جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

بلاغ للرئيس.. الصحافة فى خطر

-

من مأثورات «برنارد شو» في أمراض المجتمع أن خلاص البشرية معلق على شيئين : المال والبارود.

ولأن قطار التطور في أي أمة لا يهمه عدد العربات ولكن المهم هو الماكينة التي تحرك الوعي والفكر والإبداع.

وهناك رجل يصنع نفسه وآخر يصنع المجتمع، ورجل يصنع التاريخ، ولكن لصوص هذا الزمن أصبح لهم منطق، فمكاسبهم معفاة من الضرائب ..بل أصبحوا لصوص الأمر الواقع بمعنى أنهم أصبحوا «لصوص برخصة» ولأن الحروب القادمة تشوه المجتمع وتحرق الرأي العام وتقتل البشر باسم العدالة وحقوق الإنسان والحيوان ولأن إنكار الحريات والخصوصيات إهدار للمسئولية نتيجة فتاوى المدعين الجدد على المنصات الوهمية لأنهم لا يدركون بأن الكفر بحرية المواطن جريمة أبشع من القتل.

تذكرت هذا ونحن في لقاء في بيت الصحفيين يجمع بين رؤساء التحرير ومجلس النقابة لمواجهة ظاهرة كثرة البلاغات والاتهامات في قضايا النشر التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الوصول للحبس، في غياب تام لقانون تبادل المعلومات الذي بح صوتنا من أجله من خلال مجالس النقابة المتتالية عبر السنوات، لكن غابت التشريعات الصحفية التي تفصل بين الحبس الاحتياطي والكفالة من خلال قانون العقوبات الذي ألغى الحبس الاحتياطي في قضايا النشر، وأصبحت القضية الآن في الكفالات التي يدفعها أعضاء النقابة الصحفية في البلاغات المقدمة ضدهم في قضايا النشر.

وجاءت أزمة جريدة اليوم السابع وسبقها ضبط وإحضار الزميل إبراهيم عارف وقبلها أزمة المصري اليوم، لتفجر ثورة داخل الجماعة الصحفية رافضة هذا التعامل غير المبرر في حصار حرية الصحافة والتعبير في وقت نحن أحوج إليه في التوحد بين الجماعة الصحفية والحكومة أو السلطة في مواجهة الإرهاب الأسود الذي تمارسه الميليشيات الإرهابية.

ونتيجة الصدام غير المبرر في هذا التوقيت بين جهاز الشرطة والصحفيين فإن من يدفع ضريبة هذا الصدام هو الوطن والرأي العام والمستفيد الأول من هذه الأزمات هو جماعة الإخوان الإرهابية التي تجد من أدواتها التي تغذي وتدعم هذا الصدام حتى تخرج لدى الرأي العام العالمي، وتؤكد على أنها ضحية للحكومة المصرية التي تمارس أبشع الأساليب في وأد حرية التعبير والكلمة.

ورغم أن البيان الذي خرج نتيجة اجتماع رؤساء التحرير ومجلس نقابة الصحفيين يؤكد على أهمية احترام القانون والدستور وعدم دفع الكفالات مطلقا فإنه يفتح باب الحوار والتفاوض مع وزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار الذي أصدر قرارا قبل الاجتماع بسحب البلاغات المقدمة ضد الصحفيين.

وهذه بادرة طيبة لحسن نوايا وزارة الداخلية لمحاولة احتواء الأزمة ولكن المطلوب هو وضع أسس ثابتة لا تتغير بتغير الأشخاص بأن نقابة الصحفيين هي صاحبة الحق الأصيل في معاقبة أي صحفي خرج عن ميثاق الشرف الصحفي، وأن قضايا النشر لها طرق كثيرة في معالجتها وتصحيحها ونفيها تجنبا لمواجهة مستقبلية بين صاحبة الجلالة وجهاز الشرطة المنوط به حماية أمن المجتمع والصحفيين كجزء من هذا المجتمع ليس لأن على رأسهم ريشة أو بطحة ولكنهم أمام القانون والدستور متساوون في الحقوق والواجبات.

وأقترح  في غياب مجلس الشعب كسلطة تشريعية - على رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي ليس بصفته فقط حكما بين السلطات ولكن بصفته التشريعية أن يصدر قانونا بفض الاشتباك في هذه الجزئية الخطيرة التي تشوه صورة مصر في الداخل والخارج وإلغاء الكفالات والتهديدات بحبس الصحفيين حتى لا تكون مبررا لجماعات الظلام والمتعاطفين معها لاستغلال هذه الأزمة بين الجماعة الصحفية وجهاز الشرطة لتشويه الوطن وتهديد الأمن القومي للصحفيين والمواطنين.

