أسامة شرشر يكتب : من يفسد العلاقة بين الرئيس والشباب؟
جاء إصدار الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارا بالعفو عن 165 من الشباب المصري، بمناسبة شهر رمضان المبارك، ليعطي دلالة قوية أن هؤلاء الشباب كانت كل قضيتهم هي التعبير عن آرائهم وطموحاتهم ومطالبهم، ولكن بطريقة خاطئة مما أدى إلى احتجازهم فترة طويلة، ونحن لسنا مع محاولة وأد أو قمع المظاهرات الشبابية التي تنادي بالحريات والتظاهر في إطار القانون، حتى لا تحدث فوضى ولا يتدخل أحد ليفسد تظاهراتهم.
ولكن ما لفت نظري هو أن العدد الذي تم الإفراج عنه هو 165 شابا فقط، وكنت أتوقع أن يكون عدد المفرج عنهم أكثر من ذلك بكثير لأن هناك قوائم بأسماء شباب من كليات مختلفة وبعيدين عن الأضواء والشهرة لا جرم لهم ولا تهمة عليهم، إلا أنهم مارسوا التعبير عن آرائهم وأفكارهم، فلذلك أتوقع في شهر رمضان أيضا، أن يتم الإفراج عن مجموعات من الشباب المصري، الذين كانوا هم أساس وقود ثورة 30 يونيو، وكانوا ضد أخونة الدولة وحكم المرشد، وكانت مواقفهم واضحة، ولكنهم انفعلوا نتيجة إصدار قانون التظاهر الذي كان نقطة فاصلة بين الشباب الذي يعشق تراب هذا الوطن، وبين قلة استغلت ذلك لبث سمومهم وأفكارهم في صفوف الشباب البرىء.
وأتعجب من البعض المحسوب للأسف الشديد على المفكرين والكتاب، والذين يعترضون من الأساس على الإفراج عن الشباب، بل يعترضون على العفو الرئاسي في حد ذاته، ويصنفون الشباب على أنهم مجرمون يستحقون العقاب، وليسوا أصحاب رأي أو رؤية لطرح أفكارهم، فلذلك اختلط الحابل بالنابل، فلا نعرف لماذا يرفض هؤلاء المدعون الجدد الذين يريدون تحويل الوطن إلى حجرة مغلقة لوأد الأفكار وقتل المبادرات واختزال الكلمات وتقديس الحكام، ومنع الكلام.
إن آراء المعترضين على العفو الشعبى وليس الرئاسي فقط، ردة في طريق البناء والتنمية، وردة في طريق حرية الكلمة والتعبير لأنهم لا يقرأون ولا يدركون ولا يعلمون أن مصر 70% من سكانها من الشباب.
ولأن الشباب هم العمود الفقري لأي أمة تريد أن تنهض وتتقدم في الطريق الصحيح فلابد من الاستماع لهم ومحاولة التحاور والتواصل معهم من خلال قواعد مشتركة مع هذا الجيل الذي يؤمن بالأرقام والمعادلات والحقائق والوقائع ويرفض الفساد والإفساد والنخب الفاسدة والأحزاب الورقية، ويجد أن الخلاص الحقيقي لهذا الوطن في إتاحة الفرصة للشباب لتولى المسئولية مطعما بخبرة الحكماء والشرفاء حتى يحدث امتزاج من خلاله تتجه البلد إلى مشارف التنمية الحقيقية بعيدا عن لغة الشعارات والفساد، فالمشكلة الحقيقية الآن أن الشباب المصري عازف ورافض لكل شىء، وهذه هي الطامة الكبرى، أننا ما زلنا نتخيل ونفكر أن الشباب نستطيع أن نضحك عليه ونحتويه من خلال لقاءات وندوات ومعسكرات سواء في الجامعات أو غيرها، ولكن كل هذه الأفكار تأتي من داخل الصندوق الحكومى، ولابد أن تكون هناك أفكار من خارج الصندوق، حتى تتم معرفة ماذا يريد الشباب، وما هي مطالبهم، وما هي حقوقهم وواجباتهم، حتى نصل إلى أرضية مشتركة لاحتوائهم ودمجهم في ماكينة التطوير والتفعيل للمجتمع.
فلذلك أعتقد أن أول خطوة لإعادة مد الجسور المفقودة منذ 2011 مع الشباب هي الإفراج عن كل المحتجزين سياسيا منهم بلا تهم جنائية، وهناك إحصائيات تشير إلى أن عددهم 1500: 1800 شاب، وأعتقد أن الإفراج عنهم أصبح ضرورة ملحة حتى نعطي رسالة طمأنة للشباب، الذين يعتبرون مطلبهم الرئيسي أن يتم الإفراج عنهم بلا ضمانات وبلا إضافة سوابق في سجلاتهم حتى يشعروا بالأمان السياسي والتواصل الفكري والنفسي والاجتماعي الحقيقي ويشعرون أن عفو الرئيس ليس عفوا إعلاميا فقط، ولكنه عفو واقعي من خلال الإحساس بأهمية ودور الشباب في المرحلة القادمة، وأن مصر تتسع لكل الأفكار والاتجاهات من كل الطوائف.
