النهار
جريدة النهار المصرية

فن

سعاد حسني... السندريلا التي غنّت للحياة فخلّدها التاريخ

سعاد حسني
بسمة رمضان -

بمجرّد أن يُذكر اسمها، تلمع في الذاكرة صورة فتاة مرحة، عيونها تضحك قبل شفتيها، تهرب من الحزن بأغنية، وتخطف القلوب بحضور لا يُشبه أحدًا إنها سعاد حسني، "سندريلا الشاشة العربية"، التي لم تكن مجرّد نجمة سينما، بل روحًا تنبض بالحياة، مرآة لجيلٍ بأكمله، وتجربة فنية وإنسانية خالدة.

نشأة من رحم البساطة

وُلدت سعاد حسني في 26 يناير 1943 في حي بولاق بالقاهرة، لأسرة متواضعة مكونة من 17 أخًا وأختًا من أمّهات مختلفات. كان والدها "محمد حسني البابا" خطاطًا شهيرًا، وارتبطت عائلتها بالفن والموسيقى، فكانت بيئتها خصبة لزرع الموهبة.

لم تتلقّ سعاد تعليمًا نظاميًا طويلًا، لكنها كانت ذكية بالفطرة، عاشقة للغناء والتمثيل منذ طفولتها، وانطلقت إلى الفن عبر الإذاعة في برنامج الأطفال مع "بابا شارو"، حيث قدمت أغنية "أنا سعاد أخت القمر" التي ما زال صداها يُذكر.

موهبة فطرية صنعت نجمة

خطت سعاد أولى خطواتها السينمائية في سن السادسة عشرة بفيلم حسن ونعيمة عام 1959، حيث أسرت الجمهور بعفويتها وصدقها ومن هنا بدأت رحلة لم تُشبه سواها لم تكن مجرد "جميلة الشاشة"، بل ممثلة تمتلك قدرة نادرة على تجسيد التعقيد الإنساني دون افتعال: كانت تضحك من القلب، تبكي بصدق، وتُعبّر بعينيها عمّا تعجز عنه الحوارات.

قدّمت خلال مشوارها أكثر من 80 فيلمًا، من أبرزها:

خلي بالك من زوزو (1972): الذي استمر عرضه لأكثر من عام، وجعلها نجمة شعبية من طراز خاص.

الكرنك (1975): حيث قدّمت نموذجًا للفتاة المثقفة المسحوقة في زمن القمع.

الزوجة الثانية، القاهرة 30، شفيقة ومتولي، غروب وشروق، أين عقلي، وغيرها من العلامات الفنية التي أكّدت نضجها وتفردها.

صوت المرأة... وصورة الأمل

ما ميّز سعاد حسني هو أنها لم تُجسّد المرأة فقط، بل عبّرت عنها. كانت نموذجًا للبنت المصرية البسيطة، المتمردة، الحالمة، والمقهورة. فتحت الباب أمام تمثيل حقيقي للمرأة على الشاشة، خارج الصور النمطية.

وبعيدًا عن التراجيديا، امتلكت سعاد حسني خفة ظل نادرة. غنّت ورقصت ببساطة وعذوبة جعلت من أغنياتها جزءًا من الذاكرة الجماعية، مثل:

"يا واد يا تقيل"

"بمبي بمبي"

"الدنيا ربيع"

رغم أنها لم تكن مطربة محترفة، إلا أن حضورها الغنائي كان طاغيًا، وصوتها الصادق كان يكفي ليصل إلى القلوب.

مدرسة فنية خالدة

لم تكن سعاد حسني مجرد ممثلة تؤدي أدوارًا، بل كانت مدرسة في الأداء الطبيعي الصادق، دون تصنّع أو مبالغة. كانت تحفظ النص بحب، وتدخل الشخصية بروحها، فتبكي حينًا، وتضحك حينًا، وتترك أثرًا لا يُنسى دائمًا.

أشاد بها كبار المخرجين مثل صلاح أبو سيف، حسين كمال، علي بدرخان، وكمال الشيخ، الذين وجدوا فيها خامة نادرة، تجمع بين النجومية والموهبة، الجاذبية والصدق.

من الشاشة إلى القلوب

كانت سعاد قريبة من الناس لأنها لم تدّعِ البطولة، بل عاشت تفاصيلهم. تشبهنا في أحلامها، في انكساراتها، في لحظات قوتها وضعفها. ولهذا السبب، لم تكن فقط "نجمة"، بل كانت جزءًا من وجدان الشعوب العربية.

حتى اليوم، لا تزال أفلامها تعرض على الشاشات، وجملها تتردّد في الذاكرة، وصورتها تُطبع على التيشيرتات، وصفحات مواقع التواصل.

سعاد حسني.. أسطورة لا تغيب

تمر الأيام والسنين، وتظل ذكرى السندريلا سعاد حسني محفورة في وجدان الملايين، فهي أكثر من مجرد فنانة، كانت روحاً ملهمة وقلباً نابضاً بالفن والحياة. رحيلها ترك فراغاً كبيراً، لكن إرثها الفني العظيم لا يزال يشع بنور يضيء دروب الأجيال القادمة. سعاد حسني ليست مجرد ذكرى، بل هي قصة نجاح وأمل وشغف لا يموت، وستظل دائماً في قلوب محبيها رمزاً للجمال والإبداع الذي لا يزول.