الخبير الاقتصادي الأستاذ الدكتور علي السقاف...
اليمن خسر 88 مليار دولار نتيجة الحرب الأهلية.. والضربات الأمريكية ـ الإسرائيليه عمقت جراحه

السلام هو المدخل الوحيد لإعادة بناء المؤسسات الاقتصادية اليمنية وإنهاء حالة الإنهيار
لا تعافي للريال اليمني بدون تصدير الفط وعودة الاستقرار
هجرة العقول أضعف اليمن في كافة المجالات
إعادة توحيد البنك المركزي خطوة محورية لإنقاذ الاقتصاد اليمني
عودة تصدير النفط والغاز هي الضمانة الأولى لاستقرار العملة وإنعاش الإيرادات العامة
الموانئ اليمنية تمثل ركيزة اقتصادية كبرى تضررت بفعل الحرب وتعطيل الملاحة
انقسام قطاع الاتصالات أضعف قدرة الدولة على تقديم الخدمات وزاد من تراجع الإيرادات
أُحمّل الحرب مسؤولية الانهيار الكارثي في قطاعات التعليم والصحة والثقافة
أجرى الحوار/ علي عبدالجواد
بعد عقد من الصراع الدامي الذي مزق النسيج الوطني وطحن المؤسسات تحت عجلة الحرب الأهلية، يواجه الاقتصاد اليمني أسوأ كبوة في تاريخه الحديث.. انهيار شامل طال العصب الرئيسي (النفط والغاز)، وشلّ شرايين الحياة (الموانئ والمطارات)، وترك ملايين اليمنيين في مواجهة الجوع والمرض وغياب التعليم.
تفتح "النهار" ملف الاقتصاد اليمني المنهك، لتستقصي مصير ما تبقى من مؤسسات اقتصادية بالدولة اليمنية، وتكشف حجم الدمار الذي خلفته الحرب الأهلية على البنى التحتية الحيوية، لتطرح تساؤلات ملحة: هل أسدل الستار على مقدرات اليمن الاقتصادية؟ وما مصير التعليم والصحة والثقافة في بلد تحولت مدارسه إلى ثكنات ومستشفياته إلى أطلال؟
نبحث في هذا الحوار مع الخبير الاقتصادي، الأستاذ الدكتور علي السقاف، عن ملامح أمل قد تشع في الأفق، ونحلل الآثار المدمرة لهروب العقول اليمنية التي كانت قادرة على البناء، ونتطرق إلى السؤال الأكثر إلحاحاً: هل من وصفة سحرية لإنقاذ الاقتصاد والريال اليمني من الانهيار؟
حوار مع خبير اقتصادي يمسك بمحاور الأزمة، يجيب عن تساؤلات مصيرية تمس حياة الملايين في بلد يئن تحت وطأة واحدة من أشد الأزمات الإنسانية والاقتصادية.. إلى نص الحوار..
س ـ بداية.. ماذا تبقى لليمن من مؤسساته الاقتصادية التي يمكن أن تعيد له القدرة على الوقوف مرة أخرى على قدميه؟
ج ـ بسبب الحرب التي شنها الحوثيون فإن مؤسسات الدولة شهدت انقساما، حيث يوجد للدولة مؤسستين اقتصاديتين في كل من صنعاء وعدن . ومن اجل عودة هذه المؤسسات الى ما كانت عليه قبل الحرب وان تقف على قدميها مرة أخرى، لابد من الدخول في مفاوضات سلام تنهي حالة الحرب والبدء بعمليات البناء والتنمية . ومن هذه المؤسسات :
- البنك المركزي اليمين , حيث يمكن إعادة توحيده، ليقوم بمهامه كمؤسسة معنية بتنفيذ السياسة النقدية النقدية Monetary Policy ) ) والتحكم بالعرض النقدي و ضبط سعر الصرف لبريال اليمني مقابل العملات الأخرى وتحديد أسعار الفائدة .
