الجمعة 19 أبريل 2024 08:31 صـ 10 شوال 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب : اللهم إنى صائم

«اللهم إنى صائم».. أرددها كثيراً وأنا صائم مع روحانيات الشهر الفضيل الكريم؛ ليس رداً على سبابٍ أو قتالٍ، ولكن حفاظاً على سلامة الصيام من طوفان العشوائيات السياسية التى نراها من حولنا تسعى فى غير حياء لتأكل على كل الموائد السياسية وتتعايش مع كل الأنظمة السياسية، فاقدة كل معانى الإنسانية والوطنية ولا تملك من أمرها شيئاً، لا يعنيها مصالح الوطن ولا المواطن ولا حتى مصلحة النظام السياسى، إنما كل الذى يعنيها نفسها.. تحمى مكاسبها من العهود السابقة ساعية لإضافة المزيد من المكاسب عليها. ومن حسن الحظ أنها نماذج مرصودة من الشعب المصرى الذى يميز هذه العشوائيات بموهبة (الفرز الشعبى) الذى هو سر الجينات السياسية لهذا الشعب.. فالشعب يعرف أن هذه العشوائيات السياسية لا تملك القرار فى بيوتها؛ فكيف تحاول أن تثبت للقيادة السياسية أنها موجودة بالشارع مهيمنة ومتوغلة ومسيطرة وهى فى حقيقة الأمر مرفوضة ويلفظها الجميع؟!

ولا تقتصر العشوائيات السياسية على هذا النوع من البشر، لكن هناك العشوائية السياسية الثانية التى أخرجت فى شهر رمضان  أنيابها، حيث عاد الزواج غير الشرعى المخالف للدستور بين السلطة والثروة، وأصبحت هناك أبواب خلفية لعودة الذين نهبوا الوطن وباعوا الأرض والعرض لتحقيق ثروات طائلة على حساب المواطن الذى يدفع ثمن الفساد والإهمال، فى عدم الحصول على كوب ماء نظيف أو صرف صحى يشعره بإنسانيته.. فعدم وجود صرف صحى فى القرى والنجوع والعزب، التى تعتبر هى الظهير الشعبى الحقيقى للدولة- يمثل جريمة بكل المقاييس والمعايير الإنسانية والسياسية فى حق هذا المواطن العظيم والوطن الذى يتم العبث به من خلال حفنة تتاجر بآلامه وثرواته وأمواله.

أما العشوائية الثالثة التى فرضت نفسها علينا فى رمضان هذا العام ودفعتنى للقول «اللهم إنى صائم» فهى تسريب امتحانات الثانوية العامة، التى تعتبر بالنسبة للطالب المجتهد الذى واصل الليل بالنهار فى المذاكرة قضية أمن قومى لهذا الطالب، فكما قال الله عز وجل ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾، فكيف يتساوى الطلاب الذين يستخدمون وسائل التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعى لأخذ حق ليس لهم عبر تسريب الامتحانات، ليلتحقوا بكلية ليست ثمرة تعبهم، مع الطلاب والطالبات الذين تفوقوا طوال السنوات الدراسية ويريدون أن يشعروا أنهم فى بلد آمن يحافظ على مستقبلهم ويؤكد على تفوقهم وإبداعهم.

ولذلك فإن تسريب الامتحانات هو تسريب ضد العدالة الدراسية والطلابية بل ضد كل المعايير الإنسانية.

كما أن هناك بعدا آخر- وهذا ما يؤرقنا- لهذه التسريبات، وهو تصدير أزمة تسريب امتحانات الثانوية العامة، من خلال مخطط اتفق فيه أعداء الوطن مع الكتائب الإخوانية بالداخل والخارج خاصة فى تركيا، لإرسال رسالة سلبية للعالم أن الطالب المصرى، المشهود له بالكفاءة والإبداع فى العالم، حاصل على شهادة مشكوك فيها، حصل عليها نتيجة الغش والتزوير والتضليل حتى لا يتم الاعتراف بها عالميا.

فلذلك أقترح أن تكون إحدى الجهات السيادية هى المسئولة عن امتحانات الثانوية العامة، لأن أى عمل هام يجب أن يكون عليه مراقبة ومتابعة ورصد، ووضع منظومة مميكنة بسيطة جدا، وهى استخدام «سيرفر» عبر «نت وورك»، ويتلقى أمر الطباعة  للامتحانات داخل اللجنة وبأسماء الطلبة فى كل لجنة، ومن هنا لا تكون هناك أى محاولة لتسريب أى امتحانات، ويجب أن يوضع المسئولون عن وضع الامتحانات تحت المراقبة بدلاً من استخدام الأسلوب العشوائى من خلال المظاريف التى توضع بها الأسئلة ويتداولها العمال والموظفون، مما يفتح باب التسريب.

فلذلك إحكام منظومة ميكنة الأسئلة هو الحل والمخرج الحقيقى لعدم تسريب الامتحانات، مما يعطى رسالة للعالم أن التعليم فى مصر أمن قومى حقيقى للطالب المصرى الذى لا يشكك أحد فى ذكائه وثقافته وإبداعه، والذى من حقه على الدولة أن تحمى جهده وتحقق له منافسة شريفة عادلة فى مجال التعليم بما يعمق العطاء والانتماء للوطن.. اللهم إنى صائم.