جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: السيسى يبدأ محاكمة الفاسدين

-

كان قرار الرئيس السيسى بأنه لن يسمح لفاسد أن يستمر فى موقعه، وإصدار تعليماته بسرعة القبض على صلاح هلال، وزير الزراعة، من خلال الأجهزة الرقابية- قرارا قويا وجريئا، وله مردود السحر على الشارع المصرى المتعطش لمحاسبة هؤلاء الفاسدين.
 وبدأ السيسى بالفعل فى ضرب الفاسدين والمفسدين الذين باعوا ضمائرهم وفرطوا فى أرض الوطن وجاروا على حق الشعب المصرى، وتربحوا وربحوا مليارات الجنيهات على حساب صحة المصريين الذين ضربهم الفشل الكبدى والفشل الكلوى ولم يجدوا حتى ثمنا للعلاج ولم تقم الدولة فى العهد السابق بعلاجهم، ناهيك عن كل المشاكل المتراكمة فى التعليم والبحث العلمى.

الطامة الكبرى وهى أم الجرائم ما يجرى فى أسوأ جهاز بيروقراطى فى تاريخ البشرية داخل وحدات الإدارة المحلية، التى أصبحت مأوى للفساد الممنهج والمنظم، والذى أصبح يتفنن فى تعذيب المواطنين على مستوى الجمهورية، وأصبح ملايين الفقراء يتعاملون مع أسوأ جهاز بيروقراطى فى العالم، والذى أصبح لا يعمل إلا بالرشوة والفساد، بل تمادوا فى استخدام طرق جديدة لتعذيب المواطنين من خلال مافيا الأوراق والمكاتبات الحكومية. 
إن أى دولة يقاس تقدمها بما يتم من خدمات حقيقية وفاعلة للمواطن من خلال الوحدات المحلية التى أصبحت تحتاج لثورة إدارية لإسقاط ترسانة القوانين العفنة التى يتاجرون بها على حساب فقراء هذا الشعب، لأن هذه الجهات بينها اتفاقية شرف اللصوص، وأصبحت شبكة عنكبوتية تحكم مصر فعليا، وأصبح الشعب يصرخ من خلال معاناته فى الحصول على أبسط حقوقه، وأكبر دليل على ما وصلت إليه هذه الشبكة العنكبوتية من فساد، هو تلال القمامة التى تملأ شوارع مصر من أقصاها إلى أدناها والتى تعكس صورة صارخة وواقعية للفساد والمفسدين، الذين يتاجرون بآمال وآلام المواطنين. 
ناهيك عن استغلال أراضى الدولة وأخذها من الحكومة بمئات الجنيهاـت، وبيعها بالمليارات، حتى أصبح هؤلاء الفاسدون يمثلون النخب الفاسدة وشبكة المصالح الخطيرة، وأصبحت لهم أدواتهم ورجالهم فى البرلمان وفى كل قطاعات الدولة الفاعلة. 
كانت الضربة الأولى لهذه الشبكة منذ أيام بالقبض على وزير الزراعة صلاح هلال فى ميدان التحرير، وكأن الميدان أصبح موعودا وشاهدا على فساد هذا الوزير الذى جاء من المجهول السياسى ليتحكم فى أراضى مصر ويبيعها لشبكة  الفاسدين، وسيتوالى سقوط هذه الشبكات فى الأيام القادمة، وسيعلم الشعب المصرى كم دفع ثمنا غاليا من معاناته وعدم حصوله على الحد الأدنى من الحياة الكريمة نتيجة جشع هذه النخب الفاسدة والمفسدة. 
هلال لم يكن الأول ولن يكون الأخير، ولكن سيتبعه مليون هلال آخر، ولكنهم سيسقطون جميعا، فقط بدأت ثورة التصحيح التى يقودها الرئيس السيسى على هؤلاء الخونة الجدد الذين باعوا ضمائرهم وأخذوا حقوقا ليست لهم، وخلف الرئيس يوجد الشعب الذى يريد محاكمة الفاسدين بشكل عملى، لأن ثغرات القانون تعطى حصانة لهؤلاء بأن يخرجوا من هذه القضايا الضاربة بجذورها فى مستنقع الفساد. 
