دلالات تغيير لهجة حماس تجاه القاهرة بشأن الحرب على غزة

بين ليلة وضحاها انقلبت الأمور رأساً على عقب، وكشفت حركة حماس عن وجهها الحقيقي تجاه الدولة المصرية في وقت متزامن بشكل كبير مع حركات ودعوات من حملات إخوانية مُمنهجة ضد القاهرة، إذ تغيرت لهجة خطابها في إطار حملة التحريض السياسي والإعلامي المتصاعدة مؤخرًا، التي تسعى لتشويه الدور المصري، وهو ما استغلته الحركة التي تتعرض لضغوط كبيرة، داخل غزة، بسبب تفاقم الأزمة الإنسانية وغياب التقدم في المسار التفاوضي، لتحميل مصر جانبًا من مسؤولية معاناة سكان قطاع غزة، في محاولة لتخفيف الغضب الداخلي على الحركة، من خلال المناورة وتحويل الأنظار على طرف أخر، وتحميله مسؤولية جرائم الحرب الإسرائيلية.
في البداية، قدّمت ياسمين محمود، باحثة بوحدة دراسات الإعلام والرأي العام بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، قراءة مُتعمقة في التحول في خطاب الحركة الذي يأتي في ضوء شعورها بخطورة الإقصاء من مستقبل غزة بعد الحرب ما يدفعها لمحاولة إثبات حضورها كفاعل رئيسي في غزة، والطرف الذي يمثل الفلسطينيين ويدافع عن حقوقهم من خلال دعوة الأطراف الإقليمية للتدخل وحل الأزمة.
أكدت «ياسمين» في تصريحات خاصة لـ «النهار»، أن تغيير لهجة حماس يأتي في توقيت لافت، إذ تزامن مع الحملة التحريضية ضد مصر من قبل عناصر جماعة الإخوان في الخارج والتي تتهم مصر بالمشاركة في حصار غزة، وهو ما يبدو أن الحركة رأته كفرصة مواتية لاستثمار التحريض وتغيير نبرتها في محاولة لتوجيه الغضب الشعبي نحو القاهرة.
ومن اللافت تصاعد الحملة التحريضية، والتغيير في خطاب حماس مع التظاهرات التي نظمتها الحركة الإسلامية داخل إسرائيل أمام السفارة المصرية في تل أبيب ورغم غياب الأدلة المباشرة على وجود ارتباط منسق، فإن تجاهل لافتات المظاهرة لإدانة إسرائيل، وتركيزها الانتقاد على مصر، وفق ياسمين محمود، يكشف نمطًا من الضغط المشترك والمنظم تقوده العناصر المرتبطة بتنظيم الإخوان داخل إسرائيل وخارجها، مستغلين الأزمة الإنسانية في غزة لتحقيق مكاسب سياسية على حساب مصر.
ذكرت الباحثة بالمركز المصري، أن تلك الحملات لا تهدف فقط إلى تقويض الدور المصري في القضية الفلسطينية، بل تمتد أهدافها إلى التأثير على الاستقرار في الداخل المصري من خلال صناعة الفوضى، وتأجيج مشاعر الغضب الشعبي من خلال استخدام العاطفة وورقة غزة للتأثير على الداخل المصري، وترويج روايات مضللة عبر الإعلام ومواقع التواصل، بهدف خلق حالة من الانقسام والتشكيك في مؤسسات الدولة، وهي المخططات التي تخدم أطراف بعينها، في مقدمتها جماعة الإخوان وتنظيماتها الإعلامية، وكذلك إسرائيل، التي تستفيد بشكل مباشر من إضعاف مصر الذي من شأنه أن يشتتها عن موقفها تجاه القضية الفلسطينية.
وحول تأثير التغيير في خطاب حماس، قالت ياسمين محمود، إنه حتى وإن ذهبت بعض الآراء إلى أن لهجتها الجديدة قد تُسبب توترًا في العلاقات مع القاهرة، إلا أن ذلك لن يؤثر على الدعم المصري الثابت للفلسطينيين، أو على الجهود المصرية الحثيثة للتوصل لهدنة، حيث إن الدعم المصري لغزة يتجاوز اعتبارات الخطابات السياسية والإعلامية، ولا يتعلق دعم مصر للقضية الفلسطينية بحركة أو فصيل، بل ينبع من التزام ثابت تجاه الشعب الفلسطيني.
