تصريح أمريكي غامض يعيد اليمن إلى دائرة الاستهداف

في تطور لافت يعيد رسم خطوط المواجهة في الشرق الأوسط، أثار تصريح سفير الولايات المتحدة لدى الكيان الصهيوني، مايك هاكابي، عاصفة من التساؤلات حول احتمال توجه واشنطن نحو عمل عسكري جديد في اليمن.
التصريح، الذي جاء بصيغة غير رسمية لكن محملة بالدلالات، قال فيه السفير: "ربما تحتاج قاذفات B2 إلى زيارة اليمن"، وذلك عقب إطلاق الحوثيين لصاروخ باتجاه إسرائيل، في تصعيد جديد للتوترات الإقليمية.
ورغم محاولة هاكابي التقليل من وقع تصريحه بالتأكيد على أنه لا يحدد سياسات الإدارة الأمريكية بل ينفذ ما يقرره الرئيس، إلا أن المراقبين اعتبروا كلماته رسالة ضمنية تعكس توجهًا متشددًا داخل دوائر صنع القرار في واشنطن، خاصة في ظل تولي إدارة ترامب الثانية مقاليد الأمور بسياسات أقل تحفظًا تجاه التدخلات الخارجية.
رسائل نارية
ليس خافيًا أن توقيت تصريح السفير الأمريكي لم يكن عابرًا؛ فقد جاء بعد ساعات من الهجوم الحوثي الأخير الذي طال الأراضي المحتلة، في ظل وقف إطلاق نار هش أبرم بين واشنطن والحوثيين في مايو الماضي.
واللافت أن هاكابي أشار إلى قاذفات B2 تحديدًا، وهي ذاتها التي شاركت مؤخرًا في ضربات أمريكية على منشآت إيرانية، في دعم ضمني لهجوم جيش الكيان الغاصب على البرنامج النووي الإيراني.
والمفارقة أن الولايات المتحدة، بينما تصر على دعم أمن إسرائيل، دخلت في هدنة منفصلة مع الحوثيين لا تشمل سوى تحييد الهجمات على السفن الأمريكية، وهو ما يفتح الباب بدوره أمام أزمة ثقة متصاعدة داخل التحالف الأمريكي الإسرائيلي.
وبدا "هاكابي" عبر تصريحه اللافت، وكأنه يسعى لطمأنة تل أبيب بأن واشنطن لا تزال تملك العصا الغليظة، وأن وقف إطلاق النار لا يعني تخليًا عن الردع الاستراتيجي.
هدنة هشة وساحة مفتوحة
أوقف اتفاق 6 مايو العمليات الأمريكية العسكرية في اليمن، بعد سلسلة من الضربات الكثيفة التي نفذتها واشنطن ضمن عمليتي "رايدر الخشن" و"بوسيدون آرتشر"، واللتين استهدفتا مئات المواقع التابعة للحوثيين، بما في ذلك أنظمة صواريخ وطائرات مسيرة ومراكز قيادة.
لكن الاتفاق، الذي رعته عمان بدعم إيراني ضمني، ترك إسرائيل خارج حساباته، وهو الأمر الذي أثار تساؤلات حول فعاليته ودوامه.
ورغم ذلك، لم يتوقف الحوثيون عن استهداف إسرائيل، وهو ما يجعل من احتمال تجدد الضربات الأمريكية خيارًا مطروحًا على الطاولة، لا سيما إذا اعتبر هذا الاستهداف تهديدًا للاستقرار الإقليمي أو لمكانة واشنطن لدى حلفائها.
عوامل تؤجج احتمالات الحرب
ويرى محللون أن العودة الأمريكية إلى اليمن قد تتحقق إذا تحققت واحدة أو أكثر من الشروط التالية:
- هجوم مباشر على قوات أو سفن أمريكية، وهو ما أكدت إدارة ترامب أنها لن تتسامح معه.
- تصعيد نوعي ضد الملاحة الدولية،خصوصًا إذا استهدف حلفاء واشنطن أو أدى لشلل في حركة التجارة عبر البحر الأحمر.
- تصعيد ضد إسرائيل، حيث إن أي هجوم واسع النطاق من الحوثيين على الداخل الإسرائيلي قد يُفسّر كاختبار حقيقي لالتزام الولايات المتحدة بأمن حليفها الرئيسي في المنطقة.
عقوبات وأدوات ردع لم تنجح بعد
ومنذ إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية في مارس الماضي، فرضت واشنطن حزمًا من العقوبات شملت كيانات نفطية ومالية وأفرادًا فاعلين في شبكات التهريب والتمويل.
ومع ذلك، أثبت الحوثيون قدرة لافتة على الصمود وإعادة التموضع، وهو ما عزز فرضية لجوء واشنطن إلى خيارات أكثر حدة في حال ثبت أن نهج "العقوبات والردع المحدود" لم يحقق أهدافه.
ويقى أن تصريحات السفير هاكابي، وإن لم تكن إعلانًا رسميًا لسياسة جديدة، فإنها تمثل إشارة تحذيرية قوية، تعكس حالة من التململ داخل أروقة القرار الأمريكي من استمرار الهجمات الحوثية، خاصة تجاه إسرائيل.
وبينما توازن واشنطن بين التزاماتها الإقليمية وسعيها لتجنب الانزلاق في حرب جديدة، يبقى اليمن ساحة مفتوحة لكل السيناريوهات، من التصعيد المحدود إلى الانفجار الإقليمي الأوسع.، خاصة وأن تجدد الضربات الأمريكية محتمل للغاية إذا استأنف الحوثيون هجماتهم على السفن أو الأفراد الأمريكيين، أو صعدوا بشكل كبير هجماتهم على الملاحة الدولية، أو كثفوا استهدافهم لإسرائيل.