بعد دعمها موقف بوتين بشأن قضايا الجندر.. تقارب كويتي - روسي على أرضية القيم المحافظة

في خطوة لافتة تعكس عمق العلاقات المتنامية بين دولة الكويت وروسيا الاتحادية، أعلن الشيخ محمد فيصل الفليج، أحد أفراد الأسرة الحاكمة في الكويت، اليوم الأحد، دعم بلاده لموقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن قضايا الجندر.
ومثل هذا التصريح، الذي جاء من العاصمة الروسية موسكو، نقطة محورية تسلط الضوء على أبعاد جديدة للتقارب بين البلدين، تتجاوز المصالح السياسية والاقتصادية التقليدية لتلامس قيمًا اجتماعية وثقافية مشتركة.
ويأتي هذا الإعلان في سياق فترة تشهد تعزيزًا ملحوظًا للروابط الدبلوماسية والتجارية والثقافية بين الكويت وموسكو، مما يؤكد على استراتيجية كويتية لتنويع الشراكات الدولية وتعزيز مكانتها في عالم يتشكل فيه نظام متعدد الأقطاب، فما هي أبعاد هذا التقارب، وما المصالح المشتركة التي تدفعه؟
القيم أولًا
خلال زيارة رسمية إلى موسكو، نقلت وكالة الأنباء الروسية "تاس" عن الشيخ محمد فيصل الفليج قوله: "يسعدني أن أكون في روسيا، وأعجبني موقف الرئيس بوتين بأن الرجل يجب أن يبقى رجلاً والمرأة يجب أن تبقى امرأة. نحن في الكويت نؤيد هذا النهج، ونراه منسجماً مع ثقافتنا".
ومثل التصريح السابق، جوهر التوافق الأيديولوجي بين البلدين، فموقف الرئيس "بوتين" من قضايا الجندر ليس بجديد، فهو يؤكد باستمرار على الأدوار الجندرية التقليدية، ويربط النمو السكاني بالقوة العسكرية والتوسع الإقليمي.
وقد اتخذت روسيا خطوات تشريعية وسياسية لتعزيز هذه الرؤية، مثل تقديم حوافز مالية للإنجاب، وإعادة تقديم "ميدالية الأمومة" التي تعود إلى الحقبة الستالينية، وحظر "الدعاية الخالية من الأطفال"، كما فرضت قيوداً على الإجهاض، وزاد النقد العام ضد النساء اللاتي يؤجلن الأمومة لصالح التعليم أو المهن.
وفيما يتعلق بحقوق ما يمسمى (مجتمع الميم)، صنفت المحكمة العليا الروسية في عام 2023 "الحركة الدولية العامة للمثليين والمتحولين جنسياً" كمنظمة "متطرفة"، مما فتح الباب أمام الملاحقات القضائية وقيد بشدة قدرة منظمات الدعم على العمل.
كما فرض تشريع في يوليو 2023 حظراً شاملاً على إجراءات "تغيير الجنس"، وحظر على المتحولين جنسياً تبني الأطفال أو العمل كأوصياء قانونيين، وألغى الزيجات التي غير فيها أحد الشريكين علامته الجندرية.
وهذا التوافق الكويتي مع الموقف الروسي، وإن جاء من فرد من الأسرة الحاكمة وليس بياناً حكومياً رسمياً، يعكس شريحة محافظة ومؤثرة داخل المجتمع الكويتي، ويتماشى مع أطر قانونية كويتية قائمة تدعم الأعراف الجندرية التقليدية، حيث تجرم في الكويت، العلاقات المثلية كحال العديد من الدول العربية والإسلامية المحافظة على الطبيعة البشرية.
إرث ممتد منذ 1963
وتتمتع الكويت وروسيا بعلاقات دبلوماسية راسخة تعود إلى 11 مارس 1963، عندما أصبحت الكويت أول دولة خليجية تقيم علاقات مع الاتحاد السوفيتي آنذاك.
ونظرت الكويت إلى هذه العلاقة كـ "وثيقة تأمين" ضد الأطماع الإقليمية، بينما رأت فيها روسيا "جسرًا بين الخليج العربي والمحيط الهندي".
