جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

اسامة شرشر يكتب : الإعلام وإسقاط الدولة المصرية

-

المشهد الإعلامى فى مصر مضطرب، ويشوبه الكثير من الفوضى والعشوائية، لقد تأخرت الآلة الإعلامية المصرية كثيرا، وأصبح معظمها  خارج الخدمة داخل مصر وخارجها، بدليل أن قناة مثل الجزيرة التى تمولها إمارة صغيرة بحجم قطر، أصبحت قادرة على نشر الريبة والشك، وتتجرأ فتهاجم الجيش المصرى، والقضاء المصرى، بينما نحن ما زلنا مختلفين حول قانون الإعلام الموحد، سواء بهيئاته الإعلامية، أو تنظيم العمل الصحفى.

من الضرورى أن تكون الجماعة الصحفية جزءا أصيلا من القضية، وأن يتم الاستماع لآرائها، حتى يخرج القانون بتوافق مهنى ومجتمعى، لأننا أمام قضية من أهم قضايا مواجهة المؤامرات والمخططات فى الداخل والخارج، سواء التى يتم تمويلها من الدوحة أو الغرب، لضرب الدولة المصرية.

وعلينا أن نعلم أن الدخول فى تفاصيل كثيرة فى القانون وتجاهل الأصل، يتسبب فى عدم إقرار هذه القوانين، فالبرلمان يجب أن يسبق الجميع بعدة خطوات لأنه منتخب من الشعب، ويجب أن يخفف الضغط عن رئيس الدولة، ولكن نحن نختلف لمجرد الاختلاف، ونختلف على الشكل، بدلاً من أن نتفق على المضمون الذى أقره الدستور المستفتى عليه فى 2014 بإجماع شعبى.

إن كل الادعاءات بأن الصحافة والصحفيين هم «سحرة فرعون»، كما قال محمد بديع، مرشد الإخوان، أو أن «على راسهم ريشه» أو أنهم فوق القانون، ما هى إلا شعارات وادعاءات يرددها ممولون فى الداخل والخارج لخلق حالة من البلبلة والاضطراب فى الدولة المصرية، وأعتقد أنه يجب الإسراع فى إصدار القوانين، خاصة ما يتعلق منها بالملف الإعلامى، الذى أصبح مستباحا لكل من هب ودب ولم تعد هناك أى معايير مهنية أو أخلاقية أو معرفية، وأصبح المشهد العبثى هو سيد الموقف، حتى أصبحت الصحافة مهنة من لا مهنة له، نتيجة عدم وجود معايير حقيقية، لحصار هذه العشوائيات الإعلامية، والأفراد الذين يعملون على زلزلة الاستقرار الداخلى، وخلق حالة من الرفض الشعبى، مستغلين مناخ الحريات، وضربها فى مقتل.

وأشدد مرة ثانية على أنه يجب الاستماع للجماعة الصحفية، بكل أيدلوجياتها وتوجهاتها، كما نص الدستور، على ضرورة الاستماع لأصحاب الرأى  والمهنة، للخروج من هذا المأزق العبثى.

ولكن ما يجرى للأسف الشديد يدعو إلى مزيد من البلبلة لأن الجماعة الصحفية والإعلامية كانت متفقة مع الحكومة بعد ماراثون طويل امتد لعامين، على إصدار تشريع مكتمل صحفيا وإعلاميا بغض النظر عن قانون الهيئات أولاً أم قانون تنظيم العمل الصحفى، فالمهم أن يخرج هذا المنتج الإعلامى متوافقا مع مواد الدستور، خاليا من أى مواد سالبة للحريات خاصة فى قضايا النشر والتعبير، فلا يمكن بأى حال أن يتم حبس صحفى أو إعلامى بسبب ممارسته لعمله، وهذا بالطبع بالتوازى مع تطبيق كل مواد القانون على أى صحفى بعيدا عن قضايا الرأى والنشر والحريات.

فلذلك تعتبر سرعة إصدار التشريعات الإعلامية، سواء قانون الهيئات أو قانون تنظيم العمل الصحفى، وإلغاء الحبس فى  قضايا النشر، هى الإنجاز الحقيقى لهذا القانون، مع ضرورة الاستماع لكل الآراء المؤيدة والمعارضة، لأنه فى النهاية قانون يعبر عن الرأى العام فى مصر وليس مجموعة فئوية بعينها.