وبناءً على كل ما سبق أنا من الذين ينادون بضرورة فتح قنوات سريعة مع الشباب بعيدا عن الرسميات والبروتوكولات ويجب أن تكون مشاركتهم عملية وفعلية وواقعية في مفاصل الدولة في كل نواحي الحياة، حتى يعلموا كيف تدار وكم المشاكل التي يعاني منها الوطن، ويجب ألا نتخلى عنهم، لأنهم في النهاية خيرة شباب مصر طالما لم يحملوا الرصاص والمولوتوف ضد الوطن والمواطن، فالعفو الشبابي هو بداية لدخول هؤلاء الشباب الذين تم الإفراج عنهم في طاحونة الحياة المصرية بدلا من الانضمام لبوابة الانتقام والكراهية التي تؤدى إلى تدمير عقول الشباب وخسارة الوطن.
ويجب أن ننتبه أن طيور الظلام وتوابعهم يحاولون أن يجندوا ويسمموا أفكارهؤلاء الشباب الأنقياء، ويحاولون إقامة حاجز بينهم وبين الدولة المصرية وبث أفكار مسمومة في أذهانهم لتجنيدهم بدعوى الثأر من النظام والبلد، فالضربات الاستباقية من مؤسسة الرئاسة، وسرعة الإفراج عن الشباب، أحرقت الورقة الأخيرة التي استغلتها جماعة الإخوان في الداخل والخارج لتضليل الرأي العام العالمي والمحلي، بأن النظام، يحبس الشباب، ويحاول تصفيتهم، وكان العفو الرئاسي، عن الشباب هو لطمة قوية في وجه أردوغان والأمريكان والإخوان.
حكاية الحوثيين وبان كى مون
الموضوع زاد عن حده في اليمن.. وأصبحت إحدى الأدوات التي تريد أن تقضى بها على الدول والشعوب بصفة خاصة العربية أن يقوم بان كي مون المبعوث الرسمي للأمريكان في الأمم المتحدة، بإرسال إحدى أدوات الأمريكان لوضع بذور الانشقاق والحرب الأهلية في الدول العربية.
وما يحدث في اليمن غير السعيد - من قيام مبعوث بان كي مون جمال بن عمر، هذا الرجل الذي اختفى الآن من المشهد رغم أنه كان السبب فيما يجرى الآن باليمن، بالذهاب إلى صعدة وتحاور مع الحوثيين، وطالبهم بالمشاركة في مؤتمر الحوار الوطنى، ورتب مع على عبد الله صالح، وفتح قنوات بين الحوثيين وعلى عبدالله صالح- يحزن القلب ..
بل وصل دور بان كي مون في التواطؤ والعمالة والخيانة لليمن بأن على عبد الله صالح أصبح على علاقة مع المرجعيات الإيرانية من خلال الحوثيين، والغرض من هذا كله شيئان هو محاولة إدخال السعودية في صراع لا طائل منه وفي عاصفة لا وجود لها مع اليمن الصعبة في تضاريسها وتركيبتها الشعبية، وهو الأمر الذي أجبر السلطات السعودية على شن ضربات جوية على معاقل على عبد الله صالح الذي يعتبر هو بان كي مون الآخر في المنطقة، والذي تمرد على السعوديين الذين أعطوه قبلة الحياة ودعموه بالمال والسلاح لمقاومة الحوثيين وتنظيم القاعدة ولكن للأسف الشديد انقلب السحر على الساحر وأصبح الحوثيون وعلى عبد الله صالح يهددون الحدود السعودية ويبعثون ميليشياتهم لتفجير المساجد في المنطقة الشرقية، ولولا توقع الأمن السعودي لهذا السيناريو وذكاء وزير الداخلية محمد بن نايف لكان المشهد أكثر دمارا وتدميرا.
أما الهدف الثاني فهو محاولة حصار مصر بحريا وخاصة أننا بعد أيام سنقوم بافتتاح مجري قناة السويس، وأن المجرى الملاحي للقناة الجديدة يحتاج إلى تأمين باب المندب والبحر الأحمر حتى لا تتم القرصنة على السفن المارة بها، ومحاولة إغلاق وضرب المصالح المصرية، من خلال مضيق البحر الأحمر.
فأصبحت مصر والسعودية في مواجهة مع على عبد الله صالح والحوثيين.
وعلى جانب آخر، تقوم الدبلوماسية المصرية، بلقاء مع الحكماء والمسئولين اليمنيين لمحاولة وضع تصور نهائي لإنهاء الأزمة لأن مؤتمر جنيف أو أي جنيف لن يستطيع أن يحل هذه الأزمة إلا من خلال تدخل عربي حقيقي ووساطة مصرية فاعلة وناجزة.
