الخميس 25 أبريل 2024 10:16 مـ 16 شوال 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

اسامة شرشر يكتب: ازدراء الأديان أم ازدراء الإنسان؟!

فى الفترة الأخيرة زاد استخدام تهمة ازدراء الأديان حتى صارت سيفاً مسلطاً على رقاب الكثيرين فى أمور بعيدة عن العقيدة وثوابت الدين، ولكنها مجرد آراء واجتهادات عرفها الإسلام طوال تاريخه وجرى حولها نقاشات واختلافات دون أن يتم اعتبار هذا النوع من التفكير الذى فى حال خروجه عما هو مألوف ومعروف جريمة من الجرائم؛ فالأديان أكبر وأعظم من فكرة الازدراء التى بها تم حبس شخصيات عديدة كان آخرها إسلام بحيرى، ثم الحكم على فاطمة ناعوت.. وكلاهما قد يكون صدرت عنه آراء صادمة، لكنها لم تكن أبداً من صلب العقيدة أو ثوابت الأديان، وكان يمكن مواجهتها كأفكار بأفكار أخرى تصوبها وتبين خللها وشططها.
كلنا يعلم ويعرف أن تهمة ازدراء الأديان لم تكن موجودة فى القانون المصرى ولا فى التاريخ الإسلامى، ولكنها ظهرت فى قانون العقوبات المصرى عام 1982م بعد اغتيال السادات من خلال المادة 98 التى تقضى بالحبس على من يزدرى الأديان ويتطاول عليها، والتى من خلالها تم حبس «بحيرى» بتهمة ازدراء الأديان، وهى مادة يعارضها كل أهل الإبداع ويتمسَّك بها الأزهر؛ حيث يعتبرها محصِّنة للأديان من التطاول عليها فى ظل سيادة وسائل الإعلام وانتشار مواقع التواصل الاجتماعى.

ولا يتوقف أمر معارضة هذه المادة وتهمة ازدراء الأديان على أهل الرأى والفكر، ولكن هناك شيوخ عديدون يرون أن الرأى  يقابل بالرأى، وهذه طبيعة صراع الإنسان فكرياً.
لقد آن الأوان لنظرة جديدة لتهمة ازدراء الأديان، بحيث لا تكون  سيفاً على تجديد الفكر الدينى وإغلاق باب الاجتهاد والانحرف بمبادئ الدين العظيمة والمتسعة إلى التضييق والغلو والتشدد والتطرف والتكفير.
نحن مع حماية العقيدة وثوابت كل دين، لكن ضد ذلك التوسع والاستسهال فى اعتبار كل اجتهاد أو رأى أو نقد للتراث أنه ازدراء للأديان.