أعتقد أننا إذا حققنا ذلك، فإننا أمام البداية الحقيقية نحو ضبط المشهد الإعلامى والإعلانى فى مصر، والتى تأخرت كثيرا، لأن هذا الملف الاستراتيجى مهم جدا للحفاظ على الأمن القومى المصرى، ولا يمكن بحال من الأحوال ألا تملك مصر رائدة الفكر بمثقفيها ومفكريها وأدبائها الذين علموا المنطقة بأسرها، قناة واحدة حتى الآن تتواصل من خلالها مع العالم الخارجى لإيضاح الحقائق ومنع البعض من خلط الأوراق وتشويه الدولة واللعب بورقة الحريات وحقوق الإنسان.. الواقع أن هذه إدانة لنا جميعا، كجماعة صحفية وإعلامية، نتيجة عدم اتفاقنا واتحادنا للتصدى للمخططات الداخلية والخارجية، لأن الآلة الإعلامية أصبحت أقوى من الآلة العسكرية.

القضية إذًا ليست فى إصدار القوانين فحسب، فكم من قوانين صدرت ولم تطبق؟! المهم هو وضع آليات لتطبيق هذه القوانين وتنفيذها على أرض الواقع، لضبط المشهد الإعلامى فى وسائل الإعلام المختلفة، سواء المرئية أو المطبوعة أو الرقمية، لأن هناك أدوات تحاول ضرب الدولة المصرية فى  مقتل وتشويه المؤسسة العسكرية، وحتى القضاء المصرى الشامخ لم يسلم، ويتم إعداد فيلم تسجيلى من خلال ما يسمى الجزيرة، لمحاولة تشويه القضاء المصرى ذى التاريخ الأقدم من الإمارة صاحبة القناة.

ويجب علينا أن نواجه السؤال الصعب: لماذا نجحت إمارة قطر، عبر قناة واحدة بالتواجد فى كل دول العالم، رغم أن هذه القناة هى الذراع الإعلامية للتنظيم الدولى للإخوان المسلمين، وكل دورها العمل على إسقاط الدولة المصرية؟ بالإضافة إلى أنهم يعدون حاليا لشراء مؤسسات صحفية وإعلامية فى الخارج، خاصة فى لندن وأمريكا، للعمل على حصار الدولة المصرية وخلق أزمات مستمرة تشتت جهود مصر فى الإصلاح والتقدم.

كل هذا يجرى ونحن ما زلنا نختلف على مشروع الهيئات الإعلامية أولا أم تنظيم الصحافة أم الإعلام الموحد.. والقضية أشمل وأعمق من هذا بكثير، وتحتاج للتجرد، والاعتراف بأننا فشلنا فى المرحلة السابقة فى إعداد كوادر صحفية وإعلامية وقنوات تخاطب الرأى العام العالمى، وتتصدى لأكاذيب التنظيم الدولى وأردوغان وأمريكا.

ولا شك أن إسرائيل تلعب فى هذا الملف بكامل ثقلها بدعم قناة الجزيرة التى يديرها لوبى صهيونى يحاول جعل مصر بلدا مضطربا ويخلق حالة عامة من الغضب الشعبى وعمل حصار إعلامى وتخريب اقتصادى ونشر الشائعات، حتى لا تعرف مصر للتقدم طريقا بعد ثورتين دفعت فيهما الغالى  والنفيس.

دعونا نعترف بأننا كلنا مقصرون فى هذا الملف وفى إدارة المنظومة الإعلامية، لأن كل واحد يبحث عن دور لتحقيق مصلحة شخصية أو أجندة إعلامية على حساب الثوابت الوطنية والشعب المصرى العظيم الذى يدفع فاتورة الفساد الإعلامى والإداري. إن المصلحة العليا للبلاد يجب أن تعلو على أى مصالح أخرى شخصية ضيقة لشخص هنا أو شخص هناك مهما كانت المسميات أو طبيعة هؤلاء الأشخاص.