الجمعة 19 أبريل 2024 01:13 صـ 9 شوال 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: لغز الطائرة الروسية

جاء الحادث المأساوى للطائرة الروسية التى سقطت فى سيناء، ليكشف القناع عن كثير من الأمور، التى كانت خافية على عامة الشعب المصرى، أهمها الخلل الإعلامى الرهيب الذى أصاب منظومة الإعلام فى مصر، حيث سارعت كثير من وسائل الإعلام المصرية فى تناول الحادث بأبعاده المختلفة دون أن تستند فى تغطيتها على معلومات حقيقية صادرة عن جهات التحقيق، والتى لم تكن حتى قد حصلت على الصندوقين الأسودين للطائرة، ولم تكتف وسائل الإعلام المصرية بذلك، بل استعانت بعدد من  المصادر الإعلامية الغربية المشبوهة، والتى تهدف إلى تشويه صورة النظام المصرى، وعرقلة التنمية الشاملة التى بدأها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كافة المجالات، مدفوعة بذلك بمليارات الدولارات التى يقوم التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية بضخها فى تلك المؤسسات من أجل إسقاط الدولة المصرية، وإعادة الإخوان إلى المشهد السياسى مرة أخرى. 

كما أظهر الحادث وبوضوح الحاجة الماسة لإعادة هيكلة الإعلام الرسمى فى مصر، خاصة أن التليفزيون المصرى لم يكن على قدر المسئولية فى تغطيته للحادث، ولم يقدم للمشاهدين ما يحتاجونه من معلومات تغنيهم عن اللجوء للقنوات الغربية وخاصة البريطانية والأمريكية المشبوهة، وهو ما يعيد للأذهان ما طالبت به سابقا من ضرورة تشكيل غرفة عمليات وإدارة أزمات للتعامل مع مثل هذه الأحداث الكبيرة، لإمداد الصحفيين المصريين والأجانب بالمعلومات الحقيقية الكافية دون تباطؤ أو الحاجة لمصادر أخرى مشبوهة ومضللة وتستخف بعقول المتابعين. 

 


أما جماعة الإخوان الإرهابية وأذنابها فى الداخل والخارج فلم يكتفوا - كعادتهم- بالشماتة فى مصر، بل سعوا إلى تأليب الرأى العام المصرى والعالمى ضد الحكومة المصرية من خلال إظهار الحادث كأنه أمر اعتيادى فى الحياة اليومية فى مصر، وأن السياح غير آمنين فيها، بل دعوا شركات السياحة الأجنبية إلى مقاطعة مصر سياحيا، حتى إنهم نقلوا لصحيفة بريطانية ذائعة الصيت خبرا كاذبا مفاده أن طائرة بريطانية أخرى تم استهدافها بواسطة تنظيم «داعش» فى سيناء عن طريق صاروخ حرارى، وهو ما نفته الحكومة البريطانية جملة وتفصيلا، إلا أنه يكشف وبوضوح عن الأهداف الخبيثة للجماعة الإرهابية لتقسيم الوطن، والدعوات الخفية للتدخل الأجنبى فى مصر، وتدمير الاقتصاد الوطنى، من خلال استهداف أحد أهم مصادر الدخل القومى وهى السياحة، التى يعمل بها مئات الآلاف من المصريين البسطاء. 
وأكثر ما يدل على انحطاط الجماعة الإرهابية وأتباعها، ما قامت به شركات السياحة التابعة للتنظيم الدولى، فبمجرد وقوع الحادث المأساوى، قامت هذه الشركات بدعوة السياح إلى زيارة تركيا بدلا من مصر وقدمت تخفيضات خيالية من أجل تدمير قطاع السياحة تماما فى مصر، إلا أن مخططاتهم باءت بالفشل، لأن السياحة المصرية تعتمد فى معظمها على السياح الروس، وسياح دول شرق أوروبا، وهؤلاء السياح يعشقون الذهاب لمصر، خاصة شرم الشيخ والغردقة، فهناك أفضل مكان للسباحة والغوص على مستوى العالم، كما أن الطقس فى سيناء مميز طوال أيام العام، ففى الشتاء الطويل القارص البرودة فى روسيا، يهرب الروسى إلى مصر من أجل البحث عن الدفء والاستجمام، بعكس تركيا التى تضربها الثلوج فى مثل هذا التوقيت. 

