرز كتّابه الحرّاس، الذين لم يتنازلوا عن قول الحقيقة، ولم يستسلموا لأضواء الزيف. ترك وراءه مكتبة من الروايات التي ستظل تُقرأ وتُلهم أجيالًا قادمة، وتذكرنا دائمًا أن الكلمة الصادقة لا تموت.