النهار
جريدة النهار المصرية

عربي ودولي

اليمن يشهد أسوأ أزمة تعليمية في تاريخه… وإضراب المعلمين يجمد العملية الدراسية

إضراب المعلمين في اليمن
علي عبدالجواد -

يوصف تدهور التعليم في اليمن بأنه أحد أسوأ بؤر الأزمات التعليمية في العالم، حيث تشير تقارير اليونيسف ومنظمات دولية إلى أن ملايين الأطفال محرومون من التعليم؛ فبحسب منظمة "أنقذوا الأطفال"، هناك اليوم أكثر من 4.5 ملايين طفل يمني في سن الدراسة خارج المدارس (حوالي 39% من إجمالي الفئة العمرية)، ويحتاج نحو 4.7 مليون طفل إلى مساعدات تعليمية طارئة نتيجة الحرب.

وتكاد أغلبية المدارس في البلاد تواجه شللًا جزئيًا أو كاملًا بسبب النزاع، فالقوات المتصارعة قصفت العديد منها، كما استخدم بعضها كمعسكرات أو مراكز لإيواء النازحين.

ووفقًا لإحصاء مركز صنعاء للدراسات الصادر العام الماضي، فإن نحو 2900 مدرسة تضررت أو دمرت بالكامل جراء العمليات العسكرية حتى عام 2022.

ومما أسهم بشكل كبير في تدني العملية التعليمية، ذلك الإضراب الذي يقوم به المعلمون منذ ديسمبر الماضي، وهو ما أدخل قطاع التعليم مرحلة شلل شبه تام.

وقد أفرزت الأزمة التعليمة تسرب ملايين التلاميد، وفي محافظة تعز وحدها يقدر أمين المسني، أمين عام اتحاد المعلمين بأن أكثر من 500 ألف طالب وطالبة في نحو 800 مدرسة تركوا مقاعدهم بسبب الإضراب التعليمي المستمر.

وتضاعفت عوامل تدهور التعليم نتيجة لانعدام الموارد التعليمية والخدمات الأساسية؛ فلم تعد المدارس في كثير من المناطق تملك أبسط مقومات التدريس؛ فالكثير منها بلا أثاث مدرسي أو مرافق صحية لائقة، كما يعاني الطلبة والمدرسون من نقص مستديم في الكتب الدراسية.

إضراب المعلمون

منذ ديسمبر 2024، دخل قطاع التعليم اليمني في أزمة غير مسبوقة مع إعلان نقابة المعلمين الجنوبيين بدء إضراب شامل في مدارس العاصمة عدن ومحافظات جنوبية عدة، وذلك احتجاجاً على توقف صرف رواتبهم لشهرين متتاليين، وسرعان ما وصل هذا الإضراب محافظة تعز ذات الكثافة السكانية العالية والمناطق المحيطة بها؛ ليدخل المعلمون في إضراب مفتوح لأكثر من خمسة أشهر.

ونتيجة لإضراب المعلمين، توقفت آلاف المدارس عن استقبال الطلاب، ووجد مئات الآلاف من أبناء الأسر اليمنية أنفسهم خارج الفصول الدراسية دون أي بديل تعليمي، حيث أكد أمين المسني، رئيس الاتحاد التربوي للمعلمين بمحافظة تعز، أن الإضراب تسبب في شلل تام لمدارس المحافظة بحرمانه قرابة نصف مليون طالب في 800 مدرسة من حقهم في التعليم، فيما تحولت الفصول الدراسية إلى أبنية خاوية والأرصفة إلى ملاذ للتلاميذ.

وفي بيان رسمي قالت نقابة المعلمين بعدن إن المعلمين "يعيشون ظروفًا معيشية صعبة لأن مرتباتهم لم تصرف لشهرين متتاليين" ، مضيفة أن الإضراب ليس خيارًا بل "إجراء اضطراري" لضمان بقاء المدارس قائمة.

فيما أوضح اتحاد المعلمين في تعز أن شروطه "واضحة وبسيطة"؛ ووصفها بأنها ليست مطالب غير قانونية، بل "زيادة في الأجور بما يتناسب مع الظروف الاقتصادية الحالية، واعتبر رئيس الاتحاد أن احتدام الإضراب هو "أطول إضراب في العالم هذا العام" وشمل محافظات تعز وعدن ولحج وأبين وشبوة وغيرها.

ويرجع المعلمون سبب إضرابهم إلى الانهيار الكارثي لقيمة رواتبهم جراء تدهور العملة المحلية، حيث لم تعد تلك الرواتب تكفي لسد الحد الأدنى من متطلبات الحياة، وقد كان لافتًا تلك التصريحات التي أدلت بها معلمات من تعز أكدت فيها أن راتب المعلم لايغطي حتى الأساسيات؛ فبعد تسديد الإيجار والفواتير لا يتبقى ما ينفق على الطعام.

