النهار
جريدة النهار المصرية

اقتصاد

البحث عن الاكتفاء الذاتي في زمن التوترات الأقليمية

شرين عبدالسيد -


في ظل تصاعد حدة التوترات الإقليمية واندلاع المواجهات بين إيران وإسرائيل، والتي تلقي بظلالها الثقيلة على أسواق الغذاء العالمية، تتحرك الدولة المصرية بخطى متسارعة لتأمين احتياجاتها من السلع الاستراتيجية، حفاظًا على الأمن القومي الغذائي والاقتصادي.
وفي وقت تتزايد فيه المخاوف من اضطراب تدفق المواد الأساسية كالقمح والزيوت والوقود، تتحرك الدولة على عدة محاور لضمان الاستقرار المحلي، وتعزيز الإنتاج الوطني، بما يحصن الاقتصاد المصري من تقلبات الأسواق العالمية وتداعيات الصراع
وفي هذا الشأن أكد الخبير الاقتصادي رشاد عبده أن تصاعد الصراعات في المنطقة من شأنه أن يُفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية، مشيرًا إلى أن المواد الغذائية والسلع الأساسية ستكون الأكثر تأثرًا بتداعيات هذه التوترات، إلى جانب ارتفاعات متوقعة في أسعار النفط والذهب نتيجة تصاعد حالة عدم الاستقرار.
وأوضح في تصريحات خاصة " للنهار" ، أن مثل هذه الظروف تنعكس بشكل مباشر على معدلات التضخم العالمي، مما يزيد من الضغوط على الاقتصاديات المختلفة، خاصة في الدول المستوردة للسلع الاستراتيجية.
وأضاف أن على المواطن المصري أن يدرك حجم وخطورة المرحلة الراهنة، داعيا إلى ضرورة اتخاذ خطوات استباقية من جانب الحكومة، عبر رفع معدلات الإنتاج المحلي في كافة القطاعات خلال الفترة المقبلة، باعتبار أن الاعتماد على الاستيراد في ظل الأزمات الدولية يضع الاقتصاد تحت رحمة قرارات الدول المصدرة.
وشدد على أن المرحلة الحالية تتطلب تعزيز الإنتاج الوطني باعتباره السبيل الأمثل لمواجهة التحديات الاقتصادية القادمة، وضمان استقرار الأسواق وحماية الأمن الغذائي.
وفي هذا السياق، أكد الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، أن الوزارة اتخذت حزمة من الإجراءات الاستباقية لتأمين احتياجات السوق المحلي من السلع الأساسية، في إطار خطة متكاملة بالتعاون مع الجهات المعنية، تهدف إلى دعم استقرار الأسواق وضمان توافر السلع بكميات وأسعار مناسبة .
وأوضح فاروق أن مدد الكفاية الاستراتيجية لمعظم السلع الأساسية تتجاوز حاجز الستة أشهر، وهو ما يعكس قدرة الدولة على التعامل بمرونة مع المتغيرات الدولية والإقليمية دون التأثير على توافر السلع أو استقرار الأسعار .
وأشار إلى أن الوزارة كثفت أعمال الرقابة الميدانية على الأسواق ومنافذ التوزيع، لمواجهة الممارسات المخالفة مثل الاحتكار أو التلاعب بالأسعار، لافتًا إلى أن المديريات التموينية تلقت توجيهات برفع وتيرة الحملات الرقابية .
كما كشف عن تنسيق مستمر مع الشركة القابضة للصناعات الغذائية، ومنافذ المجمعات الاستهلاكية، و"بقالي التموين"، لضمان استمرار ضخ السلع يوميًا وبكميات مناسبة تغطي احتياجات المواطنين في جميع المحافظات، مع الحفاظ على جودة المنتجات .
وأكد أن الوزارة تعمل وفق خطط مرنة ومحدثة باستمرار تُمكنها من الاستجابة لأي طارئ بكفاءة عالية، مطمئنًا المواطنين إلى وفرة المخزون الاستراتيجي، ومحذرًا في الوقت ذاته من الانسياق وراء الشائعات التي قد تثير القلق حول استقرار السوق .
وفي نفس اتجاه الاكتفاء الذاتي تعمل الدولة مؤخرا على تسريع خطواتها في استصلاح مزيد من المساحات الصحراوية عبر جهاز مستقبل مصر الذي يستهدف زيادة المساحة المحصولية في مصر إلى 17 مليون فدان لزيادة نسبة الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الرئيسية، في ظل الزيادة السكانية والتوترات الأقليمية التي قد تؤثر على سلاسل إمداد السلع الغذائية في وقت تبلغ فيه فاتورة استيراد الغذاء في مصر قرابة الـ 20 مليار دولار سنويا.
ومن جانبة قال الدكتور إسماعيل عبد الجليل رئيس مركز البحوث الصحراء الأسبق ، أن مشروعات استصلاح الأراضي الزراعية التي تعمل عليها الدولة في الوقت الحالي ومنها مشروعتا جهاز مستقبل مصر تمثل خطوات واعدة ضمن جهود الدولة للتوسع في الرقعة الزراعية، إلا أنه من غير المتوقع أن تحقق هذه المشروعات الاكتفاء الذاتي في سنوات قليلة، نظرا للزيادة السكانية الكبيرة التي تتجاوز 2 مليون نسمة سنويًا، مما يضغط على الموارد الزراعية والغذائية المتاحة، ويخلق تحديا أمام الإنتاج المحلي ومواكبة هذه الزيادة
وأضاف في تصريحات " للنهار" أن استمرار الزيادة السكانية يقلل من عدد السنوات التي يمكن خلالها تحقيق الاكتفاء الذاتي، ما يستدعي ضرورة التوسع ليس فقط في المساحات المزروعة، بل أيضًا في رفع إنتاجية الفدان وتحسين كفاءة الزراعة، من خلال زيادة الإنفاق على البحث العلمي.
وأكد الدكتور عبد الجليل أن المشروع الوطني الأول خلال المرحلة القادمة يجب أن يكون التحسين الوراثي، وذلك عبر إنتاج أصناف جديدة من القمح تتحمل الملوحة ، مشيرًا إلى أن الدولة تسير بخطى ثابتة نحو استكمال هذا المسار الحيوي.
وفيما يتعلق بضمان استدامة مياه الري، خاصة في المشروعات الزراعية الصحراوية، أوضح أن وزارة الزراعة تتبنى استراتيجية شاملة تعتمد على معالجة وإعادة استخدام المياه، وتنويع مصادرها، وترشيد طرق الري، واستخدام تقنيات حديثة لترشيد استهلاك الطاقة وتحلية المياه، بما يضمن استمرار التوسع الزراعي بشكل آمن ومستدام