خبراء: ”واشنطن” تقامر بأمن الشرق الأوسط.. وإيران أمام خيرات انتقامية كارثية

أجمعت تحليلات خبراء في الشأن الإيراني والأمن الإقليمي، وعدد من مراكز الفكر والدراسات المصرية على توصيف الضربة الأمريكية المفاجئة على منشآت نووية إيرانية في 22 يونيو الجاري بأنها "مقامرة" قد تشعل فتيل صراع إقليمي شامل يصعب احتواؤه، وسط خيارات إيرانية محدودة لكنها محفوفة بالعواقب الكارثية.
ويرى الخبراء أن هذا العدوان، رغم ما حققه من مكاسب تكتيكية مؤقتة، ينذر بفشل استراتيجي بعيد المدى، في ظل تحولات مرتقبة في موازين القوى الإقليمية، وازدياد احتمالات استهداف المصالح الحيوية للولايات المتحدة في المنطقة.
وعبرت مراكز الدراسات عن قلق عميق من مخاطر التصعيد الإقليمي، حيث حذر "مركز الأهرام للدراسات" من أن قرار ترامب بشن الهجوم العسكري على منشآت إيران النووية "مخاطرة كبيرة" من شأنها أن تترك الأمن الإقليمي والأمريكي معتمداً على نتيجة "مقامرة متهورة" قد تجر الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط وتخلق كارثة أخرى في السياسة الخارجية تطارد الأمريكيين لعقود.
فيما رأى مركز رع للدراسات الاستراتيجية أن الإعلان الأمريكي عن "هجوم ناجح جدًا" لاستهداف ثلاثة مواقع نووية إيرانية (فوردو ونطنز وأصفهان) يمثل تصعيدًا خطيرًا بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية، خصوصًا مع تأكيد الرئيس ترامب تدمير المنشآت بالكامل وتهديده بضربات أشد إذا لم تسع طهران إلى السلام أو ردت؛ ويأتي ذلك في ظل وجود 40–50 ألف جندي أمريكي منتشرين في 19 قاعدة بالمنطقة.
خطوة استباقية محفوفة بالمخاطر
قيم مركز الأهرام للدراسات الهجوم الأمريكي على إيران كخطوة استباقية محفوفة بالمخاطر، رغم دقتها العسكرية.
وفي مقاله التحليلي تحت عنوان "ماذا بعد الهجوم العسكري الأمريكي على إيران؟" قال د. أحمد قنديل، رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة بالمركز، إن استهداف المنشآت النووية (فوردو، نطنز، أصفهان) بالقنابل الخارقة للتحصين وصواريخ "توماهوك" قد يعطل البرنامج النووي مؤقتاً، لكنه يشعل فتيل حرب إقليمية أوسع.
وأوضح "قنديل" أن التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز، أو شن هجمات بالوكلاء عبر مليشيات العراق واليمن، قد تعطل 30% من إمدادات النفط العالمية وتكبد الاقتصاد العالمي خسائر فادحة. ا
ويتوقع المركز أن تتبع طهران سياسة هجينة تجنباً لمواجهة أمريكية شاملة، منها قيادة انتقام ذكي، من خلال شن هجمات غير مباشرة عبر الوكلاء ضد القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، أو استهداف ناقلات النفط، مع حشد المشاعر القومية داخلياً، وأيضًا تسريع التسلح النووي، عبر الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي وطرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، محاكاة للنموذج الكوري الشمالي الذي حول السلاح النووي لضمانة بقاء النظام.
وأكد تحليل المركز أن الهجوم الأمريكي – رغم دماره – يعزز اقتناع إيران بأن الردع النووي هو ضمانتها الوحيدة، مما يدفعها لتطوير برنامجها سراً في منشآت تحت الأرض.
انتصار تكتيكي وفشل استراتيجي
فيما رأى مركز رع للدراسات الاستراتيجية أن الضربة الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية (فوردو، نطنز، أصفهان) عمل عسكري دقيق تقنياً، لكنه يفاقم المخاطر الإقليمية.
وفي تحليلها، رأت الدكتورة سهرة القاسم الخبيرة في شئون الأمن الإقليمي، أنه على الرغم من تدمير أهداف محددة، فإن تحذيرات ترامب اللاحقة بضربات "أقسى" تدفع المنطقة نحو حرب شاملة.
