جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: لا لشخصنة برلمان الشعب

أسامة شرشر
-

 
لابد أن نعترف ونقر أن انتخابات مجلس النواب المصري كانت أنزه انتخابات في تاريخ مصر القديم والحديث، لسبب بسيط أنها خضعت للإشراف القضائي الكامل من قبل قضاة مصر الشرفاء، وعدم التدخل الحكومي لا من قريب ولا من بعيد ووقوف أجهزة الشرطة والأمن على مسافة واحدة من المرشحين، كل ذلك جعلنا نفتخر ونتباهي أن هذه نقطة البداية وأول شرارة في طريق بناء مصر الديمقراطية على الطريقة المصرية.
ورغم محاولات الإعلام الغربي الشماتة في نتائج المرحلة الاولى ونسبة الإقبال على الصناديق الانتخابية، إلا أن الشعب المصري وجه لطمة للآلة الإعلامية الغربية، بزيادة نسبة الاقبال في انتخابات المرحلة الثانية، وأتحدث بالأرقام والحقائق عن دائرتي، فالسيدات والشباب والرجال والأخوة المسيحيون وذوو الاحتياجات الخاصة في منوف وسرس الليان سجلوا أعلى نسبة مشاركة في الانتخابات البرلمانية على مستوى الجمهورية، وصلت إلى ٤٧ بالمائة ، والارقام لا تكذب ولا تتجمل ، وهذه هي إحدى العلامات المضيئة رغم سطوة المال السياسي لكن وعي أبناء سرس الليان ومنوف كان لهم بالمرصاد .
ودعونا نحلل المشهد الانتخابي أو المسرح السياسي في مصر.. فلقد نجح الشعب المصري بفضل قواته المسلحة خير أجناد الأرض ورجال الشرطة الشرفاء في تأمين أخطر انتخابات برلمانية في ظل ظروف استثنائية ووسط ادعاءات من التنظيم الدولي للاخوان والجماعات الإرهابية وأردوغان أن الاستحقاق الثالث لخارطة الشعب المصري لن يكتمل، كما التحمت إرادة الشعب المصري وقواته المسلحة ورجال الشرطة البواسل ورجال القضاء والعدالة في الأرض ليلقنوا معا الأمريكان والإخوان وأردوغان وتميم درسًا جديدًا، وليثبتوا لهم أنهم لا يدركون ولا يعرفون جينات وشفرات الشعب المصري الذي حير العالم في ثورتين متتاليتين، فهو يحمل بداخله كل التناقضات ، ولكن يظهر معدنه النفيس والأصيل في الأزمات عندما تحاول أي قوى أن تقترب من حدود وتراب هذا الوطن ، لأن غباء أوباما مازال مستمرا عندما سقط مشروعه الإسلامي في محاولة أسلمة مصر لصالح فصيل الإخوان الإرهابي مع تقديم كل الضمانات المشروعة وغير المشروعة لإسرائيل حتى على حساب التراب المصري والفلسطيني ، فأراد اوباما بعد فشله في نشر فوضى الارهاب في مصر، أن يحدث فوضى برلمانية من خلال ادواته ورجاله المدعومين والموالين بالطاعة للبيت الأبيض، وأن يحقق نوعا من الشلل البرلماني والفوضى السياسية بعدم تشكيل حكومة جديدة في مصر لإحداث نوع من الفراغ الدستوري والتشريعي والسياسي في مصر، ومن هنا تحدث الفوضى البرلمانية وتدخل مصر في نفق الاختلاف والخلاف السياسي على الطريقة اللبنانية لأن بعض الأحزاب المتطرفة المحسوبة على الأجندة الأمريكية كانت تدعي أنها ستحقق اغلبية في البرلمان وتدخل في صدام وصراع مع الرئيس السيسي شخصيًا.
ودعونا نقولها صريحةً، إن الهدف الاستراتيجي- بعد التكتيكي- هو إسقاط الدولة المصرية، ولكن خاب مخططهم نتيجة وعي هذا الشعب اللغز الذي أسقط المخطط الفوضوي البرلماني الأمريكي للمرة الثانية بعد ان فشل في إنشاء الإمارة الإسلامية في سيناء.

