مفاوضات طهران ـ واشنطن.. احتمالات الحرب مستمرة

اختتمت الجولة الخامسة من مفاوضات الملف النووي الإيراني بين طهران وواشنطن في العاصمة الإيطالية روما، الجمعة الماضية، دون تحقيق اختراق كبير.
وعلى الرغم من وصف وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي للمحادثات بأنها «واحدة من أكثر جولات التفاوض احترافية»، غادر المبعوث الأمريكي ستيفن ويتكوف مقر التفاوض قبل الانتهاء الرسمي للجولة، فيما استمرت الشكوك الإيرانية حول إمكانية التوصل إلى اتفاق شامل.
ويتركز الخلاف الرئيس بين الطرفين على ملف تخصيب اليورانيوم؛ إذ تطالب الولايات المتحدة بــ«التفكيك الكلي» وإنهاء عمليات التخصيب، بينما تؤكد إيران أن «صفر تخصيب = لا اتفاق»، معتبرة أن حقها في تخصيب اليورانيوم لأغراض مدنية خط أحمر.
أهداف أمريكية ـ إسرائيلية
وفي قراءته لموقف الأطراف الفاعلة في التفاوض، أوضح خالد محمد علي، الخبير في الشؤون العربية والدولية، أن الولايات المتحدة تسعى إلى هدفٍ مزدوج: منع إيران من امتلاك أسلحة نووية مع السماح ببرنامج نووي مدني، لكن إصرار واشنطن على شروط "التفكيك الكلي" لمنشآت التخصيب وفرض "صفر تخصيب" يتناقض مع حق طهران في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية وفق معاهدة حظر الانتشار النووي التي تسمح للدول بامتلاك مفعالات نووية لأغراض توليد الطاقة والكهرباء، مؤكدًا أن هذا الموقف الأمريكي ليس تقنيًا فحسب، بل يعكس سعيًا للهيمنة على دورة الوقود النووي الإيرانية بالكامل، مشيرًا إلى أن حملة "الضغط الأقصى" بما فيها العقوبات المشددة، تستخدم كورقة ضغط لإجبار إيران على قبول الشروط الأمريكية.
وأضاف "محمد علي" في تصريحاته لصحيفة "النهار"، أن الإدارة الأمريكية تواصل استخدام ورقة التهديد العسكري كـ"أداة ردع" لكبح طموحات طهران النووية، كاشفًا عن مفارقة في إدارة الملف: فبينما تستعد لعقد الجولة الخامسة سربت عن عمد ماقالت إنها خطة إسرائيلية لضرب المفاعلات النووية، وهو توظيف للتطرف الإسرائيلي على مائدة المفاوضات، وكأنه تخيير لصانع القران في طهران بين القبول بالممطالب الأمريكية أو ترك إسرائيل لتقوم بتدمير المفاعلات، وهو أيضا تهديد ضمني بمساعدة إسرائيل للقيام بمثل هذه العملية، وكأن "ويتكوف" يقول للإيرانيين إننا ننقذكم من ضربة إسرائيلية مدمرة.
ولفت الخبير في الشؤون العربية والدولية، إلى أن إدارة التفاوض الإيراني أصبحت أكثر احترافية حيث حملت واشنطن المسؤولية عن أي ضربة إسرائيلي تقوم بها أمريكا بالتعاون مع إسرائيل وتزعم أن دولة الكيان هي من قامت بها منفردة حتى تتجنب قيام الحرس الثوري ضرب القواهد الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.
وينهي الخبير المصري خالد محمد علي كلامه بالتحذير من أن هناك مؤشرات على أن جولات التفاوض الأمريكة مع طهران هي مجرد خدعة لاستكمال التجهيزات العسكرية ووصول الأسلحة الكافية إلى إسرائيل والقواعد الأمريكية، وتحييد الأطراف العربية في المنطقة، ثم تقوم واشنطن في الوقت المناسب بإعلان فشل المفاوضات وتنفيذ ضربة ساحقة لكل المفاعلات النووية في إيران وريما ضرب مراكز القرار في طهران لإسقاط نظام آيات الله .
