5 ملايين يمني من ذوي الإعاقة تحت خط المعاناة... والنساء في الواجهة

يواجه نحو خمسة ملايين يمني من ذوي الإعاقة تحديات جسيمة في ظل الحرب المستمرة للعام العاشر، وما خلفته من أزمات إنسانية وانهيار للخدمات الأساسية في البلاد.
وتتضاعف المعاناة بالنسبة للنساء ذوات الإعاقة، اللاتي يواجهن "تمييزًا مزدوجًا"؛ كونهن نساء في مجتمع محافظ، من ناحية، وكونهن من ذوي الإعاقة في بيئة تفتقر لأدنى مقومات الدعم الأساسي من ناحية ثانية.
وعلى الرغم من أن الدستور اليمني والقانون رقم (61) لسنة 1999، بالإضافة إلى المواثيق الدولية، تكفل حقوقاً متساوية لذوي الإعاقة في التعليم والصحة والمشاركة المجتمعية، إلا أن هذه التشريعات تظل حبيسة الأدراج؛ فالواقع يعكس صورة قاتمة بفعل عجز القوانين، وعدم فعالية صندوق رعاية المعاقين، وتدمير البنية التحتية، مما يحول دون تفعيل هذه الضمانات.
صراع من أجل الحقوق
ومن قلب هذا المشهد الصعب، ظهرت مبادرات وطنية جريئة تقودها نساء يمنيات من ذوات الإعاقة بأنفسهن، حاملات رسالة واضحة مفادها أن "الدمج حق وليس منحة".
وتعد "الحملة الوطنية لتمكين النساء ذوات الإعاقة"، التي انطلقت في يونيو الماضي بمشاركة 40 امرأة من مختلف المحافظات، نموذجاً حياً على إصرارهن على صناعة التغيير.
ودعت الحملة الشركاء والممولين إلى اعتبار النساء ذوات الإعاقة شريكات في صنع المستقبل لا مجرد مستفيدات، وإلى تعزيز مشاركتهن الفاعلة في جميع القطاعات.
وسعت الحملة لتحقيق توصيات محورية، أبرزها الضغط على صناع القرار بخطة مناصرة شاملة، وتوفير بيئة ميسرة وشاملة للجميع، مع تعزيز مشاركة النساء ذوات الإعاقة في مواقع القيادة وصنع القرار، وضمان التعليم الجامعي دون قيود، والتمكين الاقتصادي عبر منح وقروض وتدريب مهني، إلى جانب دعم الوصول إلى سوق العمل ووسائل النقل، ودمج قضايا الإعاقة في سياسات المناخ والطوارئ والاستجابة الإنسانية.
وأكدت بيانات داعمي الحملة على ضرورة تكاتف المجتمع المدني والسلطات لتحقيق تمثيل عادل لهن في مواقع القيادة وفي عمليات السلام.
تهميش مضاعف في التعليم والعمل والسياسة
وتواجه النساء ذوات الإعاقة في اليمن تحديات عديدة تعرقل مشاركتهن في الحياة العامة، أهمها:
- كثير من الفتيات ذوات الإعاقة محرومات من الالتحاق بالمدارس؛ إذ تشير منظمة أوكسفام إلى أن نحو 60% من النساء ذوات الإعاقة الحركية لا يتلقين أي رعاية صحية أو تعليمية، وتزيد هذه الصعوبات بتفكك النظام التعليمي ودمار عدد من المدارس جراء الحرب.
- كما تعاني النساء ذوات الإعاقة من معدلات عالية من المشاكل الصحية؛ فقد وجدت منظمة الصحة العالمية أنهن يواجهن صعوبات صحية أكبر بنسبة نحو 20% مقارنة بغيرهن في ظل ظروف مناخية قاسية، بيد أن الخدمات الصحية المتاحة لهن محدودة بشدة بسبب انهيار المستشفيات وفقدان الأدوية والمعدات، خاصةً في المحافظات المتأثرة بالنزاع، كما تتعرض النساء ذوات الإعاقة لمخاطر صحية وحياتية إضافية بسبب غياب مرافق متخصصة وبرامج حماية تناسب احتياجاتهن.