ولا نستبعد ونحن على أبواب انتخابات مجلس النواب أن نجد أشكالا وأسماء فى كل محافظات مصر تمثل هلالاً جديدا فى سماء الحياة الحزبية لمحاولة اقتناص الحصانة البرلمانية لحماية مصالحهم والتربح على حساب الوطن والمواطن المصرى الذى أصبح خارج الخدمة أكثر من 30 عامًا، إلا أننى على يقين بأن الأجهزة الرقابية ستكون لهم بالمرصاد، كما فعلت منذ أيام، ففى سابقة هى الأولى من نوعها فى تاريخ مصر، تقوم الرقابة بالقبض على وزير بالحكومة المصرية عند خروجه من مجلس الوزراء ولم تنتظر حتى وصوله لمكتبه، ليكون عبرة للجميع، ولتكون هذه رسالة قوية من الرئيس عبدالفتاح السيسى بعد عودته من رحلته الناجحة لجنوب شرق آسيا، أن المواطن المصرى هو همه الأول والأخير سواء كان فى الخارج أو فى الداخل. 
وقد علمت أثناء تواجدى فى موسكو أن الرئيس بوتين جمع أباطرة رجال الأعمال الروس فى مكتبه وهددهم بفتح ملفاتهم الضريبية إذا لم يقوموا بالتبرع من أموالهم لصالح الشعب واستجاب الجميع.. ونحن نطالب الرئيس السيسى بأن يقوم بإصدار رسالة قوية لرجال الأعمال الذين يريدون السيطرة على البرلمان القادم بأموالهم، والذين قاموا بشراء نواب بملايين الجنيهات، بأن يتم تهديدهم بفتح ملفاتهم إذا لم يتوقفوا عن عدم المساهمة فى صناديق إعادة بناء مصر وإرجاع جزء من هذه الأموال للشعب المصرى، فيبدو أن هذه هى الوسيلة الوحيدة للتعامل مع هؤلاء الفاسدين الجدد الذين يستغلون كل الثغرات لتحقيق مآربهم، وللأسف الشديد يدّعون أنهم يحترمون القانون، بل وصل الأمر أنهم يتباكون على الذين يخترقون القانون. 
ولأننا كنا نعيش فى زمن اللا معقول وكنا فى غياب تام عن دولة القانون قولا وفعلا وتنفيذا، كان كل شىء مباحا حتى سرقة أراضى الوطن بالقانون، فهناك مئات المليارات من الجنيهات التى هى حق أصيل لهذا الشعب، سرقها هؤلاء المفسدون فى الأرض.. بل تعالوا نعد لآخر تصريحات وزير الزراعة صلاح هلال وهو يقول "لابد من إعادة حق الدولة فى أراضيها بدلا من إقامة المنتجعات وحمامات السباحة على أراضى الدولة" وأنا لن أعلق بل سأترك للقارئ الذكى النبيه التعليق على هذه الفوضى من التصريحات التى تخزى والتى ستكون سببا رئيسيا فى ثورة هذا الشعب على هؤلاء الفسدة. 
وفى غياب البرلمان والمجالس المحلية بعد 2010 أصبح البلد مزادا للناهبين والآكلين على كل الموائد السياسية، الذين أصبحوا بالقانون يخترقون القانون، والجريمة الكبرى أنهم أصبحوا يمتلكون قنوات فضائية وصحفا يومية لتحقيق أهدافهم وهى مزيد من سرطان الثروة والنفوذ لخدمة مصالحهم وأهدافهم الشيطانية، بل وصل بهم الأمر إلى حد أنهم يقومون بشراء المرشحين لمجلس النواب القادم، وهذه جريمة أخرى فى هذا الزمن العجيب. 
إن هؤلاء بكل المقاييس والمعايير الأخلاقية والإنسانية والقانونية أفسدوا الحياة الإنسانية والقانونية والنيابية فى مصر، بل أصبحوا فى غفلة من الزمان يمثلون نواب الأمة وضميرها.. فقضية هلال ستكون أول إعلان عن محاكمة جيوش الفساد التى تتربص بالوطن والمواطن، وأعتقد أن رسالة السيسى لرجال الأعمال قد وصلت.