استراتيجية "شراء الوقت"
بدوره، كشف الدكتور هاني سليمان، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، أن إيران تعتمد في مفاوضاتها النووية مع الولايات المتحدة على استراتيجية ثلاثية الأبعاد: شراء الوقت لامتصاص الضغوط الدولية، والتمسك بـالخطوط الحمراء المتعلقة بحق التخصيب، وعزل الملف النووي عن القضايا الإقليمية الأخرى، مثل برنامج الصواريخ الباليستية أو النفوذ في دول الشرق الأوسط.
وأوضح "سليمان" في تصريحاته لـ "النهار"، أن طهران تهدف من إطالة أمد المفاوضات إلى تفادي الضغوط المتزامنة من واشنطن وحلفائها الأوروبيين، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، بالإضافة إلى التهديدات الإسرائيلية بالضربات العسكرية، مشيرًا إلى أن هذه الاستراتيجية تسمح لإيران بإدارة الأزمة دون تقديم تنازلات جوهرية، في انتظار ضمانات برفع العقوبات الاقتصادية بشكل كامل، والتي تعتبرها شرطًا غير قابل للتجاوز.
واستند الخبير إلى تصريحات علي شمخاني، مستشار المرشد الإيراني للأمن القومي، الذي حدد إطارًا تفاوضيًا يلتزم بعدم تصنيع أسلحة نووية، مع الاحتفاظ بكميات محدودة من اليورانيوم المخصب بنسب متدنية، والتخلص من المخزون عالي التخصيب، والسماح بتفتيش المنشآت النووية، وفي المقابل، تشترط إيران رفع العقوبات بالكامل، والاعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم، وهو ما تراه واشنطن تناقضًا يخفي سعيًا لإمكانية العودة السريعة للبرنامج النووي حال انهيار الاتفاق.
عزل الملف النووي
وأكد مدير المركز العربي للبحوث والدراسات أن إيران تعمل جاهدة على حصر المفاوضات في الجانب النووي، ورفض أي محاولات لربطها بملفات أخرى، مثل برنامج الصواريخ أو دعم الميليشيات في المنطقة، ويرجع هذا الموقف إلى إدراك طهران أن توسيع نطاق المفاوضات يضعف موقعها التفاوضي، كما أن التهديدات الإسرائيلية، التي تجسدت في حضور وفد رفيع من تل أبيب إلى مباحثات روما، تدفع إيران للتمسك بالبرنامج النووي كأداة ردع ضد أي ضربة محتملة.
وأشار " سليمان" إلى أن إيران تواجه تراجعًا في أدوات ضغطها الإقليمية، نتيجة الضربات التي تعرض لها حلفاؤها في لبنان (حزب الله) واليمن (الحوثيون)، وضعف نفوذها في سوريا والعراق، حيث تسعى الميليشيات الموالية لها لتفادي التصعيد مع واشنطن، ورغم ذلك، تحتفظ طهران بورقة التخصيب النووي كـ"صمام أمان" لتعويض هذا التراجع، إذ تتيح لها هذه الورقة استعادة البرنامج بسرعة إذا انهارت الاتفاقيات، أو الرد على أي تهديد عسكري.
كما أكد الدكتور هاني سليمان، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، أن إيران ليست في موقع يسمح لها بالتخلي عن برنامجها النووي، الذي تراه ضمانة لوجودها كقوة إقليمية في ظل تحولات جيوسياسية سريعة، وتصاعد التهديدات؛ فالتنازل عن هذا الملف يعني من وجهة نظر طهران خسارة أدوات الضغط الوحيدة المتبقية لها في مواجهة غرب يحاصر نفوذها من كل اتجاه.
وهكذا تبدو المفاوضات بين الطرفين أكثر تعقيدًا وتتضمن كل الاحتمالات خاصة مع غياب أجواء الثقة التي جعلت خمس جولات تتم دون لقاء مباشر بين الوفدين الإيراني والأمريكي.