- وستبعد النساء ذوات الإعاقة عملياً من سوق العمل، حيث أشار تقرير أممي إلى أن المشاركة الاقتصادية لذوي الإعاقة بالكاد تصل إلى 1% من المشتغلين، وعموماً «أخذت الحرب منهم حقوق التعليم والتوظيف» بحسب منظمة العفو الدولية، إذ تضاعفت معدلات الفقر في صفوفهن مع غياب فرص كسب العيش المشروعة.
- وتمثل النساء ذوات الإعاقة شريحة مهمشة في الحياة السياسية، إذ لم يشهد اليمن تمثيلاً لائقاً لهذه الفئة في المجالس النيابية أو الهيئات المشاركة بصنع القرار، كما تشير المبادرات الحقوقية إلى فجوة كبيرة في تمثيلهن " في السياسات العامة، خاصة في قضايا بناء السلام وصنع القرار"، وهو ما دفع نساء معنيات إلى إطلاق حملات لمطالبة بإشراكهن وتمكين صوتهن في المستوى الوطني.
- ومن ناحية أخرى، تتعرض النساء والفتيات ذوات الإعاقة لمخاطر مضاعفة من العنف والاستغلال، إذ يؤكد تقرير للأمم المتحدة أنهن يواجهن تهديداً متزايداً بالعنف وسوء المعاملة والتمييز في ظل انعدام تام للخدمات والحماية المهيكلة، ويزداد وضعهن سوءاً في مخيمات النازحين وسوابق العنف الأسري؛ فالترتيبات الأمنية والاجتماعية الراهنة غالباً ما تستثنيهن من الحماية الشخصية.
تشريعات الدعم تصطدم بواقع الحرب والإهمال
اعتمد اليمن عدة قوانين واتفاقيات لحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث صدق في عام 2008م على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة للأمم المتحدة.
وعلى المستوى التشريعي الداخلي، يحمي القانون رقم 61 لعام 1999 حقوق ذوي الإعاقة في مختلف المجالات الأساسية بما فيها الرعاية الصحية، فيما ينص القانون رقم 2 لعام 2014 على تحسين جودة حياة الأشخاص ذوي الإعاقة عبر ضمان توفير الخدمات الصحية والتعليمية وفرص العمل المناسبة.
كما تقر قوانين أخرى حصصاً للتوظيف وإلزامية الوصول في المباني العامة لضمان بيئة أكثر شمولاً.
ومع ذلك، يعاب على التطبيق الفعلي لهذه القوانين ضعف التنفيذ في ظل واقع الحرب والانهيار الاقتصادي، إذ لوحظ أن معظم تلك النصوص بقيت حبرًا على ورق ولم تنفذ على الأرض.
وفي هذا السياق، أشارت تقارير يمنية إلى أنه رغم سن قوانين رعاية المعاقين منذ عام 1999 وتشريعات لاحقة، «لم تعرف اليمن وقتاً لوضع الاستراتيجيات الوطنية لتطبيقها»، بل أصبحت تلك القوانين «ذكرى قديمة» في ظل أولويات البقاء اليومية.
كما تشير منظمات حقوقية إلى أن غياب الآليات المالية والإدارية المخصصة لم يمكن ذوي الإعاقة من مطالبة حقوقهم بشكل فعال.
الحكومة الهولندية تتصدر الداعمين الدوليين
ساهم المجتمع الدولي في بعض الجهود الداعمة لدمج وتمكين النساء ذوات الإعاقة. فمنظمة الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) تدعم إنشاء مساحات آمنة تدريبية للفتيات من ذوات الإعاقة بهدف تطوير المهارات الحياتية والمهنية لهن، بتمويل من دول إسكندنافية وهولندية.
كما ركز برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) الممول من الاتحاد الأوروبي (مشروع SIERY للتعافي الاقتصادي والمؤسسي) على تدريب السلطات المحلية على إدماج الفئات المهمشة بما فيها ذوو الإعاقة في خطط التعافي، وقد تم بالفعل إعداد خطط تنمية محلية شاركت فيها ممثّلات عن هؤلاء ذوي الإعاقة.
من جهته، التزم الاتحاد الأوروبي بدعم النساء اليمنيات (بمختلف أوضاعهن) عبر برامج خاصة بتمكين المرأة، وطوّر مبادرات لدعم الصحة والتعليم. وقد خصصت بعض المنح الأوروبية قسماً من التمويل لبرامج شمولية للفئات الضعيفة.
