جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

اسامة شرشر يكتب: حكاية «هيكل» و«الحسين»

-

فى «الحسين» ولد ومن «الحسين» غادر إلى مثواه الأخير.. عبارة تلخص مسيرة هيكل.. الرجل الذى ملأ الدنيا وشغل الناس وظل ممسكاً ببوصلة العالم حتى الرمق الأخير من حياته ليعلن للمحيطين به أنه وصل لنهاية الرحلة.. لم يكن الكاتب والمفكر الكبير والجورنالجى البصمة فى تاريخ المهنة محمد حسنين هيكل مجرد كاتب أو مفكر أو حتى سياسى.. لكنه كان حياة صحفية حتى اللحظة الأخيرة من عمره.. يستقبله الرؤساء والملوك كرئيس وملك.. عندما كان يكتب ينتظر الجميع ما يكتبه، وعندما ترك الكتابة أصبح الشاغل الأكبر لزعماء العالم فيم يفكر.. ليس سراً أنه كان فاعلاً فى مجريات الأحداث، ليس فقط فى ظل ثورة 52 ورفقة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، لكنه كان فاعلاً أيضاً خلال ثورة 25 يناير.. كان أول من صرخ فى مواجهة القانون 93 لسنة 95 بالعبارة الخالدة «هذه سلطة شاخت فى مقاعدها وفقدت مصداقيتها»، وكان أول من نبه وحذر من مخطط توريث جمال مبارك.. كان يملك ذكاء حاداً، وذاكرة قوية نادرة، وثقافة متفردة، ومهنية عالية، وقدرة عظيمة على الجذب جعلته يحلق فى سماء النجومية.

كما ولد وتربى فى حى الحسين كانت مغادرته لمثواه الأخير  الأربعاء 17 فبراير فى نعش من مسجد الحسين أيضاً إلى مقابر الأسرة بمصر الجديدة، فى دلالة روحية صبغت محياه ومماته كواحد من قلائل اجتمعت فيهم هذه الخصال، حتى ملأت شهرته الآفاق حياً وميتاً، لما تركه من آثار فى مقالات كتبها وكتب ألفها، وحوارات وأحاديث أدلى بها.
فقد كان «صندوق أسرار الزعماء» الذى انطلق من بوابة الصحافة، محققاً فى مقتبل عمره الصحفى إنجازات صحفية كبيرة يحلم بتحقيقها كل عامل فى هذا المجال، حتى صار هيكل اسماً يجذب القراء لمتابعة ما يكتبه.
شاب موهوب التقطه عبدالناصر، زعيم مصر، وقربه منه ليكون عقلاً يُصدر الآراء والمقترحات مع ملازمة الزعماء.. تربع هيكل على القمة كرأس مفكر لا غنى لمن يقود مصر عنه.
قال عنه أنتونى نانتج، وزير الدولة البريطانى السابق للشئون الخارجية: «إن هيكل حين كان قرب القمة كان الجميع يهتمون بما يعرفه، وعندما ابتعد عن القمة تحول اهتمام الكل إلى ما يفكر فيه».
حاور هيكل أغلب الرموز السياسية والثقافية والفكرية فى القرن العشرين، كألبرت أينشتاين، والقائد البريطانى مارشال برنارد مونتجمرى، والزعيم الهندى جواهر لال نهرو.
هو شاهد على العصر، والعصر شاهد عليه.. كان خزينة أسرار كشف بعضها ورحل معه بعضها الآخر.. حمل ألقاباً عديدة مثل «صديق الحكام» و«صانع الرؤساء» و«مؤرخ تاريخ مصر الحديث» و«الأقرب للرئيس جمال عبدالناصر» و«الصحفى الأوحد»، لكنه ظل فوق كل هذه الألقاب.. يدلى بدلوه فى كل الأحداث المهمة التى شهدها الوطن العربى بما فى ذلك «الربيع العربى»، طالب بفرصة للإخوان ليحكم الناس عليهم، ثم سرعان ما وقف ضد حكمهم محذراً من خطرهم. 
وكان مؤيداً لترشح السيسى لمنصب رئيس الجمهورية، معتبراً إياه رجل المرحلة، معللاً ذلك بأنه يمثل المؤسسة القوية والأكثر تنظيماً، فى إشارة منه إلى الجيش. 
كانت خزائن أسرار هيكل تمتلئ، وكان يفرغ منها ما يستطيع؛ بحسب ما يراه هو مناسباً لأن يذاع للناس؛ لكن المؤكد أنه لم يفرغ كل أسراره وأن خزائنه مليئة بالوثائق التى لا يعرف أحد ماذا سيكون مصيرها؟
من «الحسين» جاء، ومن «الحسين» ذهب لمثواه، وما بين المجىء والذهاب مسيرة حياة لصحفى من طراز فريد لن ينساه التاريخ.. التاريخ الذى كان مع الجغرافيا هما كل حياته وسر بصماته على الورق، وعلى الشاشة، وفى دهاليز الحكم.