جريدة النهار المصرية

صحافة المواطن

عادل عامر يكتب: بدعة تقليل سلطات الرئيس في الدستور

عامر عامر
-

يمكن أن يؤدي إلى التعبير من خلال ممارسة الاقتراع العام على حد تعبير كانت إلى إرادة عامة تقريبية. ولكن لا شيء يمنع من انتظار مزيد من التطور نحو احترام أفضل للإرادة العامة بالرغم من أن روسو لا يعتقد ذلك لأن "شعباً من الآلهة هو الذي يمكن أن يحكم نفسه بصفة ديمقراطية وحكم كامل كهذا، كما يؤكد ذلك بنفسه، لا يتلاءم مع البشر" على عكس الذي يؤمن بتطور التاريخ البشري نحو "مجتمع مدني تقرر فيه الإرادة نفس الشيء بالنسبة للجميع والجميع بالنسبة لكل فرد".فأي مجاملة سياسية أو اجتماعية على حساب قضية وطنية، بحجم ضمان سلامة الإجراءات الانتخابية، هي جريمة أخلاقية قبل أن تكون جريمة يعاقب عليها القانون. فالأصل أن نحافظ على سلامة الإجراءات الانتخابية وسلامة إجراءاتها، وهنا سيكون علينا جميعا واجب إسناد اللجنة المستقلة للانتخاب في مهمتها الوطنية في ضبط جودة العملية الانتخابية وفق الإجراءات والمعايير الدولية. إن التهاون مع مرتكبي الجرائم الانتخابية، أو الصمت عن أي تجاوزات من قبل المرشحين أو الناخبين، سيؤدي إلى الطعن بنتائج وسلامة إجراءات الانتخابات المقبلة. هذا الطعن في الانتخابات المقبلة تحديدا، سيكون له كلفة باهظة على المؤسسات الرسمية، ليس أقل تلك الكلف؛ إدارة ظهر المواطن والناخب عن أي عملية انتخابية مقبلة. لا نريد للعملية الانتخابية أن يكون فيها ثغرات، لتلج من تلك الثغرات الطعون والشكوك بصدفية وسلامة إرادة الناخبين، فحتى لو لم يتسن التوافق على قانون الانتخاب، فمن الواجب أن نخلق التوافق على سلامة الانتخابات ونزاهتها وشفافية مراحلها ومصداقية نتائجها، فذلك أضعف الإيمان. لا تهاون مع من يُريد أن يُسجل دعايته الانتخابية على ظهر الثقة بسمعتنا الانتخابية، لذلك سننتظر أحكام القضاء ونحترمها، وعلينا أن نوسع إطار الملاحظة في متابعة كل من تسوّل له نفسه العبث بالانتخابات النيابية المقبلة وتقديمه للقضاء.... وقد قام ترزية القوانين بإعادة صياغة المادة 231 من الدستور بحيث أصبح ما كان غير دستوري الآن دستوري طالما بني على النص الدستوري الجديد الذي يسمح بالثلث والثلثين - إلا إن شبهة عدم المساواة لازالت قائمة مع دسترة النص الحالي على هوى من صاغوه. فهل يصبح الزنا حلالا إذا استبدلنا كلمة الزنا بالزواج في مواد الدستور ؟ تكتسي الانتخابات أهمية بالغة لترشيد الحكم ، حيث تعتبر وسيلة رئيسية لإشراك قطاع كبير من قوى المجتمع في السلطة، وهي آلية للمساءلة بما يضمن تجاوب التصرفات الحكومية مع المتطلبات الحقيقية للمواطنين، كما أن الحملات الانتخابية العلنية قادرة على إظهار شفافية أكبر في سياسات الحكومة وممارساتها، كما تجسد الانتخابات عملية التقييم والرقابة بإعادة الترشيح أو الإقصاء. تستند نزاهة العملية الانتخابية، بشكل رئيسي، على النظام الانتخابي الذي ينظم عملية الانتخابات في مراحلها المختلفة، ويتيح لكل أطراف العملية الانتخابية من ناخبين ومرشحين ومشرفين، الوقوف على الكيفية التي يتم من خلالها إدارة الانتخابات والإعلان عن نتائجها. وعليه تشكل الانتخابات العمود الفقري للنظام السياسي الديمقراطي الحديث باعتبارها أداة تمكن المحكومين من اختبار حكامهم ومحاسبتهم. البعض يريد أن يجعل من نقطة العتبة في الانتخابات المقبلة تتحول إلى عقبة في طريقها، وهنا يلتقي النقيضان..فمن جهة هناك من يحاول رفع العتبة إلى نسب غير مقبولة ديمقراطيا، ومن جهة أخرى هناك من يطالب بتخفيضها إلى الحد الذي لا يعود لها تأثير، بل البعض يطالب صراحة بإلغاء العتبة بصفة كاملة..هذا النقاش تخوضه الأحزاب مرفوقة بنعوت الكبيرة والصغيرة، حيث تميل الأحزاب الكبيرة بصورة طبيعية للرفع من العتبة، بينما تميل الأحزاب الصغرى إلى تخفيضها ما أمكن أو إلغائها العتبة ليست بدعة ، بل هي جزء لا يتجزأ من المنظومة الانتخابية الداخلية لعدد من بلدان العالم، وهي تبدأ ب 2 % وتبلغ 10 % في التجربة التركية كأعلى نسبة بالنسبة للعتبة في الدول الديمقراطية، لكن في المتوسط فإن نسبة 5% هي المعدل الموجود في أغلب البلدان الديمقراطية ..العتبة في الأصل هي لترشيد العمل التشريعي ولفسح إمكانية لتشكيل حكومات ومعارضات منسجمة، وبكل تأكيد فإن استقرار الحكومات لا يتحقق سوى بوجود أحزاب قليلة في تركيبتها، وعلى العكس من ذلك فإن غياب العتبة المترافق مع مرونة شديدة في تأسيس الأحزاب، رغم هذا الوضوح التام في طبيعة النظام المعتمد  وشرعيته وطبيعة ظرفيّته بما انه قد حدد اجله خلال الربيع القادم و بالرّغم من عديد الصلاحيات الممنوحة للرّئيس و بروز حركيّته ومساهماته الميدانية في السياسة الداخلية والخارجية و تدخلاته اليوميّة في القضايا الساخنة فان صلاحيات الرئيس لا زالت تطرح بحماس مفرط من اجل أهداف لا تبعد عن الصراع الحزبي المبتذل مما يربك الوضع العام ويكرّس المنحى التأزيمي للوضع السياسي ولمسيرة الانتقال الديمقراطي الذي تصبغ سمته بالإرباك وعرض واجهة العجز وانسداد الأفق و انتكاسة الثورة التي يدفع بها البعض كتعبير عن انتكاسة أحزاب و اديولوجيات أو حتى مصالح ضيقة. هذا الانحدار المنهجي ولّد تردّيا في الخطاب، من بين عناوينه دائمة الاستمرار، ما يلاك بشكل مقرف ومؤذي، لافتة “رئيس بلا صلاحيات” و “هيبة الدولة المهدّدة” حتّى جعلوا من عبارة “الطّرطور” اقرب للرئاسة، وكأنّهم يتجاهلون مخاطر هذا الخطاب في زعزعة حصانة مؤسسات الدولة عامة و انعكاسها على مختلف المسؤوليات بالنظم الإدارية كافة حاضرا ومستقبلا..