واستمرت هذه العلاقة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، حيث اعترفت الكويت رسمياً بالاتحاد الروسي كدولة خلف في 28 ديسمبر 1991، وهذا الإرث التاريخي يمثل أساساً قوياً للتعاون المتنامي بين البلدين.
شراكة متعددة الأبعاد
يمتد التعاون بين الكويت وروسيا عبر عدة قطاعات حيوية، مما يعكس عمق وتنوع العلاقة، ويمكن الإشارة إلى بعض أوجه هذا التعاون في الآتي:
- تحافظ الكويت وروسيا على حوار سياسي مستقر، حيث تدعم الكويت عادة مبادرات روسيا وترشيحاتها لمناصب في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، وتجري مشاورات سياسية وتبادلات وفود منتظمة على مستويات مختلفة، ومنها في 6 يوليو 2025، اتفق وزير الخارجية الكويتي عبدالله اليحيا ونظيره الروسي سيرجي لافروف على أهمية استكمال ترسيم الحدود البحرية مع العراق إلى ما بعد العلامة 162، خلال مؤتمر صحفي عقد في موسكو، حيث وصف الاجتماع بأنه "مثمر وبناء"، وتناول سبل تطوير العلاقات في مجالات الأمن الغذائي، والتعاون العسكري، والتعليمي، والثقافي.
- ويعد التعاون الاقتصادي والاستثماري حجر الزاوية في العلاقات الثنائية، ويشمل مجالات واسعة مثل التجارة، والطاقة، والعسكرية، والتقنية، والمجالات الإنسانية، حيث خصصت الهيئة العامة للاستثمار الكويتية (KIA)، وهي صندوق الثروة السيادي للكويت، مبلغ 500 مليون دولار للاستثمار في مشاريع روسية بالشراكة مع صندوق الاستثمار المباشر الروسي (RDIF) في عام 2012، ثم ضاعفت استثماراتها إلى مليار دولار في عام 2015، كما أعربت الكويت عن استعدادها لزيادة الاستثمار في مختلف الصناعات الروسية، بما في ذلك النفط والغاز، ومشاريع البنية التحتية (الطرق، والسكك الحديدية، والمطارات، والمراكز اللوجستية، ومحطات الطاقة)، ومرافق إنتاج ومعالجة النفط، وأيضًا تمت مناقشة إمكانية إلغاء نظام التأشيرات بين روسيا والكويت لتعزيز التكامل التجاري.
- ومن جهة أخرى، يعمل البلدان على تعزيز التفاهم المتبادل من خلال التبادل الثقافي والتعليمي، إذ تم الاحتفال بالذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية في مارس 2023، مع خطط لفعاليات تجارية وثقافية مشتركة، كما تم التخطيط لأسبوع ثقافي كويتي في موسكو في الفترة من 17 إلى 27 سبتمبر، يضم الفنون الشعبية الكويتية والتراث ومعارض الفن التشكيلي ومحاضرات حول العلاقات الكويتية الروسية، ويشارك الشباب الكويتي في برامج تعليم عالٍ في روسيا بمنح دراسية من الميزانية الفيدرالية.
- وفي الجانب العسكري، كانت الكويت أول دولة خليجية عربية توقع اتفاقية عسكرية مع روسيا في عام 1993، تلاها تدريبات بحرية مشتركة واتفاقيات لشراء معدات عسكرية مثل مركبات المشاة القتالية BMP-3 وصواريخ S-300V أرض-جو، وشملت المباحثات الأخيرة بين وزيري الخارجية أيضاً التعاون العسكري.
وفي ضوء ما سبق، يتضح أن العلاقات الكويتية – الروسية لم تعد محصورة في الملفات السياسية أو الاقتصادية، بل بدأت تلامس مرتكزات ثقافية واجتماعية عميقة تعكس تقاطعًا في القيم والتوجهات.
ويرى المراقبون أن هذا التقارب، المدفوع بالمصالح المشتركة والرؤية المحافظة للعالم، يشكل حجر زاوية في إعادة رسم خريطة التحالفات الإقليمية، حيث تسعى الكويت إلى تنويع علاقاتها الخارجية، فيما تعزز روسيا حضورها الجيوسياسي في الخليج، في لحظة دولية تتسم بتعدد الأقطاب وتغير موازين التأثير.