النهار
جريدة النهار المصرية

فن

في ذكرى ميلاد أسامة أنور عكاشة وبشير الديك.... كيف أصبحت أعمالهما صوتًا للمهمشين ومرآةً للواقع السياسي والاجتماعي؟

أسامة أنور عكاشة وبشير الديك
بسمة رمضان -

يحل شهر يوليو حاملًا ذكرى ميلاد اثنين من أبرز أعمدة الدراما والسينما المصرية والعربية: الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة (28 يوليو 1941)، والسيناريست والمخرج بشير الديك (27 يوليو 1944). كلاهما قدّم للمشاهد العربي أعمالًا مخلصة للواقع، تعكس هموم الإنسان المصري وتحولاته السياسية والاجتماعية والنفسية، في لغة درامية صادقة وجريئة.

أسامة أنور عكاشة.. دراما المواطن والهوية

وُلد عكاشة في مدينة طنطا عام 1941، وبدأ مسيرته بالعمل في الصحافة والتدريس قبل أن يتحول إلى الكتابة الدرامية، ليُحدث طفرة في الدراما التلفزيونية العربية. لم يكن مجرد كاتب، بل كان صاحب مشروع فكري وثقافي يرى في الفن وسيلة لتشكيل الوعي الوطني.

امتازت أعماله بالعمق الاجتماعي والسياسي، وطرحت أسئلة محورية عن الهوية والانتماء والعدالة، ورفضت التبسيط أو الابتذال. وقدّم عكاشة من خلال أعماله رؤية فكرية للمجتمع المصري في مواجهة تحولات ما بعد يوليو 1952 وحتى مطلع الألفية.

من أبرز أعماله: ليالي الحلمية، أرابيسك، الراية البيضا، الشهد والدموع، عفاريت السيالة، المصراوية.

ارتبط اسمه بالمخرج إسماعيل عبد الحافظ، وشكّل معه ثنائية فنية لا تُنسى. وابتكر شخصيات خالدة مثل "سليم البدري" و"سليمان غانم" و"حسن أرابيسك"، التي أصبحت جزءًا من الثقافة الشعبية المصرية.

كان عكاشة ناقدًا شرسًا للفساد والاستبداد، ودافع عن قضايا القومية والعدالة، مؤمنًا بأن الفن ليس ترفًا بل مسؤولية وطنية.

بشير الديك.. شاعر السيناريو وصوت المهمشين

وُلد بشير الديك في دمياط عام 1944، وبدأ بكتابة القصص القصيرة قبل أن يدخل عالم السينما من بوابة الواقعية الجديدة. لم يكن كاتبًا للسيناريو بالمعنى التقليدي، بل كان شاعرًا يكتب بالكاميرا والوجدان، وبعين منحازة دائمًا للناس العاديين.

أعماله ركّزت على الطبقات الكادحة، المهمشين، التمزقات النفسية، وأوجاع المواطن العادي، بلغة بصرية صادقة وحس إنساني عميق.

من أبرز أعماله: سواق الأتوبيس، الطوق والأسورة، الحب فوق هضبة الهرم، ضد الحكومة، كتيبة الإعدام، نقطة نور.

اشتهر بأنه "الكاتب الذي لا يجامل"، ورفض دائمًا تقديم نصوص لا تحترم عقل الجمهور. تأثر بجيل نجيب محفوظ لكنه صنع أسلوبه الخاص، وكان صوته دائمًا منحازًا للفقراء والحالمين والمظلومين.

إرث مشترك.. توثيق الإنسان المصري

رغم اختلاف الوسيط والأسلوب، جمع بين أسامة أنور عكاشة وبشير الديك الالتزام الصادق تجاه الإنسان المصري.

الأول كتب للتلفزيون بنَفَس ملحمي فكري، والثاني كتب للسينما بنَفَس واقعي إنساني.

كلاهما رفض الخضوع لسطوة السوق، وآمن بأن الكتابة فعل مقاومة وحفاظ على الوعي. وفي زمن تتغير فيه أولويات الفن، يبقى إرثهما شاهدًا على زمنٍ كانت فيه الدراما صوتًا حقيقيًا للشعب.