النهار
جريدة النهار المصرية

اقتصاد

تكاليف مرتفعة وأرباح متدنية.. لماذا لم يعد القمح على رأس أولويات الفلاحين؟

محمد دشناوى خبير سوق المال
أماني خالد -

يُعدّ القمح من أهم المحاصيل الإستراتيجية في العالم، لما له من دور محوري في تحقيق الأمن الغذائي وتوفير رغيف الخبز اليومي لملايين البشر وعلى الرغم من هذه الأهمية، يشهد هذا المحصول الحيوي في السنوات الأخيرة تراجعًا ملحوظاً في اهتمام المزارعين بزراعته، خاصة في عدد من الدول العربية، فقد أصبح القمح اليوم، في نظر كثير من الفلاحين، محصولاً "خاسرًا" لا يواكب كلفة الزراعة المرتفعة ولا يضمن هامش ربح مجزٍ، في ظل ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج من بذور وأسمدة ومحروقات، مقابل ثبات أو انخفاض أسعار الشراء الحكومية.

العملة الصعبة

وفي إطار ذلك قال الدكتور محمد الدشناوي، الخبير الاقتصادي، في تصريح خاص لـ "النهار"، إن محصول القمح شهد عزوفًا متزايدًا من قبل المزارعين، ليس بسبب ضعف الوعي، بل نتيجة حسابات اقتصادية دقيقة في ظل ارتفاع التكاليف وصعوبة السوق، ففي موسم 2024/2025، بلغ متوسط إنتاج فدان القمح 17 إلى 19 إردبًا وبسعر توريد رسمي 1500 جنيهًا للأردب والعائد يتراوح بين 25 إلى 28 ألف جنيه، بينما تتجاوز تكاليف الإنتاج 12.5 إلى 14 ألف جنيهًا للفدان، في المقابل تحقق محاصيل بديلة مثل البنجر والطماطم والبرسيم عوائد تصل إلى 45 ألف جنيهًا، بينما توفر الفواكه التصديرية كالفراولة و العنب عائدًا قد يصل إلى 60 ألف جنيه للفدان، مع فرص تصدير وعائدات من العملة الصعبة، ما يجعل القمح خيارًا أقل جاذبية رغم أهميته الاستراتيجية.

خبير يحدد أهم قوانين أداء البورصة الواجب تعديلها لإعادة جذب الاستثمارات

منظومة التوريد الحكومية

وأشار "الدشناوي" في تصريحاته لـ "النهار"، إلى أن المزارعين يعانون من مشاكل في منظومة التوريد الحكومية، منها تأخير صرف المستحقات، خصومات غير مبررة، بالإضافة إلى صعوبة الوصول لمراكز التجميع وبيروقراطية مرهقة، وتزداد المخاطر مع غياب التأمين الزراعي، مما يعرض الفلاح لخسائر فادحة في حال تلف المحصول دون أي تعويض، بالإضافة إلى أن أكثر من 80% من الحيازات الزراعية في مصر تقل عن فدانين، مما يجعل زراعة القمح غير مجدية اقتصاديًا، خاصة دون تقنيات حديثة أو دعم كافٍ.

وتابع، أنه بالرغم من هذه التحديات، تواصل الدولة دعم القمح، ليس لعائده الاقتصادي فقط، بل لدوره الاستراتيجي في الأمن الغذائي، بالإضافة إلى كون مصر أكبر مستورد للقمح عالميًا (أكثر من 9.2 مليون طن في 2024)، واعتمادها الكبير على دول مثل روسيا وأوكرانيا يبرز حجم المخاطر في أوقات الأزمات ولهذا، تتعامل الدولة مع القمح كخط دفاع استراتيجي، وتوازن بين حسابات السوق ومتطلبات الأمن القومي.

سعر التوريد

وشدد الخبير الاقتصادي، على ضرورة رفع سعر التوريد تدريجيًا ليصل إلى 1800 جنيه للأردب كحد أدنى، مع توفير مستلزمات الإنتاج بسعر مدعوم من خلال كارت الفلاح، كما يجب إصلاح منظومة التوريد عبر زيادة مراكز التجميع وتبسيط الإجراءات وتسريع صرف المستحقات، إلى جانب تفعيل منظومة تأمين زراعي فعّالة والتوسع في زراعة القمح بالأراضي الجديدة مثل الدلتا الجديدة وتوشكى، مع دعم تقنيات الري الحديث والبنية التحتية.