النهار
جريدة النهار المصرية

عربي ودولي

ألغام الحوثيين تحصد أرواح اليمنيين.. و«مسام» يواصل معركة الإنقاذ

عمليات نزع الإلغام في اليمن
علي عبدالجواد -

في إنجاز إنساني جديد، أعلن مشروع "مسام" السعودي لنزع الألغام، أمس الأحد، نجاح فرقه في تطهير الأراضي اليمنية من 1559 لغمًا وذخيرة غير منفجرة وعبوة ناسفة خلال الأسبوع الماضي فقط.

ويأتي هذا الإعلان، بحسب غرفة عمليات المشروع، في إطار الجهود الدؤوبة والمستمرة لإنقاذ حياة المدنيين وتطهير اليمن من "الموت الخفي" الذي خلفته الحرب.

وأوضح المكتب الإعلامي لمشروع "مسام" أن الفرق المتخصصة نجحت في نزع 1513 ذخيرة غير منفجرة، و45 لغمًا مضادًا للدبابات، ولغمًا واحدًا مضادًا للأفراد.

ويؤكد هذا الرقم الجديد حجم الإنجاز المتواصل للمشروع الإنساني الذي أطلقته المملكة العربية السعودية في نهاية يونيو 2018، سعيًا لتخفيف معاناة اليمنيين.

ألغام عشوائية

وكشف التقرير أن الفرق الميدانية لمشروع "مسام" تمكنت خلال الفترة نفسها من تطهير مساحة تزيد عن 176 ألف متر مربع من الأراضي اليمنية، كانت ملوثة بالألغام والمتفجرات التي تشكل تهديدًا مباشرًا لحياة المدنيين، لا سيما في المناطق المحررة.

وفي إفادة صادرة عن المكتب الإعلامي لمشروع "مسام"، أعلن أسامة القصيبي، المدير العام للمشروع، أن إجمالي ما تم نزعه منذ انطلاق المشروع في يونيو 2018 وحتى 4 يوليو 2025 بلغ نحو 504 آلاف لغم وذخيرة غير منفجرة وعبوة ناسفة، مضيفًا أن هذه الأرقام تشمل أكثر من 342 ألف ذخيرة غير منفجرة، و8244 عبوة ناسفة، و146 ألف لغم مضاد للدبابات، و6821 لغمًا مضادًا للأفراد.

موت في دروب الرزق

وفي أحدث واقعة تكررت في ريف اليمن، لقى شاب يدعى عبده إبراهيم فرج صبيبه، حتفه صباح أمس السبت، إثر انفجار لغم أرضي زرعته جماعة الحوثي في إحدى المناطق الريفية بمديرية زبيد جنوب الحديدة.

وأوردت وسائل إعلام محلية، أن الضحية، وهو في العقد الثالث من عمره، كان يعمل في جمع أعواد الأراك لبيعها كمصدر رزق يعيل به أسرته، كما يفعل كثير من سكان تهامة الذين لا يملكون خيارًا آخر وسط واقع معيشي قاسٍ.

ووفقاً للناشط الحقوقي اليمني غالب القديمي، وقع الانفجار بينما كان الشاب يبحث عن أعواد الأراك تحت شجرة في منطقة القرشية السفلى غرب زبيد، وهي مهنة بسيطة لكنها تمثل شريان حياة لكثير من أبناء المنطقة.

وتسلط هذه الحادثة الضوء على المأساة المتكررة التي يعيشها المدنيون الذين تحاصرهم الألغام في سعيهم وراء لقمة العيش، وتحول المناطق الزراعية والمراعِي إلى حقول موت صامت.

حقل ألغام عالمي

وتعكس هذه الواقعة، وتلك الأرقام المهولة التي أوردها تقرير مشروع "مسام" حجم التهديد الذي يواجهه اليمنيون جراء زراعة الألغام بشكل عشوائي، مما حول اليمن، منذ اندلاع الحرب عام 2015، إلى أحد أشد مناطق العالم تلوثًا بالألغام والعبوات غير المتفجرة.

وبحسب تقرير لمعهد كارنيغي، جرى توثيق مقتل 370 مدنيًا بين منتصف 2019 ونهاية مايو 2022 جراء الألغام والعبوات الناسفة التي زرعها الحوثيون.

وفي عام 2023، بلغ عدد ضحايا الألغام في اليمن (قتلى وجرحى) نحو 499 شخصًا، ما يضع البلاد في المرتبة الخامسة عالميًا من حيث الضحايا، في مؤشر خطير على استمرار الكارثة الإنسانية.

أساليب التفخيخ

ويزرع الحوثيون الألغام بصورة عشوائية وبدائية، دون اتباع نمط ثابت يساعد فرق التعقب والبحث لاحقًا على نزعها، أو كشفها والتخلص منها.

كما توسع الحوثيون في تصنيع الألغام محليًا، وعبثوا بوسائل تفخيخها؛ فبالإضافة إلى زرع الألغام في الطرق والجبال، عمدوا إلى استخدام عناصر يومية كغطاء للألغام.

