النهار
جريدة النهار المصرية

فن

نور الشريف متهم بـ خيانة الوطن.. قصة فيلم دفعه للتفكير في الهجرة من مصر

نور الشريف
بسمة رمضان -

تحل اليوم، 11 أغسطس، الذكرى العاشرة لرحيل الفنان الكبير نور الشريف، أحد أعمدة الفن العربي، والذي لم يكن ممثلًا استثنائيًا فقط، بل فنانًا صاحب موقف، آمن بأن الفن يجب أن يكون صوتًا للحق، لا صدى للسلطة.

لكن هذا الإيمان كلّفه كثيرًا ففي عام 1992، وجد نفسه في قلب عاصفة من الاتهامات والهجوم، بعدما قدّم فيلم "ناجي العلي"، الذي تناول السيرة الذاتية للرسام الفلسطيني الراحل المعروف بجرأته وسخريته السياسية اللاذعة.

ناجي العلي... الرسام الذي أزعج الجميع

"ناجي العلي" كان فنانًا فلسطينيًا بارزًا، اخترع شخصية "حنظلة" الشهيرة التي أصبحت رمزًا للهوية الفلسطينية.
في عام 1987، تم اغتياله في لندن على يد مجهول، بعد سنوات من الرسومات النارية التي هاجم فيها الأنظمة العربية بلا استثناء.

نور الشريف قرر، بالتعاون مع شركة إنتاج فلسطينية، أن يُقدِّم قصته على الشاشة. كتب السيناريو بشير الديك، وأخرج العمل عاطف الطيب، ولعب نور دور البطولة إلى جانب محمود الجندي وليلى جبر وعدد من الفنانين العرب.

الهجوم يبدأ... والفيلم يُمنع

ما إن تم الانتهاء من تصوير الفيلم، حتى بدأت حملة عنيفة ضد نور الشريف، وتم منع عرض "ناجي العلي" في عدد من الدول العربية، وواجه نور انتقادات حادة داخل مصر، خاصة من بعض الصحف التي اتهمت الفيلم بأنه يتجاهل دور مصر في حرب أكتوبر ولبنان، ويروّج لمواقف ناجي العلي المعادية لبعض القادة العرب، وعلى رأسهم الرئيس الراحل أنور السادات.

اتهام بـ"الخيانة"... ومنع اسمه من النشر

أسوأ ما واجهه نور لم يكن فقط في المنع، بل في الهجوم الشخصي عندما بدأت جريدة "أخبار اليوم"، بقيادة رئيس تحريرها آنذاك إبراهيم سعدة، حملة ضده، شملت منع اسمه من النشر، واتهامه علنًا بـ"خيانة الوطن"، بل وادّعت بعض الأقلام أنه حصل على 3 ملايين دولار من منظمة التحرير الفلسطينية لتمويل الفيلم.

نور نفى ذلك تمامًا، وقال في حوار مع الكاتب مدحت العدل إنه فوجئ بزملائه يهاجمونه، وإن البعض اتهمه زورًا بالتربح من عمل فني هدفه الأساسي الدفاع عن فلسطين.

ياسر عرفات يتدخل... ومبارك يتراجع عن المنع

في تطور لافت، كشف نور الشريف لاحقًا أن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات سافر إلى القاهرة وطلب من الرئيس حسني مبارك منع عرض الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي، لكن مبارك بحسب رواية نور لم يشاهد الفيلم بنفسه، وأحال الأمر إلى مستشاره السياسي الدكتور أسامة الباز، الذي أكّد له أن الفيلم لا يسيء للقضية الفلسطينية، ليتم السماح بعرضه في المهرجان.

فكر في الهجرة... وبكى على الهواء

في لقاء صادم مع الإعلامية هالة سرحان، اعترف نور الشريف بأنه بكى من شدة الألم بسبب الهجوم الذي طاله، قائلًا إنه كان يُهاجم يوميًا في جريدتين وعلى 6 صفحات، مضيفا: إن التجربة كشفت له وجوه زائفة من زملائه وأصدقائه، وخصّ بالذكر الفنان سمير صبري، الذي كان من القلائل الذين تواصلوا معه يوميًا للاطمئنان عليه.

وفي أكثر من لقاء له كشف أنه كان يفكّر جديًا في الهجرة إلى إنجلترا والعمل في الإعلام أو الصحافة، بسبب شدة الظلم والهجوم، لكنه تراجع بعد أن هدأت العاصفة.

فن لا يساوم

رغم كل ما حدث، ظل نور الشريف ثابتًا على موقفه لم يعتذر، لم يتراجع، ولم يساوم. وظل "ناجي العلي" في نظره فيلمًا مهمًا، لأنه نقل صوت فنان قُتل بسبب فكرته، ورسّخ في الذاكرة أن الفن أحيانًا يكون جريمة في نظر من لا يحبون الحقيقة.


إرث لا يُنسى

في ذكرى رحيله، لا نتذكّر فقط مشاهد نور الشريف على الشاشة، بل نتذكّر فنانًا لم يخَف، دفع ثمن صدقه، لكنه لم يتنازل ولعل فيلم "ناجي العلي" سيظل شهادة حية على فنان آمن أن الوطن لا يُخدم بالصمت، بل بالموقف.