النهار
جريدة النهار المصرية

عربي ودولي

أطفال اليمن بين القتل والإعاقة والتجنيد القسري

أطفال اليمن
علي عبدالجواد -

منذ اندلاع النزاع المسلح عام 2015، يعيش اليمن واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث، يتحمل فيها الأطفال كونهم الحلقة الأكثر ضعفًا في مناطق النزاعات القسط الأكبر من المعاناة، حث يتعرضون للقتل والإعاقة والتشرد وفقدان الأسرة والحرمان من التعليم والرعاية الصحية.

وتشير أحدث التقارير الدولية إلى أن أكثر من 3.1 ملايين طفل نازح داخليًا، وأن نحو 80% من إجمالي النازحين البالغ عددهم 4.5 ملايين هم من النساء والأطفال، في ظل تفكك مؤسسات الدولة وتدهور مروع في قطاعي الصحة والتعليم.

ولا يقتصر الخطر على سقوط الضحايا، بل يمتد ليطال روح الطفولة نفسها، إذ يحرم مئات الآلاف من التعليم، ويقعون فريسة سهلة للعنف والتجنيد والانتهاكات الجسيمة؛ إذ يتم تسليحهم بأسلحة حقيقية تسرق أحلامهم قبل أرواحهم.

الأطفال أولى ضحايا الحرب

وفي قلب النزاع اليمني، كان الأطفال أول من دفع الثمن؛إذ قتل وأصيب أكثر من 11,500 طفل، وفقًا لتقرير صادر عن منظمة «يونيسف» في مارس 2024، ليصبحوا أرقامًا مأساوية في سجل الحرب المستمرة.

وتشير التقديرات إلى أن ثمانية أطفال يقتلون أو يصابون يوميًا، في مشهد يتكرر بلا انقطاع، يعكس عمق المأساة التي تطال جيلًا بأكمله، لم يكن له من ذنب سوى أنه ولد في زمن الحرب.

ولم تقف الكارثة عند حدود القتل والإصابة، بل امتدت إلى تجنيد أكثر من 10 آلاف فتى في صفوف الفصائل المسلحة، لينتزعوا من مدارسهم وأسرهم، ويزج بهم في معارك لا تعنيهم، في عملية استغلال ممنهجة تسلبهم براءتهم ومستقبلهم.

وتزداد اللوحة قتامة مع ما كشفته تقارير الأمم المتحدة في أغسطس 2024، إذ يعاني أكثر من 600 ألف طفل من سوء تغذية حاد، في ظل انهيار المنظومة الصحية وانعدام الأمن الغذائي، وهو ما يجعل حياة هؤلاء الصغار معلقة بين الجوع والخوف والحرمان من أبسط الحقوق.

تعليم مهدد بالانقراض

وفي مناطق النزاع باليمن، لا تقتصر معاناة الأطفال على فقدان الغذاء والمأوى، بل تمتد إلى أحد أكثر الجوانب خطورة وتأثيرًا على مستقبلهم: الحق في التعليم. فقد باتت المدارس هدفًا مباشرًا للهجمات أو ساحة لأغراض عسكرية، ما أدى إلى انقطاع مئات الآلاف من الأطفال عن مقاعد الدراسة، وتركهم دون أفق واضح أو ضمان لمستقبل أفضل.

وتشير تقارير أممية حديثة إلى أن أكثر من 4.5 ملايين طفل، أي طفلان من كل خمسة أصبحوا خارج نطاق التعليم، نتيجة تدمير آلاف المدارس، أو تحويلها إلى ثكنات عسكرية وملاجئ للنازحين.

ولا يتوقف الأمر عند آثار الحرب المباشرة، بل تسهم عوامل أخرى في تعميق الكارثة، منها الفقر المدقع الذي يدفع الأسر إلى إرسال أطفالها للعمل بدلًا من الدراسة، إلى جانب نقص المعلمين، وغياب المواد التعليمية الأساسية، ما جعل العملية التعليمية شبه مشلولة في مناطق النزاع، وحوّل حلم التعلم إلى رفاهية بعيدة المنال.