إن الدستور الجديد يجعل رئيس الجمهورية وفقا للمادة 150 هو الوحيد الذي يستطيع تحديد مصالح الدولة العليا وبالتالي إجراء استفتاءات بشأن الأمور التي يرى هو دون غيرة أنها تتعلق بهذه المصلحة وفضلا عن ذلك كله يظل رئيس الجمهورية كما كان منذ عام 1956 هو الذي يضع السياسة العامة للدولة ويشرف علي تنفيذها بالاشتراك مع مجلس الوزراء  وما رئيس الحكومة والوزراء إلا معاونون لرئيس الجمهورية وفقا للدستور الجديد كما هو الحال في الدساتير السابقة منذ دستور 1956 وحتى الدستور 1971 بل يبدو وضعهم في دستور 2012 ادني درجة لا التحايل المتضمن في مادته رقم 141 ينتج أثرا عكسيا فقد حاول واضعوا هذا الدستور الإيحاء بأن هناك توزيعا للسلطة بين رئيس الجمهورية والحكومة فاستخدموا صيغة تجعل للسلطة بين رئيس الجمهورية والحكومة فاستخدموا صيغة تجعل رئيس الحكومة والوزراء أدوات فعليا شركاء ظاهريا وهي ( يتولي رئيس الجمهورية سلطاته بواسطة رئيس  مجلس الوزراء ونوابه والوزراء عدا ما يتصل منها بالدفاع والأمن القومي والسياسة الخارجية والسلطات المنصوص عليها بالمواد 139و145و146و147و148و149 من الدستور  والواقع إن النص ( المادة 141) يجعل رئيس الحكومة وأعضاءها أدوات لدى رئيس الجمهورية وهذا هو المعني المحدد بدقة لكلمة ( بواسطة ) الواردة في المادة 141 فهي تعني في اللغة والقانون والفقه استخدام أداة أو وسيلة ولذلك يكون السلطة اعتمادا علي أدوات ووسائل رئيس الحكومة ونوابه والوزراء وفقا لنص المادة

ومن الطبيعي أن يمارس كل صاحب سلطة صلاحياته بأدوات ووسائل وهذا ماذهبت إليه المادة 141 رغم التحايل الذي استهدف الإيحاء بأن سلطات رئيس الجمهورية أصبحت اقل مما كانت عليه ولو إن تقليص هذه السلطات مرغوب لاستخدم واضعوا الدستور تعبير ( من خلال ) ولكن المادة 141 لم تقل يمارس رئيس الجمهورية سلطاته من خلال رئيس الوزراء )

--

    كاتب المقال
    دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام

ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية