جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

اسامة شرشر يكتب : البرلمان ينتصر للمواطنة فى قانون الكنائس

-

برلمان وراء برلمان، ولم يجرؤ أحدها على مناقشة قانون يحسم الجدل حول بناء الكنائس وينتصر للمواطنة، لكن مجلس النواب الحالى فعلها وقرر الانتصار للمواطنة مهما كانت الأبواق الرافضة من دعاة الإرهاب والفتنة.  وفى اعتقادى أن اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى بهذا الموضوع ووقوفه وراء البرلمان لمناقشته قبل انتهاء دور الانعقاد الأول كان قوة دفع رئاسية أحيت الموضوع ومنحته زخماً خاصاً، فهذا الموضوع لم تقترب منه حكومة منذ تقرير لجنة تقصى الحقائق فى أحداث الزاوية الحمراء التى ترأسها الفقيه الدستورى الدكتور جمال العطيفى، وكيل مجلس الشعب الأسبق، والذى قال وقتها: «إن ما يجرى من مناوشات طائفية أحياناً فى مصر سببه عدم تطبيق الدستور» مضيفاً: «إن المساواة فى الحقوق والواجبات بلا تمييز بين المواطنين هى العامل الأول لتحقيق المواطنة المصرية، هذا بالإضافة إلى ما ورثناه عن الأتراك ما يسمى الخط الهمايونى»، والتشريع الجديد بمواده التسع انتصار للمواد، فقد استبعد الداخلية من الملف، على أن تكون هناك جهة واحدة هى التى تصدر تراخيص بناء وترميم الكنائس بالتنسيق مع الكنيسة الأم.

وإذا كان النائب المحترم جمال العطيفى وضع يده على المشكلة الحقيقية وهى عدم تفعيل الدستور والقانون، فإنه لم تجرؤ أى حكومة أو برلمان على الأخذ برأيه، ولو حدث وأخذوا برأيه لما رأينا استغلال ورقة الأقباط والترويج لفكرة التفرقة الدينية ومحاولة تشويه صورة مصر.

ودعونا نعترف بأمانة مهنية بأن نظام مبارك لعب بهذه الورقة لأقصى درجة ممكنة، فمرة يعطى تفويضاً للمحافظين لترميم الكنائس على الورق كما حدث فى عام 1989، ومرة يصدر قراراً بأن بناء الكنائس يكون بموافقة رئيس الجمهورية سنة 1999.

وكانت الأجهزة فى ذلك الوقت تضغط باستخدام ورقة الأقباط وترميم الكنائس أو بناء كنائس جديدة، لأن عقول المسئولين وقتها كانت تحتاج إلى ترميم.. وهذه هى القضية الأخطر أنه لا يمكن الاتجار بورقة الدين سياسياً كما يفعل بعض أقباط المهجر، خصوصا فى أمريكا، من الترويج لفكرة اضطهاد المسيحيين بمصر، وهو أمر غير حقيقى.

ولقد طالبت أثناء مناقشة قانون تنظيم بناء وترميم الكنائس بضرورة الاستماع لرأى الكنيسة المصرية وتطبيق مبدأ المواطنة، وإعطاء الأقباط الحق فى بناء وترميم كنائسهم، من خلال جهة واحدة حتى لا يقعوا تحت وطأة التعذيب الإدارى والتراخيص الوهمية والقرارات التى لا تساوى ثمن الحبر الذى كتبت به.

 وطالبت بحذف المادة الثانية من القانون التى تحدد مساحة الكنيسة المبنية حسب تعداد المسيحيين فى المنطقة الواحدة، وفهذا ظلم بيّن لأنه لا بد من مساواة الجامع بالكنيسة، لأننا جميعا مصريون ولا فرق بين مصرى ومصرى.

ولكن لا تزال هناك عقول تستدعى الماضى بكل سيئاته وكوارثه الإدارية والتنفيذية وتحاول وضع حواجز وقيود وعراقيل ضد بناء الكنائس، لكن هذا القانون رد على كل المشككين فى الداخل والخارج، وهو يؤكد بلا جدال أن الدستور المصرى يحترم المواطنين المصريين بكل طوائفهم، ويحترم كل العقائد السماوية، بلا تمييز أو تقييد.

ناهيك عن أن الرئيس عبدالفتاح السيسى سيزور نيويورك فى سبتمبر القادم، وأخشى استغلال بعض أقباط المهجر هذه القضية والمتاجرة بها، لذا حسناً أنه تم إصدار القانون ليكون أبلغ رد عملى بأن مصر تحترم المواثيق والمعاهدات فيما يتعلق بالعبادات وحقوق الإنسان.

لذلك فإن قانون تنظيم بناء وترميم الكنائس هو إضافة قوية للبرلمان المصرى والدولة المصرية ورد على المتاجرين بالأقباط فى الداخل والخارج، والذين يحاولون تشويه صورة مصر فى المحافل الدولية.

ويجب أن نعترف بأنه منذ 60 عاماً لم يجرؤ حاكم على أن يقترب من هذه القضية الشائكة وهذا القانون الخطير، ولكن اليوم فى برلمان الثورة استطاعت الدولة المصرية والنظام أن يرسلا هذا القانون للبرلمان لمناقشته فى اللجان النوعية التى كانت ساحة للرأى والرأى الآخر، بمنتهى القوة. والظاهرة الخطيرة أن النواب كانوا جميعاً تقريباً فى صف المواطنة وعدم التمييز، والسماح ببناء الكنائس وإعطاء تراخيص الترميم، وهذه هى مصر، وصورتها البهية المتمثلة فى الوحدة الوطنية، بعيداً عن الأقوال والأحضان التلفزيونية، والأهم احترام حقوق الجميع فى العبادات والطقوس الدينية الذى يمثل انتصاراً لا يقبل الجدال لدولة المواطنة .