وأشارت إلى أن تفوق القوات الأمريكية (50 ألف جندي في 19 قاعدة إقليمية) لا يحل المعضلة الجوهرية، فالهجوم يمكن إيران من توظيف "ورقة الضحية" لتعبئة حلفائها، ويشعل موجة انتقامية قد تغلق مضيق هرمز أو تهدد إمدادات النفط العالمية.
وأوضحت أن إيران تقف أمام أربعة خيارات انتقامية، جميعها تنطوي على مخاطر وجودية كبرى، تبدأ بالرد المباشر على القواعد الأمريكية بما قد يفجر مواجهة شاملة لا تملك إيران أدوات كافية لها، وتمر بمحاولة إغلاق مضيق هرمز التي ستجلب ردودًا دولية غاضبة وعقوبات خانقة، أو الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي ما يفتح الباب لضربات أممية، وتصل إلى قصف إسرائيل بمواقع حساسة مثل مفاعل ديمونة، وهو خيار عسير بسبب تفوق الدفاعات الإسرائيلية.
وخلص المركز إلى أنه لا خيار "آمن" لطهران، لكن الأرجح هو تبني نهج "الصمود والمقاومة" حتى لو اتخذ شكل حرب استنزاف طويلة، لأن انهيار إيران سيترك فراغًا أمنياً قد تستغله إسرائيل لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما يخدم مصالحها.
الهجوم الأمريكي يدفع إيران نحو الخيار النووي
بدوره، رأى الدكتور محمد محسن أبو النور، رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، في تصريحاته لوكالة الأنباء الصينية "شينخوا"، أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانضمام إلى إسرائيل في الهجوم على إيران يمثل "انحرافًا غير مسؤول عن السياسات الدبلوماسية"، ويزيد من دافع إيران نحو امتلاك السلاح النووي، باعتباره الخيار الوحيد المتاح للردع.
وأضاف أن هذا الهجوم، وإن عطل البرنامج النووي مؤقتًا، إلا أنه سيدفع طهران إلى الاقتناع بأن واشنطن ترفض الحلول السياسية وتسعى لإخضاعها بالقوة، ما يجعل التصعيد الخيار الأكثر واقعية من وجهة النظر الإيرانية.
ورجح "أبو النور" أن تتجه إيران إلى خيار المواجهة المباشرة والانتقام، عبر استهداف الأصول العسكرية الأمريكية المنتشرة في الخليج، والتي وصفها بأنها "على مرمى حجر من القوات البحرية الإيرانية".
موسكو وبكين: استقرار الشرق الأوسط أولوية
وفي تقييمها للعدوان الإسرائيلي المستمر على إيران والدور الأمريكي، كانت وحدة الدراسات في "القاهرة الإخبارية" قد أشارت في تحليل بعنوان " حدود الدور الروسي الصيني في الحرب الإسرائيلية الإيرانية" إلى أن روسيا والصين تتوجسان من تصاعد الدور الأمريكي في الصراع بين إسرائيل وإيران، خاصة في ظل مؤشرات على دعم مباشر من واشنطن لزعزعة النظام الإيراني.
ورأت الوحدة أن موسكو، بعد خسارات استراتيجية في سوريا، تخشى من تراجع إضافي لنفوذها في الشرق الأوسط، وتحاول التمسك بدورها في الملف النووي الإيراني كأداة لاستعادة بعض الحضور، لا سيما من خلال استعدادها للعب أدوار دبلوماسية تشمل التخلص من اليورانيوم عالي التخصيب.
أما بكين، فرغم حرصها على الاستقرار، فإن انكشافها الاقتصادي على تقلبات الطاقة يدفعها لتبني موقف حذر، يعكس قلقًا بالغًا من أي اضطرابات قد تؤثر على وارداتها النفطية من الخليج.
وقال ضياء نوح، الباحث بالوحدة، إن كلاً من موسكو وبكين تفتقران إلى أدوات ضغط فاعلة لردع التصعيد، لكنهما تسعيان إلى دفع الولايات المتحدة لتفادي الانخراط المباشر في الصراع، مع التأكيد على أهمية العودة إلى طاولة المفاوضات النووية كسبيل لتجنيب المنطقة كارثة إقليمية.