النهار
جريدة النهار المصرية

المحافظات

“التراث مقاومة” ندوة فكرية وعرض مسرحي في ثاني أيام مهرجان الأراجوز المصري ببيت السناري

هالة ياقوت -

في أجواء احتفالية نابضة بالتراث والوعي، شهد بيت السناري التابع لمكتبة الإسكندرية مساء اليوم فعاليات اليوم الثاني من الدورة الرابعة لمهرجان الأراجوز المصري، والذي جاء هذا العام تحت عنوان محوري اقتصاديات التراث و"التراث مقاومة”، في تأكيد على أن الفنون الشعبية ليست مجرد وسيلة تسلية، بل أداة عميقة في التعبير عن القضايا الوطنية ومواجهة الظلم والاستعمار.

وجاءت ندوة اليوم الفكرية تحت العنوان نفسه “التراث مقاومة”، وشارك فيها نخبة من المتخصصين، حيث قدّم الدكتور محمد شبانة، أستاذ الموسيقى الشعبية بأكاديمية الفنون، ورقة بحثية متميزة تناول فيها دور الأغنية والموسيقى الشعبية في لحظات الصراع والمقاومة. وأوضح شبانة أن الموسيقى المصرية، وخاصة الشعبية منها، لم تكن يومًا بمعزل عن نضالات الشعب، بل رافقته في محنه وانتصاراته، بدءًا من العدوان الثلاثي مرورًا بنكسة 67 ووصولًا إلى نصر أكتوبر. واستعرض خلال مداخلته أدوار فرق غنائية مثل “أولاد الأرض” و”شباب النصر”، وأغانٍ خالدة حفرت حضورها في الوجدان الجمعي، مثل “يابيوت السويس”، و”خلي السلاح صاحي”، و”بسم الله الله أكبر”، مؤكدًا أن الغناء كان بمثابة سلاح معنوي حقيقي في معركة الكرامة الوطنية.

كما شارك في الندوة الدكتور محمد شحاتة العمدة، الباحث المتخصص في الأدب الشعبي، بالحضور والتعقيب، حيث تناول في مداخلته دور السير الشعبية في تعزيز روح المقاومة لدى الجماعة الشعبية. وأوضح أن المجتمعات، في أزمنة الظلم والاستعمار، كانت تلجأ إلى خلق أبطال رمزيين تنتصر بهم على واقعها القاسي، مثل الأميرة ذات الهمة التي حاربت الروم ودخلت القسطنطينية، والظاهر بيبرس الذي هزم المغول في عين جالوت، وعلي الزيبق الذي واجه بطش المقدم الكلبي بالحيلة والذكاء. وأكد العمدة أن هذه السير، بما تحمله من قيم بطولية وأخلاقية، كانت بمثابة مخزون رمزي يحفّز الإرادة الجماعية على المقاومة.

وعقب الندوة، قدمت فرقة ومضة العرض المسرحي الفرجوي “الديك الهادر الغادر”، تأليف الكاتب الفلسطيني غنام غنام إخراج نبيل بهجت بطولة علي أبو زيد سليمان في دور الحكواتي والفنان مصطفى الصباغ في دور الديك والجدير بالذكر أنه هو من قام بتصميم وتنفيذ عروسة الديك والفنان محمود في دور أبو محمد وأم أحمد مناظر نور ترفاوي وهو عمل موجّه للأطفال يستند إلى حكاية شعبية ساخرة، تروي قصة ديك مخادع يستغل طيبة أهل قرية “بيت الطين” ويسيطر عليهم بالحيلة والكذب والتشويه، في إسقاط ذكي على صورة المستعمر. ورغم مظهره الضعيف وصوته الأجش وعجزه عن نطق حرف “الحاء”، يتمكن هذا الديك من تفتيت وحدة القرية وسرقة خيراتها ، حتى يتدخل الراوي والأطفال لفضح حقيقته وفضح مكره وكذبه . وتغرس المسرحية في الأطفال وعيًا مبكرًا بخطورة السكوت عن الظلم، وتشجعهم على قول الحقيقة والمقاومة والدفاع عن الحق والانحياز للعدل واتخاذ موقف جماعي دفاعًا عن أنفسهم ومجتمعهم.

واختُتمت الأمسية بعدد من عروض الأراجوز التقليدية، التي أضفت بهجة خاصة على الأجواء وجذبت جمهورًا متنوعًا من الأطفال والكبار. وقد شهدت العروض تفاعلًا كبيرًا من الحضور، في دلالة على استمرارية هذا الفن العريق وقدرته على التواصل مع الاجيال وتأكيد رسالتها بأن التراث الشعبي ليس فقط ماضيًا يُروى، بل هو طاقة مقاومة متجددة تسكن وجدان الشعب، وتُعبّر عنه في مواجهة القهر، بالسخرية حينًا وبالغناء حينًا، وبالحكاية دائمًا.