وتراجعت قيمة رواتب المعلمين في اليمن بنحو 900 % مقارنة بمستوياتها قبل عام 2015، نتيجة الانهيار التاريخي للعملة المحلية أمام الدولار، فالدولار الواحد أصبح يعادل اليوم نحو 2500 ريال يمني تقريبًا، بينما لا يتجاوز متوسط راتب المعلم من 30 إلى 50 دولارًا شهريًا.

وتمحورت مطالب المعلمين حول إقرار زيادة عاجلة في الرواتب تواكب ارتفاع معدلات التضخم المتفاقمة، مؤكدين أن مطالبهم لا تتجاوز الحقوق الأساسية التي تكفلها التشريعات.

جيل بلا مستقبل

لم تكن أزمة إضراب المعلمين وحدها سببًا في انهيار العملية التعليمية بشكل كامل، فقد حولت الحرب الأهلية آلاف المدارس إلى ركام وملاجئ للنازحين، فيما تحولت فصول الدراسة إلى غرف منزلية مؤقتة، بينما أغلقت مدارس أخرى بسبب انعدام الكهرباء والمياه أو انتشار الأمراض.

وباتت الكتب المدرسية والأثاث من "الكماليات" في مدارس عديدة، حيث يعتمد الطلاب على ملخصات يدونها معلمون متطوعون على ألواح مهشمة، وفي تعز، توقفت المدارس مبكرًا هذا العام، واضطر الطلاب لخوض الامتحانات دون إكمال 70% من المنهج، ما دفع الأهالي إلى رفض إجرائها.

وفي ظل استمرار إجراء الاختبارات رغم عدم اكتمال المناهج الدراسية، عبر الأهالي في عدن عن سخطهم جراء تردي الوضع التعليمي، حيث نقلت وسائل التواصل الاجتماعي شكايات الأمهات من واقع الامتحانات: "كيف نثق بنظام تعليمي يجبر أبناءنا على اجتياز اختبارات وهم لم يتلقوا أساسيات المنهج؟"

وكان من مساوئ الحرب الأهلية في اليمن، أن أضحى النظام التعليمي كجسد ممزق بين سلطتين؛ مدارس الشمال تدار وفق سياسات جماعة الحوثيين، بينما تشرف الحكومة المعترف بها دوليًّا على مدارس الجنوب، وهو ما حول المنظومة التعليمية إلى فوضى مؤسسية، حيث تعلن سلطات صنعاء مواعيد امتحانات مغايرة، وتطبق عدن مناهج دراسية مختلفة.

ويصف عارف ناجي، المستشار بوزارة التربية والتعليم، الواقع التعليمي في اليمن بقوله: "التعليم هو الضحية الأكبر للحرب"، موضحًا كيف حول الصراع السياسي أحلام جيل بأكمله إلى ركام من الفرص الضائعة، حيث تدفن طموحات أجيال كاملة تحت أنقاض المدارس المدمرة والمناهج المتعثرة.

ويضيف "ناجي": "بينما تتهاوى مؤسسات التعليم واحدة تلو الأخرى، أصبح الجيل الحالي بلا مستقبل ويدفع ثمن صراع لا ناقة له فيه ولا جمل ".

جهود شعبية لإنقاذ التعليم

رغم التدهور الكارثي، ظهرت بعض قصص النجاح التعليمية التي تعكس قدرة المجتمع على التغيير، فكان لتركيب أنظمة توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية في مدارس مناطق مثل محافظة حضرموت أثر إيجابي واضح، حيث لاحظت مديرة مدرسة "خولة بنت الأزور" في المكلا، انخفاضا في نسبة التسرب وزيادة في حافز الطلاب بعد تشغيل نظام شمسي لتغذية فصولها.

ومكنت الطاقة الشمسية المعلمين من إطالة ساعات الدراسة مساءً وتنظيم أنشطة تعليمية، مما رفع من مشاركة الطالبات وانتظام العملية التعليمية في المدرسة.

ولا تقتصر النجاحات على المدارس الحكومية؛ فظهرت أيضًا مبادرات أهلية لتعليم الأميين والكبار وتقوية مهارات المعلمين بالورش التدريبية المدعومة محليًا.

وفي مديرية "خنفر" بحضرموت، تحدى ثلاثة معلمين نظاميين وأربعة متطوعين واقع الانهيار التعليمي، بإقامة فصول مدرسية داخل مسجد القرية، بعد أن حولت الحرب مبنى المدرسة إلى أطلال، فلم توقفهم قلة الإمكانيات أو غياب الدعم الرسمي من أن يحافظوا على شعلة التعليم في نموذج يجسد إصرار اليمنيين على إنقاذ مستقبل أبنائهم رغم كل الصعاب.

ومع هذه الجهود التي تمثل قطرة في محيط من التدهور، يبقى السؤال مطروحًا: إلى متى سيستمر دفن مستقبل أجيال اليمن تحت أنقاض الحرب؟

ويتسائل أبناء الشعب اليمني: متى يتوقف هذا النزيف المستمر لأجيال تتسرب من النور إلى الظلام بفشل المسؤولين منذ عام 2015 حتى الآن ودون توقف؟