وأظهرت صور لمعدات نزع الألغام وجود ألغام ضد المركبات تم تحويلها لتستهدف الأفراد بوضع ألواح ضغط حساسة، علاوة على ذلك، توثق منظمات حقوقية وضع الحوثيين لألغام في المزارع والآبار والطرق الزراعية والحقلية ، حيث قتلت هذه الألغام 140 مدنيًا على الأقل (منهم 19 طفلًا) في محافظتي الحديدة وتعز منذ 2018.

ومن جهة أخرى، يعمل الحوثيون على تمويه الألغام باستخدام ألوان تتناسب مع البيئة المحيطة، ما يجعله أكثر فتكا بالضحايا، ويستغلون أيضاً أحجاراً وبقايا حطام كأغطية، بل ووضعوا ألغاماً داخل إطارات سيارات وحاويات مياه وألعاب أطفال بحسب مختصين يمنيين.

وكل ذلك يجعل الألغام رهناً للصدفة؛ فمن الصعب على المدنيين – فضلاً عن فرق الهندسة – التمييز بينها وبين الأشياء العادية، مما يؤدي إلى سقوط ضحايا مدنيين باستمرار.

آثار مدمرة

وأصبحت الألغام عبئًا قاتلًا على المدنيين، حيث ذكرت هيومن رايتس ووتش أن "الألغام التي زرعها الحوثيون وغيرهم في اليمن ما زالت تقتل وتسبب إصابات خطيرة للمدنيين في المناطق التي خفت فيها حدة القتال"، فمثلاً، في قرية «الشقب» بتعز، أصيب 28 شخصًا وقتل 6 آخرون خلال سنوات قليلة بعد رفع الحصار عام 2015، جميعهم من المدنيين.

وتسببت الألغام علاوة على القتلى والجرحى، بإعاقات دائمة وكدمات نفسية للكثيرين، وتضع تقديرات غير رسمية إجمالي الضحايا المدنيين من الألغام بين 6 آلاف و10 آلاف منذ 2015 حتى اليوم.

ويرى الناشط اليمني، عارف ناجي، ‎رئيس تكتل نشطاء عدن، أن أضرار الألغام لا تقتصر على الأفراد فحسب، بل تعيق أيًضا حصول الناس على احتياجاتهم الأساسية.

وأضاف "ناجي" في تصريحات لـ "النهار"، أن زرع الألغام في الأراضي الزراعية والأودية حال دون وصول المزارعين إلى محاصيلهم وعرقل حفر الآبار للري.

وتابع: "أدى التهديد المستمر من الألغام إلى نزوح آلاف العائلات؛ ففي مناطق عدة هجر السكان أراضيهم خوفًا من الألغام وانتقلت الزراعة إلى النصف، مما عمق الفقر"

وفي الجانب التعليمي، أوردت منظمة أنقذوا الأطفال أن أكثر من 60% من الطلاب الذين استهدفت مدارسهم خلال الحرب لم يعودوا إلى مقاعد الدراسة، نتيجة مخاوف الأهالي من الخطر المحيط بطرق المدارس.

تحديات الإزالة

تمتلك اليمن اتفاقية حظر الألغام منذ 1998، وكادت تعلن خالية من الألغام بحلول 2014 لولا الحرب، ومع سيطرة الحوثيين على السلطة في صنعاء، اضطرت الحكومة إلى طلب تأجيل الالتزام بإتلاف الألغام أربع مرات متتالية.

وفي تقرير قدمته اليمن في 2022 يؤكد أنها «لن تفي بالتزاماتها» ضمن الاتفاقية قبل عام 2028، بعد موافقة الدول الأعضاء على تمديد المهلة حتى مارس 2028.

وإلى اليوم تواجه جهود نزع الألغام عقبات جسيمة، أبرزها استمرار الحوثيين في رفض تسليم خرائط زرع الألغام للأمم المتحدة،إذ ذكرت الحكومة اليمنية أن الحوثيين "امتنعوا عن كشف خرائط نحو مليوني لغم مزروع في مختلف المناطق" ، ما يحجب معلومات حاسمة عن فرق التعقيم.

وكذلك تعاني برامج مسح وتطهير الألغام من عجز التمويل والخبرات، حيث يشير تقرير دولي إلى أن مساحات شاسعة لا تزال ملوثة، رغم الجهود المبذولة من جانب مشروع "مسام" السعودي.

وينتقد خبراء وقف الدعم الأممي لبرنامج الأمم المتحدة الخاص بالألغام منذ أكثر من عامين، مما يفاقم نقص المعدات والتأهيل اللازم للمتطوعين المحليين.

بالإضافة إلى ذلك، يعقد التلوث بالألغام عوامل طبيعية؛ فالأمطار الغزيرة والسيول يمكن أن تنقل الألغام المزروعة من أماكنها الأصلية إلى مناطق جديدة، مما يوسع دائرة الخطر على السكان، كما لا تزال المخلفات الحربية الأخرى (قنابل غير منفلقة، ذخائر عنقودية) قائمة في أكثر من 15 محافظة، تعود مسؤوليتها للأطراف جميعها.

وكل ما سبق يجعل ملف الألغام في اليمن عقبة كبرى أمام أي استقرار، ويزيد من هشاشة حياة المدنيين ويعرقل استعادة الحياة الطبيعية والتنمية في المناطق المتأثرة.