- النفط والغاز ، حيث توقفت صادرات النفط والغاز منذ 2022 , بسبب تهديدات الحوثيين بضرب موانئ التصدير . والجذير بالذكر ان ايردات النفط والغاز تشكل 75% من الناتج الإجمالي المحلي ( GDP ) و 90 % من الانفاق العام . وان عودة صادرات النفط والغاز سيسهم من كل بد في استقرار سعر صرف العملة وكذلك ضمان الإيرادات والتي يمكن انفقها على العديد من القطاعات كالتعليم والصحة و كذلك ضمان استمرار صرف مرتبات الموظفين في القطاعين المدني والعسكري /الأمني .
- الموانئ اليمنية والتي تضرر نشاطها هي الأخرى بسبب عرقلة الملاحة في البحر الأحمر . هذه الموانئ هي الاقتصاد الأزرق ( Blue Economy ) و مصدر اخر لايرادات الدولة وأيضا ضمان وصول الواردات من السلع الى البلاد . من هذه المواني , ميناء عدن الذي يعتبر من الموانئ الاستراتيجية في العالم بعد مينائي نيويورك . وايضاء ميناء الحديدة و المكلا والمخاء .
- الزراعة , ولان اليمن بلد زراعي ويتمتع بميزة التنوع المناخي , ويشكل أيضا ما يسمى بالاقتصاد الأخضر Blue Economy) ) , فان الحرب اضرت هذا القطاع وأدى الى تراجع الإنتاجية , وأيضا فان 75% من العمالة اليمنية هم عمالة زراعية . فان عودة هذا القطاع الى وضعه ما قبل الحرب سيعيده الى حيويته و ضمان الامن الغذائي في المدى القريب والبعيد .
- قطاع الاتصالات . يعتبر من القطاعات الاقتصادية الحيوية , التي تدر دخلا للدولة وبسبب الاحرب فان القطاع شهد أيضا انقساما بين صنعا وعدن . فاعادة القطاع الى وضعه السابق وحيويته , سيسهم من كل بد في ثبات الإيرادات من جهة وتقديم الخدمات من جهو أخرى لسكان اليمن ككل .
- الاقتصاد اليمني , كأي اقتصاد في العالم هو اقتصاد شراكة السوق Market friendly Economy )) وبسبب الحرب فان الراسمال الوطني هرب الى دول الجوار ( القرن الافريقي و دول الخليج ومصر ) , فمما لاشك فيه فان توقف الحرب وبناء السلام سيعيد الثقة أيضا للقطاع الخاص و مساهمته في عملية التنمية المستدامة .
س ـ هل أنهت الضربات الأمريكة والإسرائيلية على مقدرات اليمن الاقتصادية؟
ج ـ مما لا شك فيه ان الضربات الامريكية والإسرائيلية اثرت على مقدرات الاقتصاد اليمني ( جزئيا) وتمثل ذلك بضرب ميناء الحديدة ( الصليف ) و ميناء رأس عيسى لتصدير النفط , 3محطات كهرباء في كل من صنعاء و الحديدة ومطار صنعاء . الاضرار المباشرة تمثلت في توقف نشاط مطار صنعاء وميناء الحديدة الذي يستقبل 70% من واردات البلاد .
من جانب اخر فان 75 % منثروة اليمن واقتصاده يقع في جنوب اليمن , سواء من حيث انتاج النفط والغاز( في كل من حقول حضرموت وشبوة ) و أيضا شريط ساحلي طوله 2500 كم مربع الممتد منميناء عدن الى ميناء نشطون ( المهرة ) , كل هذه المؤسسات تقع في الجنوب . وتركزت الضربات في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين في الشمال . ولا نستطيع ان نجزم بان الضربات انهت مقدرات الاقتصاد اليمني .
س ـ ماذا تبقى للدولة اليمنية من مقدرات بعد الحرب الأهلية الطويلة والتي طالت تقريبا كل المدن اليمنية ؟
ج ـ بفعل الحرب التي شنها الحوثيون، والتي امتدت عشر سنوات ومازالت ، فان الاقتصاد اليمني فقد 88 مليار دولار منذ اندلاع الحرب , شملت كل القطاعات النفطية والصناعية والزراعية . وفقد النمو الاقتصادي 50% من نمو الناتج الاجتماعلي الإجمالي GDP )), ووقع الضرر الأكبر على قطاع تصدير النفط والغاز الذ يشكل 75 % من الناتج المحلي الإجمالي , كما اسلفت.
