بين ضعف الدعم وارتفاع التكاليف.. القمح يفقد مكانته في الحقول المصرية

يُعد القمح من المحاصيل الاستراتيجية الحيوية في مصر، بكونه يمثل الركيزة الأساسية في توفير الخبز المدعوم، ويؤثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي للمواطنين، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تراجعًا ملحوظًا في إقبال المزارعين على زراعته، نتيجة لمجموعة من العوامل الاقتصادية والبيئية والإدارية، ما يشكل تحديًا كبيرًا أمام جهود الدولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
زراعة القمح
وفي سياق متصل، قال الدكتور أحمد سمير، الخبير الاقتصادي، في تصريح خاص لـ "النهار"، إنه على الرغم من رفع سعر توريد الأردب إلى نحو 2000 جنيهًا، إلا أن المزارعين يعتبرونه غير كافٍ لتغطية تكاليف الإنتاج المرتفعة، التي تشمل الأسمدة، الوقود، مياه الري، وأجور العمالة وهذا الخلل بين التكلفة والعائد جعل من القمح محصولًا غير مجدٍ اقتصاديًا في نظر كثير من الفلاحين.
الحيازات الزراعية
وأشار "سمير"، إلى المشاكل التي تعاني منها بعض المناطق الزراعية، من نقص في كميات مياه الري، إلى جانب تزايد ملوحة التربة في مناطق أخرى، وهو ما يدفع المزارعين إلى اختيار محاصيل أقل احتياجًا للمياه وأكثر قدرة على التكيف مع التغيرات المناخية، بالإضافة إلى تفتيت الحيازات الزراعية، حيث يؤدي إلى صغر مساحة الحيازات، مما يصعّب من تطبيق أساليب الزراعة الحديثة على نطاق واسع ويؤثر سلبًا على الجدوى الاقتصادية لمحصول القمح.
انخفاض إنتاجية القمح
أكد الخبير الاقتصادي، أن تراجع دور الإرشاد الزراعي وعدم توفر دعم مباشر من الدولة للبذور المعتمدة والأسمدة والآلات الزراعية، ساهم في انخفاض إنتاجية القمح وفقدان المزارعين للثقة في جدوى زراعته، إلى جانب أن العديد من المزارعين يشكون من غياب حوافز تشجيعية واضحة من الحكومة لزراعة القمح، مما يدفعهم للتوجه نحو محاصيل تحقق ربحًا أكبر أو تُصدّر إلى الخارج بعوائد أفضل.
وأوضح أن هذا العزوف المتزايد عن زراعة القمح يؤدي إلى تداعيات مباشرة وخطيرة على الأمن الغذائي في مصر، تتمثل في:
1- اتساع فجوة الإنتاج
حيث يبلغ الإنتاج المحلي من القمح نحو 8.5 إلى 9 ملايين طن، في حين يتجاوز حجم الاستهلاك السنوي 18 مليون طن، ما يؤدي إلى فجوة ضخمة في التوازن الغذائي.
2- الاعتماد على الاستيراد
تستورد مصر ما يصل إلى 12 مليون طن من القمح سنويًا، ما يشكل ضغطًا كبيرًا على الميزان التجاري، ويجعل الاقتصاد أكثر عرضة لتقلبات الأسواق الدولية والأزمات الجيوسياسية.
3- ارتفاع أسعار الخبز
في ظل استمرار انخفاض الإنتاج المحلي، قد تواجه البلاد أزمة في توافر الخبز بأسعاره المدعومة، وهو ما سينعكس على المواطنين، وخاصة الأسر ذات الدخل المحدود.
4- مخاطر اقتصادية وأمنية
زيادة الاعتماد على الخارج لتأمين سلعة استراتيجية كالقَمح يعرض البلاد لمخاطر محتملة، مثل تعطل الإمدادات العالمية أو ارتفاع أسعار الشحن، مما قد يؤثر على الأمن القومي الغذائي.
حلول ممكنة لمعالجة الأزمة
لفت "سمير"، إلى أنه أمام هذا التحدي المتصاعد، يمكن اتخاذ مجموعة من الإجراءات العاجلة لإنقاذ زراعة القمح في مصر، أبرزها:
- زيادة الدعم الحكومي
من الضروري أن ترفع الدولة مستوى الدعم المالي والتقني الموجه للمزارعين، بما يشمل خفض أسعار المدخلات الزراعية وتوفير مستلزمات الإنتاج بأسعار مناسبة.
- تحسين إدارة الموارد المائية
توسيع تطبيق تقنيات الري الحديث مثل الري بالتنقيط والرش لتقليل الهدر المائي وتحسين إنتاجية الفدان.
- تحديث أساليب الزراعة
تشجيع استخدام الآلات والتقنيات الزراعية الحديثة التي ترفع من كفاءة الزراعة وتقلل التكاليف، مع توفير التدريب والإرشاد الفني اللازم للمزارعين.
- توفير التمويل الزراعي
إتاحة قروض ميسرة بشروط مرنة لمساعدة المزارعين في شراء مستلزمات الزراعة دون أعباء مالية مرهقة.
- ضمان سعر عادل وثابت للقمح
إقرار سياسة سعرية واضحة وثابتة لتوريد القمح، تضمن تحقيق ربح معقول للمزارعين وتحفزهم على الاستمرار في زراعته.
إن تراجع زراعة القمح في مصر لا يمثل مجرد أزمة زراعية، بل تهديدًا مباشرًا للأمن الغذائي والاقتصاد الوطني. ولذا، فإن التعامل مع هذه القضية يتطلب تدخلًا حكوميًا عاجلًا، واستراتيجية شاملة تعيد للمزارعين الثقة في أن زراعة القمح ليست فقط واجبًا وطنيًا، بل خيارًا اقتصاديًا مجديًا.