جروح نفسية عميقة

ومن جهة أخرى، أدمت الأزمات النفسية والمعنوية قلوب أطفال اليمن، إذ لا يقتصر تأثير النزاع المسلح على تمزيق الأجساد أو تدمير الممتلكات، بل يحفر في ذاكرة الأطفال جروحًا غير مرئية تظل تلاحقهم طوال حياتهم، لتصبح هذه الجراح دليلًا على معاناة لا تلتئم.

ويعيش الأطفال في بيئة قاسية تتسم بالصدمة والانفصال عن الواقع، ما يؤدي إلى اضطرابات نفسية عميقة؛ فهم يعانون من الاكتئاب والقلق، فضلاً عن اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وهي حالات نفسية تجذبهم نحو الظلام وتثقل خطواتهم نحو المستقبل وتجعلهم عاجزين عن تجاوز هذه المحنة.

وتشير العديد من التقارير الدولية أبرزها تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) إلى أن هؤلاء الأطفال يعانون في ظل هذا الواقع المرير من فقدان الأمان الأسري، حيث تفاقمت حالات التشرد واليتم على نطاق واسع، حيث تشظت عوائلهم بين ويلات الحروب ومآسي النزوح، ما رسخ في دواخلهم شعورًا دائمًا بالخوف والضياع جراء التنقل المستمر بحثًا عن أمان لم يجدوه.

تجنيد قسري

وفي اليمن، يجبر العديد من الأطفال على الانخراط في النزاعات المسلحة، إما بالقوة أو نتيجة لاستغلال الظروف الاقتصادية القاسية التي يعيشون فيها، حيث توثق التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة و«هيومن رايتس ووتش» الانتهاكات المستمرة من قبل الفصائل المسلحة التي تجعل من الأطفال أداة للحرب؛ ما يحرمهم من أبسط حقوقهم في الحياة الكريمة والتعليم والرعاية.

وإلى جانب التجنيد القسري، يعد تهديد الألغام الأرضية أحد أبرز الأخطار التي تهدد حياة الأطفال حتى بعد انتهاء الصراعات، إذ يعتبر اليمن من أكثر البلدان تضرراً من هذه الظاهرة، حيث تظل الألغام كامنة في الأرض، مهددة حياة الأطفال الذين قد يفقدون أطرافهم أو حياتهم بسبب هذه المتفجرات.

الألغام تشوه الطفولة

ويعد اليمن من أكثر الدول التي سجلت فيها المنظمات الدولية ارتفاعًا ملحوظًا بين المعاقين بسبب النزاعات الداخلية، حيث أكد تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UNOCHA)، في يناير 2024م، أن نسبة المعاقين تجاوزت 5 ملايين نسمة؛ أي ميا يعادل 15% من الشعب اليمني، مع ارتفاع كبير جداً لنسبة الأطفال المعاقين، وعلى الرغم من عدم الوصول إلى أعداد محددة للأطفال المعاقين بسبب الحرب، فإن تقريراً للمكتب أشار إلى أن إجمالي المعاقين في محافظة تعز قد بلغ 10128 معاقًا مسجلين، تجاوزت نسبة الأطفال بينهم 80%، وهو ما يشير إلى أن الضرر الأكبر من الألغام يصيب الأطفال الذين يعبثون بتلك الألغام تارة، أو تضرب أطرافهم مدفونة تحت الأرض تارة أخرى.

ويتضح مما سبق أن الحرب المستمرة في اليمن تحولت إلى كارثة إنسانية متعددة الأبعاد تستهدف جيلًا بأكمله، حيث أصبح الأطفال يواجهون مصيراً مأساوياً يتجلى في تعرضهم للقتل والإعاقة الجسدية جراء العنف والألغام، فضلاً عن التجنيد القسري الذي يسرق براءتهم ومستقبلهم، ويضاف إلى ذلك الدمار النفسي، وفقدان الأمان الأسري، والحرمان من التعليم والرعاية الصحية، ليغدو هذا الجيل ضحية حرب طويلة الأمد تهدد مستقبل اليمن بأكمله.