أما الحكومة الهولندية، فكانت من أبرز الجهات الممولة للبرامج المحلية لذوي الإعاقة، حيث دعمت مؤسسة رووم لأعمار الأرض برامج تدريب وبناء قدرات مخصصة للنساء ذوات الإعاقة، حيث أنهت "رووم" أخيراً برنامجاً بعنوان «تعزيز قدرات النساء ذوات الإعاقة من أجل التنمية والسلام» برعاية وزارة الخارجية الهولندية ومع الشراكة مع رابطة نساء حول العالم للسلام والحرية.
وقد استهدف البرنامج تمكين المشاركات من الحوار والمناصرة وبناء السلام، وتأهيل قيادات ناشئة من النساء المعاقات.
منظمات يمنية تقود دعم وتمكين النساء ذوات الإعاقة
بدورها، تضطلع منظمات يمنية بدور فاعل في مناصرة حقوق النساء ذوات الإعاقة، ففي ديسمبر 2020 دشن في عدن الشبكة الوطنية لمناصرة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بدعم من مؤسسة رووم ووزارة حقوق الإنسان.
وتهدف هذه الشبكة إلى تنسيق جهود الجمعيات المحلية وضغط الحكومة لتطبيق الاتفاقيات الدولية المتعلقة بذوي الإعاقة، حيث يرأسها الحقوقية والرائدة الرميصاء يعقوب، التي تعمل أيضاً في حملة تمكين النساء ذوات الإعاقة ومؤسسة رووم.
وتصدر الشبكة بياناتً ووثائق دورية؛ فقد أكدت في إحدى بياناتها دعمها لحملة وطنية حديثة طالبت بـ«دمج وتمكين» النساء ذوات الإعاقة كمطلب حقوقي وليس خياراً، وحثت السلطات على الاستثمار في قدرات هذه الفئة القيادية.
كما تسهم جمعيات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية المختلفة (مثل جمعية التحدي ومؤسسة المسار) بأنشطة توعوية وتدريبية؛ فعلى سبيل المثال، نظم فرع “التحدي” في صنعاء بطولة لكرة السلة على الكراسي المتحركة لشابات معاقات ضمن فعاليات تغيير الصورة النمطية عنهن.
وقد صرح منظمو البطولة أن هدفهم كسر عزلتهن البدنية والنفسية أمام المجتمع وإظهار إمكاناتهن في الرياضة والتنقل.
الحرب والأمراض أبرز أسباب الإعاقة
وتشير تقديرات دولية إلى أن نحو 15٪ من سكان اليمن من ذوي الإعاقة، أي ما يعادل حوالي 4.5–4.9 مليون شخص.
وتشمل أبرز أشكال الإعاقة في اليمن الإعاقات الحركية نتيجة الإصابات الحربية (البتر وجروح الحبل الشوكي)، إضافةً إلى حالات الشلل الناتجة عن شلل الأطفال؛ كما تشكل العوامل الخَلقية ومضاعفات الولادة نحو 30٪ من حالات الإعاقة.
وتعد الإصابات الناتجة عن الحوادث (حوادث السير، الألغام)، والأمراض المزمنة والجينية (كالثلاسيميا والسرطان)، وسوء التغذية من الأسباب الرئيسية الأخرى للإعاقة.
وفي ضوء ما سبق، يظل واقع النساء ذوات الإعاقة في اليمن هشاً ومثقلاً بالتحديات، حيث تتضاعف معاناتهن نتيجة التمييز المزدوج الذي يفرض عليهن، فضلاً عن انهيار البنية التحتية والخدمات الأساسية بسبب الصراع الدائر.
ورغم وجود التشريعات والقوانين التي تكفل حقوقهن، إلا أنها تظل حبيسة النصوص في ظل غياب التنفيذ الفعال، وهو ما يتطلب تضافر جهود الحكومة، والمجتمع المدني، والداعمين الدوليين لضمان ترجمة هذه النصوص إلى واقع حياة كريمة وممكنة، بما يضمن لهن الوصول العادل إلى التعليم والرعاية والعمل والمشاركة السياسية.