س ـ هل هناك مبادرات محلية اقتصادية لإنقاذ الشعب اليمني من تأثير هذا الانهيار الاقتصادي؟
ج ـ هناك العديد من المبادرات المحلية الاقتصادية التي نشأت بعد الحرب عام 2015 , بهدف التخفيف من وطأة الحرب واثارها نتيجة الانهيار الاقتصادي . وتمثلث في المشاريع الصغيرة من منظمات محلية , كمشاريع الخبز وتوفيرها مجانا للمحتاجين والفقراء , ومشاريع الخياطة و وتربية المواشي , هذه مشاريع هدفها التخفيف من اثار الحرب .
- مشاريع التمكين الاقتصادي للمرأة ) (Gender Economic Empowerment , هذه المشاريع تديرها جمعيات نسوية او حالات فردية , تركزت في المشاغل الصغيرة , والماكولات و الخياطة.
- الأسواق الشعبية في الريف وبعض المدن و هدفها تشجيع المنتجت المحلية و ايصالها للمستهلك بأسعار مناسبة .
- انشاء صناديق مجتمعية في بعض المدن والقرى للمساعدة في حالات الحروب والأزمات هدفها دعم الاسر المحتاجة .
- مشاريع زكاة وتوصيلها للمحتاجين والفقراء.
س ـ ما هو مصير التعليم والصحة والثقافة بعد الحرب التي شنها الحوثيون والممتدة من 2015 حتى هذه اللحظة ؟
ج ـ من كل بد نتيجة للخسائر التي تكبدها الاقتصاد اليمني منذ 2015 والتي قدرت 88 مليار دولار وتوقف صادرت النفط والتي يشكل رافدا أساسيا للانفاق الحكومي وبنسبة 90% , فإن ذلك أثر تاثيرا بالغا على قطاعات التعليم والصحة والثقافة .
في الجانب التعليمي فان الاف المدارس تضررت ودمرت بالكامل بسبب القصف وتحولت الى ملاجئ للنازحين او ثكنات عسكري . وان هناك 39% من اجمالي الأطفال في سن التعليم غير ملتحقين بالمدارس أي ما يقترب من 4.5 مليون طفل وهناك 1.3 مليون طفل نازح وهم معرضون للتسر وخاصة الفتيات . وهناك نقص في الصيانة والتمويل للمرافق التعليمية . ملايين الطلاب حرموا من التعليم اما بسبب النزوح او الفقر او المخاطر الأمنية . وارتفاع معدلات تسرب الاناث . نقص الكوادر التعليمية ( في مناطق الشمال نتيجة لعدم تسلم رواتبهم منذ 2016 ) مما أدى الى ترك مدارسهم والبحث عن وظائف أخرى لسد رمق العيش . في مناطق الجنوب وبعض مناطق الشمال ( مناطق سيطرة الشرعية المعترف بها دوليا ) فان مرتبات المعلمين انخفظت بواقع 900% , نتيجة لانهيار سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار . فمثلا المعلم الذي كان يستلم 60000 ريالا ( 240$ ) عام 2014 , قبل بداية الحرب , اصبح اليوم ستلم نفس هذا الراتب , 60000 ريالا , والذي يساوي 20$ فقط .
في الجانب الصحي , فان الحرب أدت الى تدمير واغلاق مئات المراكز الصحية والمستشفيات (الحكومية) ونقص الادوية والمستلزمات الصحية وانتشار الامراض والاوبئة ( الكوليرا وحمى الضنك وسوء التغذية بين الأطفال . واصبح المواطن يعتمد المستشفيات والمراكز الصحية الخاصة والتي يتكبد من خلالها النفقات الكبيرة . وكل ذلك أدى الى انعدام الخدمات الصحية الحكومية وهجرة الكوادر الصحية من القطاع العام الى القطاع الخاص او الهجرة الى دول الجوار وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي .
