الخميس 9 مايو 2024 03:07 صـ 1 ذو القعدة 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
مصدر رفيع المستوى: استمرار جولة مفاوضات هدنة غزة وجار مناقشة بعض التفاصيل القبض على مستريح الهواتف المحمولة بالمنوفية قبل السفر خارج البلاد طفلة التيك توك تمارا عماد تغني مع سعد الصغير لأم كلثوم ريال مدريد يتأهل الى نهائي أبطال أوروبا بعد الفوز على بايرن ميونخ 2 / 1 فى 3 دقائق.. خوسيلو يسجل ثنائية فى ميونخ وينقذ مدريد من شبح مغادرة دورى الابطال رقص و”مزج بلدي” لتحسين الصحة والنفسية ضمن ورش إيزيس الدولى للمسرح وزير السياحة والآثار يعقد اجتماعاً مع نظيره الأردني لمناقشة سبل تعزيز التعاون المشترك بين البلدين في مجال السياحة والآثار تواصل فعاليات برنامج دورات تنمية سياسية للشباب بالدقهلية بايرن ميونخ يسجل الهدف الاول فى شباك ريال مدريد عن طريق الفونسو ديفيز جامعة بورسعيد تستقبل وفد من مركزِ القياسِ والتقويم بوزارة التعليم العالي ضبط سيدة تدير كيان وهمي مقابل الاستيلاء على الأموال من المواطنين بسوهاج مصرع وإصابة 5 أشخاص بحادث تصادم 3 سيارات بسوهاج

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: رحلة فى قلب المتوسط

الكاتب الصحفي أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار
الكاتب الصحفي أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار

فاجأنى صديقى العزيز بدعوة إلى بعض موانى البحر المتوسط بداية من برشلونة فى إسبانيا وكان فى فرنسا وروما فى إيطاليا.

ووسط الأفكار والتدبر والتأمل فى معجزات الله كانت ترنّ فى أذنى كلمات الله، عز وجل (سُبْحَانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُون)، وكانت السفينة تعبر فى ظلام الليل الحالك، إلى أن يقطعه شعاع الفجر لتعود الحياة إلينا مرة أخرى بعد نوم يحمل فى طياته القلق والتوتر من المجهول الذى نعيشه.

وكانت رحلة المركب فى قلب المتوسط تجعلك تفكر بشكل هادئ وسط الأمواج المتلاطمة والمتخاصمة فى الليل والمتصالحة فى النهار، وأمام لحظة غروب الشمس، وشروق النهار، كلمات ومسافات طويلة تنقلك من زمن إلى زمن آخر ومن مكان إلى مكان آخر.. ولكن القاسم المشترك هو البحر المتوسط.

وكان حوارى مع صديقى وبعض المصريين الهم المشترك فيه أو بمعنى أدق القاسم المشترك والتساؤل الذى ليس له إجابة حتى الآن وكأنه لغز أو لوغاريتم يصعب فك شفراته: لماذا لا تحظى مصر رغم أنها أكثر دول المتوسط بها حضارة ونهر وبحار وطقس أعتقد ليس موجودًا فى أى مكان فى العالم بمزيد من هذه النوعية من السياحة؟ ولماذا نجد تراجعًا سياحيًا غير عادى؟ فى رأيى أن الحل يكمن فى الإنسان وليس البنية الأثرية أو السياحية أو الثقافية أو البحرية.. فالمواطن المصرى هو القادر على جذب السياح، وفى نفس الوقت تطفيشهم أو عدم عودتهم مرة أخرى بإعطائه صورة سلبية.

ونحن لا نمتلك رفاهية هروب السياحة من مصر، ولا بد أن نعترف بأن هناك إهمالًا وقصورًا على مر الفترات السابقة وأن 75% من الأماكن السياحية ليست على الخريطة السياحية للأسف الشديد (وكأن هناك سياحة سرية غير معلنة) وأتساءل وأتعجب وأنا فى جزيرة مايوركا الإسبانية، التى لا يزيد عدد سكانها على 900 ألف نسمة وعدد السياح الذين يزورونها سنويًا حوالى 12 مليون سائح، وعندما رأيناها لا نجد فيها شيئًا مميزًا إلا كهفًا تحت الأرض يمثل مزارًا سياحيًا رئيسيًا ونحن نمتلك كهوفًا حضارية وأثرية وشاطئية وكل شىء.