ورغم هذا المقترح إلا أنه يجب التشديد على مسئولية الكلمة وحدود حرية التعبير التي لا يجب أن تكون رصاصات في صدر الوطن في وقت وظرف تاريخي تمر به البلاد للعبور نحو المستقبل، فتستخدم المعلومات «غير المؤكدة» و»الفرقعات الإعلامية « وحالة النهم أمام السبق الصحفي الزائف لتكون رصاصة يستفيد من نشرها أعداء الوطن ويتاجرون بها أمام المحافل الدولية، وتعطي صورة ذهنية عن اضطراب العلاقة بين حرية الصحافة والنظام.

وهذا يجعلنا نؤكد على ضرورة الإسراع بتفعيل قانون تبادل المعلومات حتى لا نعطي فرصة للآخرين باستغلال هذا الظرف في تشويه صورة مصر، ناهيك عن ضرورة أن تتفهم الحكومة وأي حكومة قادمة أن حرية أي أمة تقاس بمدى حرية الصحافة والتعبير بها لأن الحكومات لا تريد على الإطلاق أن تستمع إلى أي نقد أو اتهام لها وكأنها فوق المساءلة والقانون بالإضافة إلى أنها لا تعطي على الإطلاق أي معلومات حقيقية للصحفيين، وهذا هو مكمن الخطورة والأزمة منذ عشرات السنين.

ويجب على الحكومة  أن تضع في اعتبارها أن مصلحة المواطنين ليست لعبة تتم المزايدة عليها وهذا ما يجعلنا نطالب بحكومة لها حس سياسي ومرجعية فكرية حتى تكون هناك لقاءات وحوارات وتفاهمات حول حرية الصحافة والكلمة المسئولة بعيدا عن التدخل في الخصوصيات لأي مواطن مهما كبر أو صغر لأن حرية المواطن من حرية الوطن، والصحافة وصاحبة الجلالة على مدار عمرها وتاريخها كانت تحافظ على أمن الوطن وتنشر قضايا وهموم ومطالب المواطنين... فالصحافة الحقيقية تعمل لصالح الشعب وتكشف عورات الحكومة.

ولكن أزمتنا الحقيقية أن الحكومة تريد إفساد العلاقة بين الصحافة والنظام وتتدخل فيما يعنيها وما لا يعنيها رغم أن القانون والدستور وضعا كل الضوابط بين مالنا من حقوق معشر الصحفيين وواجباتنا التي حددتها التشرعات لأننا كسحرة فرعون كما كان يردد مرشد الإخوان محمد بديع لكننا صوت الشعب ولسان حال المظلومين في هذا الوطن... فالمطلوب تدخل تشريعي لفض هذه الأزمة وعدم استغلالها وتصعيدها لأنها تخدم أعداء الداخل والخارج.. ورمضان كريم.

 

أسلمة النظام وصراصير أردوغان

أخطر ما في نتيجة الانتخابات البرلمانية في تركيا وعدم حصول حزب العدالة والتنمية الأردوغاني على اللأغلبية المطلقة لتشكيل الحكومة هو كسر احتكار السلطة ومحاولة لأسلمة النظام التركي على الطريقة الأردوغانية، الذي جن جنونه وأصيب بجنون العظمة بعد أن كشفت نتائج الانتخابات البرلمانية أن الشعب التركي له بالمرصاد وأن الدم الأحمر المباح والمباع والمستباح في ميادين التقسيم بتركيا  لن يذهب هدرا رغم تغذيته للدولة القمعية وتطويع القانون والدستور التركي لإعادة عصر الخلافة العثمانية، فصراصير أردوغان أصبحت هي شاغله الأول والأخير وليست حريات التعبير وتكميم الأفواه وغلق الصحف وحبس الصحفيين هي قضيته كحاكم مسئول عن شعبه فأردوغان قام ببناء قصر للخلافة «الحكم» مكون من 1000 غرفة بتكلفة وصلت لأكثر من 500 مليون دولار ويخرج كل يوم يبكي على الحريات ويهاجم مصر في المحافل الدولية والإقليمية وكأنه يستشعر بعد سقوط مرسي ومرشدهم الأعلى أن الدور عليه، فأسلمة تركيا أصبحت هاجسه لكن أصوات الشعب التركي والأكراد كانت له بالمرصاد، فما بين أسلمة النظام وصراصير أردوغان ستشتعل الثورات في تركيا لإنهاء أردوغان وأي أردوغان آخر مقيد للحريات يتوهم بأنه الخليفة المنتظر في الأرض والسماء.