جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: صكوك «الغفران» لـ «25 يناير» !

-
عندما سقطت مدينة غرناطة بعد سنين من التوهج الحضاري والإنساني والمعرفي والإسلامي ، كانت غرناطة رمزا لسقوط العالم العربي والإسلامي في أيدي الطغاة والمستبدين ، وانحصرت أحلامهم بداخلهم بسبب الألة القمعية التي كانت تغتال الأفكار والخواطر والنيات ، واعتقد الكثيرون أن الشعوب العربية استسلمت ورضيت بهذا الذل والقمع وتكميم الحريات والأفواه بحجج أن الكل يطبق عليه القانون ، والقانون منها بريء إلي أن حدثت شبه معجزة قام بها الشعب ، الذي حيرالأعداء قبل الأصدقاء !
واتذكر هنا مقولة نابليون بونابرت عندما دخل الي مصر ووجد الناس يدخنون الأرجيلة ولايقاومون فقال نابليون بونابرت : هذا الشعب وراءه حكاية ! .. فكانت الانتفاضة وإخراج نابليون من قاهرة المعز !
وكانت 25 يناير ، التي هزت العالم لأنها اعتمدت علي عناصر بقائها ، وهوالتوحد بين كل الأطياف والأديان ، وكانت مصرقبلة الجميع بعيدا عن التحالفات والانقسامات والمغانم ، والمكاسب الضيقة للوصول للسلطة فانبهر العالم ووقف ساجدا لهذا الشعب ، الذي ضرب نموذجا للتحضر والوعي بعد إسقاط أقوي نظام قمعي في العالم برئاسة مبارك وحاشيته .
وكان الشعب يتوقع بعد سقوط النظام أن سفينة الوطن ستسير في الاتجاه الصحيح وليس الاتجاه المعاكس ، ولكن حدث مالم يكن يتوقعه أحد فقد تاجر بالسفينة الجميع ، وأصبح الجميع يدعي أنه صاحب الطلقة الأولي في الثورة ، وكان الاحتكارالسياسي والفضائي والثقافي هو السيد ! .

الجميع أراد أن يقدم صكوك الغفران لـ 25 يناير بأنه دفع الثمن من خلال التضحيات والاعتقالات ومواجهة النظام البائد ، لتبحر سفينة الوطن عكس التيار وتصل للقاع ، لتحتاج الي انقاذ حقيقي لها ، بعد أن قادها في لحظة فارقة من تاريخ مصر تيار سياسي أفسدته شهوة السلطة والحكم ، وأراد أن يبسط سيطرته ونفوذه علي كل أركان الدولة ، فقام باستبعاد الشخصيات الوطنية والكفاءات الحقيقية ، وجاء برجال أهل الثقة الذين يفتقدون القدرة علي تسيير أمور بيوتهم ! .. فكيف يسيرون أمور الوطن وهل مصر أصبحت مباحة ومتاحة للجميع !
فهذه الصكوك السياسية التي أصبح ظاهرها إسلاميا وباطنها انتقاميا يمزق سفينة الوطن الي شطرين ، وكل يتوجه حسب قبلته السياسية ، وتكويناته الأيدلوجية ، وحسب رؤية منظريه ، وفي النهاية المواطن والوطن يدفع ثمن عدم التوحد للعبور بمصر والاجيال القادمة الي آفاق حقيقية ! .
ولكن كل المؤشرات والدلائل والوقائع تشير الي أننا نسيرفي الاتجاه المعاكس ، فالاهمال والكسور واللامبالاة ، وعدم قبول الاخر ، والتخوين والشائعات أصبحت إحدي سمات مصر التي لا نعرفها لأن مصرالتي نعرفها كانت عظمتها في عمقها ووحدتها وقبولها للمواطنة والرأي الآخر وهذه كانت سمة أم الدنيا التي كان يهفو إليها الجميع .
واليوم ونحن في مفترق طرق .. مصر الي أين ؟ والوطن إلي أين؟ والسفينة تبحرإلي أين؟ .. كل هذه تساؤلات تدور في عقل المواطن البسيط في الشارع المصري الذي أصبح يكره كل الأشياء ، ..لأن ثورة 25 يناير أدخلته في بئر النسيان والحصول علي لقمة العيش التي لم يجدها حتي الآن !.
الكل يصرخ وينادي بعشق مصر وحبها ، والوطن والشعب بريء من هذا وذاك ، فمصر هي الحل وليس الإسلام ، كما يدعي البعض أنه الحل ، لأن في وسطيتها واعتدالها قمة الايمان ، وكفانا شعارات وكلمات وظهورعلي مسرح الفضائيات ، لنتكلم لمجرد الكلام ويبقي الوطن في حظيرة الإخوان ، ولكن كيف الخلاص ؟ .. الله أعلم ورسوله .