النقطة الثانية والهامة أن بعض السادة النواب  المحترمين الذين فازوا في انتخابات مجلس النواب أرادوا ان يشخصنوا البرلمان ويفتعلوا أزمة بلا أزمة، بعد اختيار الأمين العام لمجلس النواب المستشار الكفء أحمد سعد، خلفًا للواء خالد الصدر الذي لا يشكك نائب في وطنيته وإخلاصه ودوره الهام في إحداث نقلة نوعية في دولاب العمل البرلماني.
ولأن القضية التي أثارها بعض النواب، هي قضية في الأساس إدارية بحتة، فقد أخذ المزايدون يدفعون النواب في الاتجاه المعاكس ويرددون شعارات فقدت مصداقيتها لدى الرأي العام الذي يتابع عن قرب وبذكاء وبوعي شديد، ويعرف أنه لا توغل على الاطلاق للسلطة التنفيذية "الحكومة" على السلطة التشريعية "البرلمان" لأنه ببساطة شديدة وبعيدً عن التنظيرات والكلمات الكبيرة لا أحد يستطيع أن يتغول على السلطة التشريعية لسبب بسيط ان السلطة التشريعية هي التي تراقب وتحاسب وتستجوب السلطة التنفيذية وتسقط الحكومة والوزراء.
فهناك قاعدة فلسفية تقول "نفي النفي إثبات" ، بمعنى أن السلطة التنفيذية لا يمكن بحال من الاحوال أن تقترب من السلطة التشريعية لكن العكس صحيح بالدستور والقانون ، وليست الفكرة استعراض حناجر وعضلات سياسية وأشخاص يحاولون أن يلعبوا دورًا.. وقاعة البرلمان ستكون شاهدة والمضابط ستُسجِّل، من يدافع عن قضايا الوطن وأمنه القومي والعربي ، وقضايا المواطنين الذين ينتظرون هذا البرلمان منذ خمس سنوات  بعد أن ضاقت بهم كل السبل حتى اختاروا لنا برلمانا يعتبر برلمانًا للتحدي ولا أدعي أنه برلمان للحرب.
وكنت أتوقع كنائب في أول برلمان بعد سقوط حكم الاخوان واول برلمان بعد ثورة ٣٠ يونيو وحكم الرئيس السيسي- الذي لا يزايد عليه أحد في وطنيته وعشقه لتراب الوطن- ألا يتقرب منه أحد على الطريقة المباركية بالتملق والنفاق والمطالبة بتعديل بعض مواد الدستور وخاصة المادة المتعلقة بمد فترة حكم الرئيس من ٤سنوات إلى ٦ سنوات، فهذا نرفضه وكذلك الرئيس السيسي يرفضه لأن ذلك ببساطة شديدة حق يراد به باطل، ومصر بها من النماذج الوطنية والقامات الشامخة ما يغنينا عن هذه المزايدة والمرض السياسي للنخب السياسية الفاشلة والأحزاب التي اسقطها الشعب المصري.
وإنني أنبه وأحذر من هؤلاء الذين يريدون تكوين حزب سياسي داعم للرئيس السيسي، على طريقة الحزب الوطني المنحل الذي أسقطه الشعب المصري وحرق مقره وسجن رموزه، فيكفي الرئيس السيسي فخرًا أن معه أكبر حزب سياسي في العالم وهو ظهيره الشعبي من كل طوائف وفئات الشعب المصري العظيم.
فالذين يحاولون أن يخندقوا الرئيس هم أول من يريدون أن يؤثروا سلبًا على شعبية الرئيس ورصيده الوطني في قلوب الشعب المصري بل ولا أبالغ في قلوب الشعب العربي.
ودعونا نحلل ببساطة بعيدًا عن التنظيرات الأيديولوجية داخل الغرف المغلقة ، ففي أعتى الدول الديمقراطية مثل إنجلترا وأمريكا وفرنسا وألمانيا يكون الصراع في الانتخابات الرئاسية بين أكبر حزبين في الدولة، ولكن الطريقة المصرية طريقة فريدة واستثنائية.
فالسيسي ترشح للانتخابات الرئاسية في مصر بدون حزب سياسي ولا آلة اعلامية مؤثرة ، وخاض الانتخابات ليكون حزبه الحقيقي هو الشعب المصري بكل مفرداته وأطيافه السياسية والشعبية والاجتماعية، وضرب النظرية الديمقراطية الغربية في مقتل عندما لم يعتمد على حزب سياسي كعادة الانتخابات في كل دول العالم، وكانت أنزه انتخابات رئاسية بشهادة المراقبين الدوليين والإقليميين والمنظمات العالمية والمجتمع المدني بل بشهادة الأعداء قبل الاصدقاء، لأن الشفافية وثقافة إحترام الرأي الآخر هي القاسم المشترك في هذه الانتخابات.
فلذلك نحن نحذر من محاولة البعض شخصنة البرلمان لأنه ستحدث مفاجآت من العيار الثقيل وسيتم اكتشاف نجوم وكفاءات جديدة تحت قبة البرلمان لم يسمع عنها أحد من قبل، وسيقوم هؤلاء بكشف المدّعين الجدد والأبواق التي تعمل لحساب أجندات داخلية وخارجية، فهذه الأدوات باتت مكشوفة ومعلومة ومرفوضة لدى الرأي العام المصري، لأن لعبة بث الشائعات والتضليل والمعلومات الكاذبة هي الحرب القادمة مع هذه الأدوات الجديدة والقديمة في نفس الوقت، بعيدا عن التنظيمات الإرهابية وشراء الذمم والنفوس المريضة.. فمصر تمصّر غيرها ولا تتغير أيها السادة الأغبياء، والشعب المصري لن يرحم أحدًا يتاجر بمعاناته وأمنه ووطنه مهما كانت النتائج.
وكما قال نابليون بونابرت عندما دخل مصر غازيا ووجد الشعب يشرب النرجيلة ، " هذا الشعب إما أنه لا يبالي، وإما سينتفض للحفاظ على وطنه وكرامته"...وكان الإحتمال الثاني هو الواقع، فظهرت مقولته التي تدرس "أعطني شعبا مثل الشعب المصري ..أستطيع ان احكم العالم ".