والأغرب، وليس بالأغرب، أن عدد السياح الذين يجيئون إلى إسبانيا بشكل عام 80 مليون سائح سنويًا، أى أكثر من عدد سكان إسبانيا.. لماذا؟! رغم أنهم لا يمتلكون إلا بقايا الحضارة العربية بالأندلس، ولقد سمعنا من سكان الجزيرة أن العرب علموهم كيفية بناء البيوت وتخزين الحبوب، ورأينا بيوتًا عربية منذ مئات السنين.. فما زالت البصمات العربية بالأندلس تطل عليهم ولكن هيهات بيننا وبينهم الآن.

للمرة الثانية هذا هو التساؤل الذى ليس له إجابة.. هل ثقافة الإنسان هى الفرق؟ هل قدرة الإنسان فى إسبانيا تساعد على جذب السياح من خلال التعامل الحضارى والراقى معه؟ هل هى الأنظمة والقوانين وثقافة احترام القانون والآخر؟ هل هى فروق فى التعليم وفروق فى الثقافات نتيجة الاحتكاك والمعايشة اليومية؟!.

لا أعرف سببًا يجعلنا نتراجع فى عمليات جذب أكثر من 60 مليون سائح لمصر، وما أحوجنا إليها فى هذا الوقت!، لأنها قد تكون جزءًا مهمًا للدخل القومى، تساهم بمليارات الدولارات.. وثقافة جذب السياح يجب أن تكون فى المدارس والجامعات فى مادة لتعليم جذاب واحترام السائحين وطريقة التعامل معهم وليس ابتزازهم أو سرقتهم أو تقديم صورة سلبية. وللأسف الشديد لا بد أن نعترف بأن هذا هو واقعنا اليومى الذى يؤدى إلى انطباع سلبى داخليًا وخارجيًا بالنسبة لنا.. وهذا هو سر عدم مجىء ملايين السياح إلينا رغم الأمن والأمان الذى تحظى به مصر الآن والمفقود فى بعض دول العالم.

إذًا القضية هى ثقافة وتعليم وتدريب الإنسان من خلال ما يسمى بالوعى السياحى.. هذا الوعى السياحى والقدرة على التعامل مع الآخرين يعطى دلالة وانطباعًا يدوم فى ذاكرة السائح لأنهم يتذكرون دائمًا طريقة التعامل أو الفهلوة أو فى بعض الأحيان البلطجة بداية من السائق فى المطار وصولًا إلى كل الأماكن التى يترددون عليها

بصدق وبصراحة وشفافية، نحن لا نمتلك القدرة على احتواء السائح واحترامه وعدم ابتزازه وهذه هى مشكلتنا الحقيقية.. هل يُعقل وأنا فى روما فى شهر يونيو الماضى دخل روما 2 مليون و900 ألف سائح فى يوم واحد، ويصل عدد السياح فى إيطاليا سواء روما أو نابولى أو ميلان أو غيرها من المدن الإيطالية إلى 70 مليون سائح سنويًا.

ناهيك عن كان فى باريس ومهرجان كان السينمائى الذى يقام سنويًا، والطفطف والأتوبيسات السياحية التى يكون بها مرشد سياحى يتم ترجمة كلامه إلى ست لغات عالمية منها اللغة العربية ويطوف بك فى أنحاء كان يشرح معالمها وفنانيها والحاصلين على جائزة نوبل للسلام بمنتهى البساطة والرقى، مما يجعل كان فى ذاكرة السائح مكانًا لا تغيب عنه شمس المعرفة والثقافة والفنون، فضلًا عن مواطنيها الذين يتفننون فى تقديم كل ما يمكن أن يحتاجه السائح.

وأعتقد أن عدد السياح الذين يزورون فرنسا يتخطون 100 مليون سائح سنويًا كما تقول الإحصائيات.

ونحن فى قلب المتوسط وتعبر بنا السفينة من بلد إلى بلد ومن شاطئ إلى شاطئ كان الهم والتفكير، لماذا لا تكون مصر مثل هؤلاء رغم أننا نمتلك كل شىء؟ إلا أنهم يمتلكون أهم شىء وهو صناعة البشر حضاريًا وثقافيًا وعلميًا وتعليميًا.

وانتهت الرحلة وأنا ما زلت أسبح فى قلب المتوسط حتى أصل إلى شواطئ مصر الجميلة متمنيًا أن أرى أكثر من 100 مليون سائح يعبرون البحر المتوسط إلى قاهرة المعز وشرم الشيخ والغردقة والأقصر وأسوان.

واستيقظت على صوت رجل فى العبّارة يقول (هنا القاهرة)!

وصحوت على ارتطام السفينة بصخرة الواقع (مفيش فايدة فيك).

وعجبي