ثقافيا , فان الحرب اثرت أيضا على هذا القطاع تمثل في تدير القنوات الفضائية الحكومية وتشتت كوادرها , حيث فتحت قنوات فضائية تابعة للأحزاب السياية تبث من الخارج ,هناك قناة فضائية تابعة للشرعية تبث من الرياض . من جانب اخر فان الحرب اثرت اضا على العديد من الأنشطة الثقافية , كالموسيقى والفنون والدراما والمسرح . وأيضا اثرت الحرب على الكادر الثقافي حيث نزع العديد منهم الى مصر و دول لجوار لممارسة نشاطهم الثقافي ضمن قنوات يمنية خاصة او فعاليات وانشطة ثقافية .
س ـ كيف يمكن لليمن في ظل هذه الظروف أن يقوم مرة أخرى بجلب الشركات الأجنبية واستخراج النفط وتصديره باعتباره العصب الرئيس للقتصاد اليمني؟
ج ـ الاستثمار (الأجنبي لمباشر- foreign direct investment-او الراسمال الوطني ) , يتاثر عادة بأربعة عوامل أساسية وهي : حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي , البنية التحتية Infrastructure , سعر الفائدة , القوانين والتشريعات ( قانون الاستثمار ) . اليمن تعتبر بيئة طاردة للاستثمار نتيجة للحروب والأزمات المتتالية , ودون توقف الحرب والولوج الى مفاوضات سلام قابل للتطبيق فان الاقتصاد اليمني لن يتعافى و لن يعود الاستثمار ( الوطني او الأجنبي ) الى ممارسة نشاطه في الأرض اليمنية .
س ـ هل هناك ملامح للأمل في الاقتصاد اليمني؟ وما هي المؤشرات على ذلك؟
ج ـ الامل معقود فقط على انهاء حالة الحرب والدخول الى مفاوضات سلام قابلة للتطبيق تعيد الامل للاقتصاد اليمني . هناك بعض المؤشرات بتدخل الرباعية الدولية والأمم المتحدة لنهاء حالة الحرب و البدء بالمفاوضات .
س ـ كيف أثر هروب العقول اليمنية على اقتصاد اليمن؟
ج ـ بالطبع فان هجرة العقول Brain Drain , اثرت على اليمن عموما وعلى اقتصاد البلاد خصوصا . فالعديد من الأطباء والمهندسين والفنيين ودكاترة الجامعة هاجروا الى الملكة العربية ودول أخرى , وهناك أيضا من هاجر الى أوروبا والولايات المتحدة الامريكية , طلبا للرزق والحياة الامنة . مع ان المصطلح هجرة العقول Brain Drain )) الديموجرافي تحول حديثا الى مصطلح اخر , الا وهو دوران العقول Brain Circulation )) وحدث في كثير من البلدان التي تعاني أزمات حرب او أزمات اقتصادية.
س ـ هل هنا وصفة سحرية لعودة الريال اليمني بعد انهياره أمام الدولاء؟
ج ـ لا توجد وصفات سحرية جاهزة في الاقتصاد، فتعافي سعر صرف الريال اليمني مرتبط بتعافي الاقتصاد اليمني وإعادة تصدير النفط و زيادة إيرادات الدولة من العملة الصعبة . فسعر صرف الريال اليمني اليوم 2500 ريالا للدولار الواحد , بينما قبل بداية الحرب في 2015 , كان سعر صرف الريال مقابل الدولار 250 ريالا . أي ان الريال اليمني فقد من قوته الشرائية 900% . وحتى لو توقفت الحرب واستتب السلام فان سعر الصرف لا يمكن ان يعود الى ما كان عليه في 2015 ( 250 ريالا للدولار ) وانما يمكن ان يحافظ على سعر الصرف الحالي وان لا ينزلق الى انهيارات أخرى كما حصل في العديد من البلدات التي واجهت حروب !