عمتى التى فقدناها

 ليست حكاية ذاتية، ولا نرجسية شخصية، ولكنها سيرة سيدة عاشت وتعايشت فى أبعد وأعمق تفاصيل الحياة، فلم تحصل على مؤهل، ولكنها حصلت على شهادة الدكتوراه من خبرة الأيام والمواقف والأزمات والآلام.
فكانت آخر قنديل زيت على أرض الحقيقة، لأنها كانت وستظل أيقونة عائلة «شرشر» ومخزن أسرار وذكريات، وكان أخطر ما يميزها هو تواصل الأجيال من خلال خبرة وحكمة السنين، لأنها ببساطة شديدة، وبعيداً عن المصطلحات الضخمة واجهت غدر الأيام بوفاة زوجها، وهى فى ريعان شبابها، وترك لها أربعة أولاد أصبحوا يمثلون نماذج ناجحة فى الحياة:مدير عام بقطاع البترول واستشارى للأطفال فى فرنسا والقاهرة، واستشارى نساء وتوليد، ومدرسة ثانوى.
ولعبت منذ أكثر من أربعين عاماً دور الأب والأم فى وقت الألم والشدة بكبرياء وكرامة وعزة نفس شرشرية فى اتخاذ القرار والدفاع عن وجودها المتمثل فى فلذات أكبادها، فصارعت موجات الحياة بكل ثبات وأصالة، وكرمتها «المنوفية» كأفضل أم مثالية، ولم لا؟ فهى سليلة أب كان من أعمدة رجال الأزهر، وخال والدها هو المرحوم صبرى أبوعلم، وعاشت فترة النضج السياسى، ما بين حزب الوفد القديم، والأحرار الدستوريين، وكانت ذكرياتها فى قاهرة المعز ترويها لنا نحن أبناء إخوتها، بكل التفاصيل.
وأذكر ما روته لى عن قصة مجىء الرئيس الراحل السادات وأعضاء من مجلس قيادة الثورة إلى منزل آل شرشر وجامع الأربعين وكان فى استقبالهم اليوزباشى محمد حسين شرشر، أحد الضباط الأحرار، وأصر السادات على إلقاء خطبة الجمعة أمام أكثر من 10 آلاف مواطن فى ذلك الوقت فى وجود الشيخ حسين شرشر، أحد علماء الأزهر والشيخ عبدالعزيز شرشر، عميد المعهد الدينى بمنوف، والشيخ عبدالعظيم شرشر، صاحب مدرسة شرشر «التحرير الآن» بمنوف، والشيخ على شرشر، وذلك فى مارس عام 1953، وأبكى السادات جميع الحاضرين فى المسجد، عندما تحدث السادات عن مقتل الحسين فى كربلاء، وكانت محتفظة بجريدة أخبار اليوم ومجلة آخر ساعة التى تشهد ميلاد ثورة 1952، وعايشت وعاشت تفاصيلها، هذه السيدة التى تحمل فى جيناتها كل أدوات التنوير والعلم، بغزارة وبموضوعية، وكانت متابعة جيدة لكل ما يكتب فى الجرائد، والكتب، وكانت نموذجاً للمرأة المصرية المستنيرة فى ذلك الوقت، التى كانت تتعامل بقوة وكبرياء وكرامة، وكأنها تردد ما قامت به ثورتا يناير ويونيو «عيش.. حرية.. كرامة إنسانية».
هناك محطات كثيرة لهذه السيدة الشريفة، ليس فقط لأنها عمتى التى أفتقدها، ولأنها شقيقة والدى المرحوم محمد أنسى شرشر، أحد رجالات التعليم، الذى كان يجيد الإنجليزية والفرنسية وقبلهما العربية بطلاقة، ولم لا؟ فجامع الأربعين حتى الآن شاهد على أن «مقامات» عائلة شرشر، 21 عالما من علماء الأزهر فى البرزخ الكائن بالمقام الملحق بجـــــامع الأربعــــــين وهو أكــبر جامع فى مدينة سرس الليان، وكانت عائلة شرشر معروفة أنها دار علم وليست دار نفوذ وسلطان، ولذلك كان العلم الموروث والميراث الذى ورثناه من هؤلاء الرموز الذين عرضت على أحدهم ولاية الأزهر ورفضها، وقال «لهم الدنيا ولنا الآخرة»، ورفض أن يتولى منصب شيخ الأزهر.
كانت تحكى لنا هذه المواقف ليست كأساطير ولا حكايات ولكنها مواقف ستظل متوارثة داخل أجيال عائلة شرشر جيلاً بعد جيل، وهذا هو سر قوة هذه العائلة التى تحمل فى شفرات وجودها واستمرارها الموروث الروحى والموروث العلمى.
لكل ذلك كانت عمتى المرحومة الفاضلة الشريفة «زينب حسين سالم شرشر» آخر زهرة وريحانة فى شجرة هؤلاء الأفذاذ؛ لأنها كانت تستقى من نفيسة العلوم والمواقف، السيدة «نفيسة حسين شرشر»، اللتين ارتويتا من علم العارف بالله والدهما المرحوم الشيخ حسين سالم شرشر فلذلك هؤلاء الأطهار هم أحياء بيننا ولن يموتوا؛ لأنه ستظل ذكراهم باقية تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل، فلذلك أستشعر افتقاد عمتى فى هذا التوقيت الذى كنت أتمنى أن تكون معنا هى وأمى التى علمتنى منذ الصغر أن أواجه الحياة بالحقائق، ولا أقول إلا قول الحق رغم كل الإغراءات والضغوط والشائعات، وستبقى الذكرى ميلاداً جديداً للإنسان بعيداً عن شهادة الميلاد.. وأسألكم أن تقرأوا الفاتحة على روح هذه الريحانة، آخر زهرة فى بستان عائلة شرشر.