 


بالإضافة إلى ذلك فإن هذا الحادث يؤكد ما قلناه سابقا إن التنظيم الدولى للإخوان متغلغل فى المجتمع البريطانى وخاصة فى لندن، فقد قامت بريطانيا بإصدار قرار بتعليق تحليق طائراتها فوق سيناء وحذرت السياح الإنجليز من الذهاب لشرم الشيخ، وهو القرار الذى أثار علامات استفهام كثيرة، خاصة أنه تزامن مع وجود الرئيس عبدالفتاح السيسى فى لندن، مما جعل الأمر يظهر كمحاولة لخلايا الإخوان هناك لإفشال الزيارة، كما أن القرار جاء بعد ساعات فقط من الحادث ودون إبداء أى أسباب، وفوق كل ذلك جاء فى الوقت الذى لم تكن فيه روسيا الدولة التى تعرضت للحادث نفسه قد أصدرت قرارا مماثلا، وهو ما يدل على حالة الترصد، أو كأن الحكومة البريطانية كانت تنتظر مثل هذا الحادث لإصدار القرار، وإعلان نواياها الخفية والتآمرية تجاه مصر! 
كما كشف الحادث عن المحاولات الحثيثة التى تقوم بها الدول الغربية لإفساد العلاقات بين مصر وروسيا لأن الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى والرئيس الروسى فلاديمير بوتين بينهما شبه اتفاق فى وجهات النظر فيما يتعلق بالقضايا الرئيسية فى منطقة الشرق الأوسط والعالم، خاصة فيما يتعلق بضرورة مواجهة الإرهاب بأقصى قوة ممكنة، وهو الأمر الذى يفسد مخططات الأمريكان والأتراك والقطريين الممولين الرئيسيين للجماعات الإرهابية فى نشر ما يسمى بالفوضى الإرهابية فى المنطقة وتقسيم الدول لتحقيق أطماعهم الاستعمارية، ووضع حكومات عميلة لهم على رأس الدول، إلا أن التعاون الكبير بين القاهرة وموسكو وإفساده لهذه المخططات أصابهم بالجنون، فسارعوا باستغلال الحادث للتفرقة بين الحليفين الكبيرين، ولكن الرئيسين كانا لهما بالمرصاد، وأكدا متانة العلاقات بين البلدين، حيث أكد بوتين أن حكومته وجدت تعاونا غير مسبوق من الحكومة المصرية خلال التحقيق بالحادث، وأن روسيا لن تستبق نتائج التحقيقات لإعلان أسباب الحادث والمسئولين عنه. 
الأمر الآخر أن التدخل العسكرى الروسى فى القضايا الرئيسية بالمنطقة خاصة الحرب الدائرة فى سوريا أقلق الأمريكان والأتراك، الذين كانوا يعوّلون على انتصار الجماعات الإرهابية وخاصة تنظيم داعش لتقسيم بلاد الشام، فتحصل تركيا على نصيبها وتحاصر الأكراد، وتحصل أمريكا على نصيبها وتتدخل بحجة حماية الحدود الإسرائيلية من الجماعات الإرهابية، كما أرادوا استغلال الحادث لإفساد علاقات روسيا مع أكبر حلفائها بالمنطقة وهى مصر، فمن ناحية قام الأتراك بالتعاون مع شركات التنظيم الدولى للإخوان، بمحاولة «جر ناعم» مع روسيا من خلال عمل تخفيضات خيالية للأفواج السياحية الروسية الراغبة فى زيارة تركيا، وهو ما يحقق لهم هدفهم الأساسى من تدمير الاقتصاد المصرى. 
ومن ناحية أخرى قام الأمريكان والبريطانيون من خلال وسائل إعلامهم المشبوهة ببث أخبار مغلوطة ومشبوهة بأن الأمن المصرى غير قادر على حماية السياح الروس فى شرم الشيخ، وهو ما يحقق لهم أهدافهم الخبيثة من إفساد العلاقات المصرية الروسية؛ فتفقد مصر بذلك دولة كبيرة وحليفا استراتيجيا مثل روسيا، وتفقد روسيا حليفها الرئيسى فى المنطقة، وبالتالى يخسر كلاهما ويكون المستفيد الوحيد هو الجماعات الإرهابية ومموليها من الأمريكان والبريطانيين والأتراك.  

 


ولكن يشاء الله أن يكون للسياح الموجودين فى شرم الشيخ رأى آخر، فبالرغم من التهويلات التى تبثها الصحف الغربية لتدمير أحد أكبر مصادر الدخل القومى المصرى، أصر معظم السائحين فى شرم الشيخ والغردقة على استكمال زيارتهم ببرنامجها المحدد مسبقا وعدم المغادرة، وساعد على ذلك حملات الدعاية المكثفة التى قام بها هشام زعزوع، وزير السياحة، بالإضافة إلى تطمينات المصريين العاملين فى المدينتين السياحيتين، بل وصلت يوم الاثنين الماضى أفواج سياحية من روسيا وألمانيا وغيرهما من الدول الأوروبية وصل عددها إلى 12 ألف سائح، وهو ما يذكرنا بقوله تعالى «وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ»، ولا عزاء للخونة والحاقدين.