من جانبها، حللت مريم صلاح، الباحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، ذلك التغير الجوهري، موضحة أن تصريحات خليل الحية رئيس حركة حماس في غزة تحمل استفزازًا لمصر وتُحمل الحركة مسؤولية سياسية وأخلاقية، خاصة وأنها تبنت الرواية الإسرائيلية التي تهدف لتنصل تل أبيب من مسؤوليتها عن عدم دخول المساعدات الإنسانية للقطاع بعد سيطرة قوات الاحتلال الإسرائيلي على معبر رفح من الجانب الفلسطيني في مايو 2024.
يُمكن فهم هذه التصريحات بحسب ما روته مريم صلاح، على أنها تأتي كمحاولة من الحركة للتهرب من الضغوط التي تعانيها خلال الفترة الأخيرة بشأن الأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة والتي شارفت على الوصول إلى حد المجاعة واستمرار الحرب الإسرائيلية على القطاع التي أسفرت عن سقوط الآلاف الشهداء والجرحى وتدمير البنى التحتية بالقطاع وتحويله إلى مكان يصعب العيش فيه مرة أخرى وعدم نجاح المفاوضات في التوصل لوقف إطلاق النار حتى الآن.
وأكدت الباحثة، أنه يمكن الإشارة إلى أن تصريح خليل الحية تجاهل بشكل واضح التدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية، والتي حمّلت إسرائيل مسؤولية الوضع الإنساني في قطاع غزة، وألزمتها باتخاذ خطوات فورية لضمان دخول المساعدات دون عرقلة، ومنع التحريض على الإبادة الجماعية. كما تجاهل تمامًا نتائج زيارات الوفود الدولية إلى معبر رفح من الجانب المصري، والتي أثبتت بشكل قاطع أن المعبر يعمل بشكل منتظم من جهة مصر، وأن الجهة التي تعرقل مرور المساعدات والإمدادات هي الاحتلال الإسرائيلي، الذي يفرض سيطرته الكاملة على الجانب الفلسطيني من المعبر.
ذكرت مريم صلاح، أن هذه التصريحات تطرح الكثير من علامات الاستفهام التي يجب أن تجيب حماس عليها خاصة وأن قادة الحركة وعلى رأسهم خليل الحية نفسه الذي زار القاهرة أكثر من مرة منذ اندلاع الحرب يلمسون بشكل مباشر حجم الجهود المصرية المبذولة تجاه الفلسطينية على مختلف المستويات. خاصة وأن هذه التصريحات تأتي بالتزامن مع تحركات خارجية تقودها جهات مشبوهة وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين ضد مصر.
لا يمكن تجاهل التزامن اللافت بين خطاب الحية والتحركات الاحتجاجية أمام السفارة المصرية في تل أبيب، تحت رعاية وحماية الاحتلال الإسرائيلي نفسه، إذ أكدت مريم صلاح، أن ذلك يطرح فرضية وجود رغبة لدى بعض الأطراف لتوظيف معاناة غزة في معركة إعلامية تهدف لتقويض الدور المصري، الذي ما زال مركزيَا ومستمرًا في جهود التهدئة وإعادة الإعمار.
واختتمت حديثها، بأنه رغم هذا التصعيد، تواصل الدولة المصرية دورها بثبات دون انجرار وراء الخطابات الاستفزازية، مدفوعة بمبدأ ثابت يعتبر القضية الفلسطينية جزءًا من أمنها القومي ومسؤوليتها التاريخية. في المقابل، يدرك المصريون بدورهم طبيعة هذه الحملات التحريضية، ويرفضون الانجرار خلفها، وهو ما يجعل من الصعب التأثير على موقف الدولة أو التشويش على سياساتها، فمصر ستبقى طرفًا فاعلًا وملتزمًا في دعم الشعب الفلسطيني، دون أن تقبل الانجرار في أي صراع يخدم مصالح ضيقة أو يسيء لدورها الإقليمي.