ناهيك عن البشاعة والدمار والقتل وعدم وصول المساعدات الإنسانية إلى الشعب اليمني الذي يدفع ثمن موقفه ضد على عبدالله صالح وميليشياته، والحوثيين دمية إيران.. ولكن السؤال المحير.. لماذا نتأخر حتى تتوحش هذه الكائنات ونعمل كرد فعل، فنحن من البداية تركنا لهم فرصة ذهبية ليتمددوا داخل اليمن المعقدة جغرافيا، ونعاني الآن بسبب ذلك.. فاليمن لها طابع خاص إنسانيا، فأهلها يعتزون بوطنهم، ويرفضون المؤامرات عليهم، فهم بلاد حضارة وتاريخ عريق ولا ننسى قصة ملكة سبأ مع نبي الله سليمان، فهم يعتزون بأنهم شعب تمتد جذوره إلى عمق التاريخ.. وبالرغم من رفضهم لحكم الإمام، إلا أنهم للأسف ضد عاصفة الحزم، إلا من خلال الحوار.. رغم رفضهم للحوثيين الذين من المفترض تحجيمهم لأنهم توحشوا في غفلة من الزمان وأصبحوا من خلال علاقة المصالح والمطامع مع على عبد الله صالح منتشرين في أنحاء اليمن، والدماء أصبحت تسيل من صنعاء إلى عدن.
والسؤال الأهم الآن.. هل سيطول بقاء عبد ربه منصور في الرياض؟! ولماذا لايعود لعدن؟!، وهل دماء عبدربه منصور أغلى من دم الشعب اليمني الذي يقتل دفاعا عن أرضه وعرضه ووطنه؟!.. مجرد تساؤل!
إبراهيم محلب فى سرس الليان ومنوف
عندما تحس بالحنين إلى الأرض ورفقاء الطريق، وأيام الزمن الجميل، فإن زيارة مرتع الطفولة الأول يكون هو السبيل لإشباع ذلك الحنين.. اتجهت منذ أيام إلى بلدتي سرس الليان التي لا تغيب عن خاطري ولا أغيب عنها، لارتباطي بها ارتباطا عضويا وجينيا، إلا أن ما قابلني هناك أرَّق منامي ليالى متواصلة.
فمنظر أكوام القمامة الذي استقبلني في شوارع المدينة وأمام دار مناسبات آل حسام الدين ومسجد الكوراني، وفي معظم الشوارع الرئيسية، بمدينة سرس الليان أصبح شيئا معتادا لأهالي المدينة، التي أصبحت للأسف مدينة على الورق، وعلى أرض الواقع تفتقد لأبسط مقومات المدينة.
كما عم الزحام والفوضى المرورية الأماكن الحيوية بالمدينة، وعلى كوبرى سرس الليان، بسبب التكاتك والتاكسيات والميكروباصات والنقل الثقيل وسيارات الملاكي، لدرجة تشعر معها أنك في بلد لا يوجد بها مسئولون، فالارتباك هو سيد الموقف، ورأيت بعيني تعطيل الطريق لمدة ساعات في غياب تام لشرطة المرور والأمن، وفي غياب تام للوحدة المحلية لسرس الليان ورئيسها، ناهيك عن أبشع الألفاظ التي تسمعها حولك طوال الوقت.
بالإضافة إلى ما سبق فإن المدينة تعاني أيضا من كارثة إشغالات الطريق، فمدخل مدينة سرس الليان تم الاعتداء عليه من خلال الاعتداء على حرم الطريق، ولأن رئيس الوحدة المحلية لا يتابع ولا ينسق مع الشرطة، أصبحت الفوضى هي العلاقة السائدة بين جميع أطراف المنظومة بسبب عدم تطبيق القانون بصرامة على الجميع.
عندما يغيب القانون يغيب كل شىء، وعندما يتسرب الفشل الإداري إلى بعض أجزاء منظومة ما، فاعلم يقينا أنه سيطول كل أجزاء المنظومة، وهو ما تأكد لي عند زيارة مستشفى سرس الليان المركزي، فقد أصبح مستشفى بلا مستشفى، فلا يوجد به أطباء ولا كوادر ولا استقبال ولا أدوية.. وشاءت الأقدار أن أكون في زيارة لصديقى «وجيه عيسي»، في العناية المركزة بالمستشفى لأجد أنها لا هي عناية ولا هي مركزة، ولكنها جزء من فوضى الشارع، فلا أطباء ولا ضوابط، وتسمع أيضا بداخلها أبشع الألفاظ..
نزلت وأنا أتخيل جولات المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء في محافظات مصر.. وتساءلت.. هل مدينة سرس الليان ومنوف لا وجود لهما على خريطة إبراهيم محلب في شهر رمضان؟!
وكانت الخاتمة بزيارة مدينة منوف، حيث استقبلتنا أيضا أكوام القمامة، التي تعتبر عنوان المدينة، هي وإشغالات الطريق، ووجدت أن الأمر لا يختلف كثيرا في منوف عن جارتها سرس الليان، اللهم إلا في أداء مستشفى منوف الذي يديره الدكتور أسامة ليلة، والذي سمعت من المرضى فيه وفي طاقم الأطباء والتمريض والعاملين معه بالمستشفى شعرا.. فتحية لهؤلاء الأبطال الذين يمثلون نقطة مضيئة وسط هذه العتمة البائسة.